القناعات السلبية وتأثيرها على قراراتنا.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

القناعات السلبية وتأثيرها على قراراتنا..

  نشر في 22 نونبر 2015 .

فى حياتنا اليومية أمور اعتدنا عليها وأمثال سمعناها من أجيال سبقتنا وما زالت آثارها تخيم بظلالها على نمط تفكيرنا وأسلوب حياتنا، والأمثلة بها الجيد والردئ والمحفز والمحبط والتى تدعو للتفاؤل والتى تدعو لغير ذلك بها ما يشحذ الهمم نحو الأعالى والآفاق وبها ما يخسف بالهمم دون التراب .

إنها القناعات السلبية.. عقبات في طريق الفرد نحو التغيير وأمثلتها في الحياة لا تعد ولا تحصى.. ومنها القناعات على مستوى المجتمع.. فهذه مشكلات لم تجد حلولاً منذ سنوات طويلة والسبب تلك القناعات الراسخة والتي يؤمن معتنقوها باستحالة الوصول لحلول جذرية لها وبالتالي فلا داعي لاضاعة وهدر الوقت في سبيل البحث عن حلول غير ممكنة.

هذه القناعات من شأنها أن تقتل كل إبداع وتوقف كل تميز، هذه القناعات حولت بعض الأمور لخوارق شبه مستحيلة، وأمور البعض يعتبرها ضرباً من ضروب الميتافيزيقا هذه القناعات أصبحت فى مخيلتنا فقط وأصبحت مثبطة لهممنا وعزائمنا.

فالطفل الصغير إذا حاول أن يفعل شيئاً لا يفعله غير الشخص الكبير لنهاه البعض وأخافه بحجة أنه طفل صغير لا يحق له فعل هذا، وبالتالى يصاب الطفل بالاحباط قد يقضى على إبداعه وهو صغير خاصة لو كان يملك ملكة أو مهارة تحتاج لتنمية وعناية.

وكذلك الشباب حينما يرى أوضاعاً فى مجتمعه خاطئة ويرى الرشوة والوساطة يتعامل بها الناس لتسهيل مصالحهم ويرى خريجى الجامعات لا يجدون فرص عمل، تراه يقتنع بهذا الواقع السلبى ولا يعمل على تفادى هذه السلبيات باللجوء للتدريب التحويلى وغيرها ، مما دفع الكثير من الشباب ممن هم فى طور التعليم للخروج من جامعاتهم ومدارسهم بحجة أن التعليم ليس له قيمة ولا يعطى للخريج فرصة عمل مناسبة .

سأذكر بعض الأمثلة الدارجة على ألسنة الكثيرين وهى دافعة فى حد ذاتها لجعل عتبة الإحباط لدى بعضنا تصل لأدنى مستوياتها ،فعلى سبيل المثال :

.....إنت هتجيب الديب من ديله ....

.....مستحيل عمره ما يحصل ....

.... امشى جمب الحيط ولو قدرت جوه الحيط يكون أحسن ....

..... كبر دماغك يعنى اللى عملوها قبلك خدوا ايه .....

..... إنت بتأدن فى مالطة .......

.... اتكلم من هنا للصبح محدش هيسمعلك ......

..... أدى دقنى اهيه لو حد فهم .......

...... مفيش فايدة سعد زغلول قالها قبل كده مفيش فايدة ......

..... لقد ناديت ولو أسمعت حياً ولكن لا حياة لمن تنادى .......

...... ياعم كبر دماغك إنت هتتعب نفسك ليه .......

واسمحوا لإستخدام اللهجة العامية لهذه الأمثلة والتى أسميها قاموس الإحباط والتى من شأنها أن تقتل كل محاولة وكل تغيير، لأنها تعمل على إضعاف الجانب النفسى فى الإنسان والذى يعتبر من أهم الجوانب التى تساهم فى جعل الإنسان يصل للقمة خاصة إذا كان سوياً فى هذا الجانب .

لكن على الجانب الآخر دوماً ما تكون هناك إيجابية ألا وهى إيجابية المواجهة، وإيجابية المواجهة فى حد ذاتها لا يقوم بها إلا الأشخاص أصحاب الهمم العالية الذين يعشقون التحدى ويمحون كلمة مستحيل، والإيجابية هى التى تدفع الإنسان للتغيير وإزالة العقبات ومحو كلمة مستحيل فضلاً عن التفكير السليم والتخطيط الجيد.

فحينما خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ذاهبا إلى بلاد الشام، وكان معه بعض الصحابة، وفي الطريق علم أن مرض الطاعون قد انتشر في الشام، وقتل كثيرا من الناس، فقرر الرجوع، ومنع من معه من دخول الشام، فقال له الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ فرد عليه أمير المؤمنين: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! ثم أضاف قائلاً: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله؛ أرأيت لو أن لك إبلا هبطت واديا له جهتان: إحداهما خصيبة (أي بها زرع وحشائش تصلح لأن ترعى فيها الإبل)، والأخرى جديبة (أي لا زرع فيهما، ولا تصلح لأن ترعى فيها الإبل)، أليس لو رعيت في الخصيبة رعيتها بقدر الله، ولو رعيت في الجديبة رعيتها بقدر الله؟

فهذا منهج سيدنا عمر بن الخطاب فى التعامل مع هذه الأزمة وكيف وضح لسيدنا أبو عبيدة بأن الإيجابية أيضاً من قدر الله .

وايضا اليكم مثالا أخر: حضر أحد الطلاب في إحدى الجامعات في كولومبيا محاضرة مادة الرياضيات، وجلس في آخر القاعة ونام بهدوء، وفي نهاية المحاضرة استيقظ على أصوات الطلاب، ونظر إلى السبورة فوجد أن الدكتور كتب عليها مسألتين، فنقلهما بسرعة وخرج من القاعة، وعندما رجع إلى البيت بدأ يفكر في حل هاتين المسألتين. كانت المسألتان في غاية الصعوبة، فذهب إلى مكتبة الجامعة وأخذ المراجع اللازمة، وبعد أربعة أيام استطاع أن يحل المسألة الأولى، وهو ناقم على الدكتور الذي أعطاهم هذا الواجب الصعب!

وفي محاضرة الرياضيات اللاحقة استغرب أن الدكتور لم يطلب منهم الواجب، فذهب إليه وقال له: يا دكتور لقد استغرقتُ في حل المسألة الأولى أربعة أيام، وحللتها في أربع أوراق. تعجب الدكتور وقال للطالب: ولكني لم أعطكم أي واجب! فقال الطالب: والمسألتان اللتان كتبتهما على السبورة؟ فقال الدكتور: هي أمثلة كتبتها للطلاب للمسائل التي عجز العلم عن حلها!

إن هذه القناعة السلبية جعلت الكثير من العلماء لا يفكرون حتى في محاولة حل هذه المسألة، ولو كان هذا الطالب مستيقظاً وسمع شرح الدكتور لَما فكر في حل المسألة، ولكن رُبَّ نومة نافعة، وما تزال هذه المسألة بورقاتها الأربع معروضة في تلك الجامعة.

وفي الزاوية الأخرى، عندما احتاج القائد محمد الفاتح إلى وجود مدفع قوي لدك أسوار القسطنطينية.. ماذا فعل؟ قرر المباشرة باختراع مدفع جديد، وكانت فكرة الاختراع موجودة عند عالم مجري، قام الرومان بسَجنه في سجن داخل القسطنطينية، فقرر محمد الفاتح أن يقوم بفك أَسْره؛ وذلك عن طريق حفر نفق يمر أسفل الخليج وأسوار المدينة حتى يصل لغرفة الأسير، وقام بحفر نفقين بدلاً من نفق واحد، حتى يتخلص من تراب الحفر في مياه البحر حتى لايعرف الرومان بما يجري، واعتمد في تحديد موقع الأسير على الجواسيس، وبالفعل نُفِّذت الخطة وتم تحريره، وقام بتنفيذ المدفع في ثلاثة شهور أخرى حتى أصبح المدفع جاهزاً للاستخدام، وكان وزنه700 رطل ويقوم بجره 100 ثور ومعهم 100 رجل من الأشداء، وأثناء تجربة المدفع سُمع دويُّه من على بُعد 13 ميلاً، وسقطت القذيفة على بعد ميل كامل، وحفرت في الأرض حفرة عمقها 6 أقدام.

إن محمد الفاتح لم يقل إنه لأَمر صعب ومستحيل تنفيذه، كما نفعل نحن اليوم من إلقائنا السمع لعبارات التيئيس والفشل والعجز التي امتلأت بها حياتنا، فلم تعد لنا قدرة على تحدي الصعاب، وما هذا إلا بتخطيط من أعدائنا لأنهم يعلمون قدرتنا على الفعل والحركة إذا ما توفرت لنا أسبابها.

وهذه القناعات السلبية تجذب الفرد والمجتمع بأكمله إلى الخلف ولابد من تغييرها بقناعات ايجابية تقود إلى الأفضل.. والبداية عادة تكون بالاعتراف الواقع وما ينتج عن هذه القناعات من نتائج سيئة.. ثم توافر الرغبة في التغيير ثم الإرادة.. والممارسة للقناعات الايجابية الجديدة.. والاصرار على الاستمرار في ممارستها.

عندما نغير سنجد القناعات السلبية السابقة قد تبدلت إلى قناعات ايجابية مفادها ان الحياة تستحق العمل.. وان لكل مشكلة حلاً مهما عظمت.. وان المجتمع بطبيعته صالح لكنه يحتاج إلى طرح الثقة.. وأن الرجال والنساء شركاء في الحياة.. وأن الفرص في الحياة لا حدود لها... الخ.

ولقد أبدع حافظ إبراهيم في رسْم صورة لواقعنا الحي بالأمس ورضائنا بالدون اليوم فقال:

لم يبق شيء من الدنيا بأيدينا إلا بقيــة دمـع في مآقينا

كنا قِلادةَ جِِيدِ الدهر فانفرطت وفي يمين العلا كنا رياحينـا

حتى غدونا ولا جاهٌ ولا نسبٌ ولا صديقٌ ولا خِلٌ يواسـينا

عزيزي القارئ: في حياتنا توجد كثير من القناعات السلبية التي نجعلها شماعة للفشل، فكثيراً ما نسمع كلمة : مستحيل / صعب / لا أستطيع، وهذه ليست إلا قناعات سلبية ليس لها من الحقيقة شيء، والإنسان (الجاد) (المتوكل على الله) يستطيع التخلص منها بسهولة.

فالقناعات السلبية نحن من اقتنعنا بها ولن نستطيع إزالتها إلا من خلال التعامل بإيجابية على مواجهة الصعاب، فالحياة ميزتها أن تتغلب على العقبات لأنها دوماً دار ابتلاءات .

فلماذا لا نكسر تلك القناعات السلبية بإرادة من حديد نشق من خلالها طريقنا إلى القمة؟!!!

فلنحاول أن نصنع شيئاً.. ونغير من حياتنا بشكل إيجابي وبطريقة إيجابية.

دمتم بود

الدكتور / رمضان حسين الشيخ


  • 2

  • د. رمضان حسين الشيخ
    باحث في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة ☆ خبير التطوير الإداري والتنظيمي ☆ استشاري التدريب والموارد البشرية ☆ مدرب مهارات الحياة الذاتية وتكوين الكاريزما الشخصية ☆ إستشاري ريادة وتطوير الأعمال.
   نشر في 22 نونبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا