قبل سنوات قليلة كان بطل أفلام هوليود محققا ذكيا، أوشرطيا شجاعا، أو مواطنا عاديا دفعه موقف أو حادثة إلى السعي لإنصاف المظلوم وتحقيق العدالة.
أما اليوم فقد صار بطل هوليود لصا يستحوذ على أموال المواطنين، أو محتالا ينهب خزينة مصرف أو مؤسسة عمومية. وتزداد نجوميته كلما اقترب من تحقيق الجريمة الكاملة، فيفلت بمسروقاته من قبضة عدالة مرتخية!
ويصبح الأمر موجعا حين نتابع عشرات ألعاب الفيديو التي يجري تصميمها لتحاكي واقعة اللص أو المحتال، وتجعل من رجل الأمن أضحوكة يسخر منها اللص الافتراضي والطفل الواقعي!
هو تطبيع مع اللصوصية، ودعوة مستترة لأن يستخدم الجيل الناشى ذكاءه في الإفلات من منظومة القوانين التي يفترض أنها تؤطر حياته المجتمعية. هكذا إذن يتم تسويق أسلوب حياة مجرد من بعده الإنساني. يرتكز على اعتبار الحياة فخا منصوبا للإمساك بالضحايا و المخدوعين، والبسطاء الذين يوزعون ثقتهم دون مقابل.
إن اعتبار اللص بطلا هو في حد ذاته جريمة أخلاقية، مهما كانت مبرراته. والقول بأن الأمر مجرد تمثيل أو قصص خيالية للتسلية والمتعة، عذر أقبح من الزلة. ففي ظل الإمكانيات الهائلة التي تملكها تكنولوجيا الاتصال، والضغط المتواصل على المشاهد لاستقبال آلاف الصور والمقاطع والإعلانات التي تزكي اللصوصية، يتشكل أثر يصعب اقتلاعه من نفوس المشاهدين ووعيهم.
فهل المدرسة بمواردها المحدودة تستطيع التصدي لهذا الانفلات؟
وهل بإمكان الأسرة اللاهثة يوميا خلف لقمة العيش أن تتفرغ لمداواة هذا العطب؟
لاشك أن الجواب سيكون بالنفي، خاصة وأن ما يمكن أن تبنيه الأسرة أو المدرسة في سنوات، يسهل تدميره في لحظات، نظرا للتفاوت الحاصل في الإمكانيات، والتقنيات، ووسائل العمل.
تكمن خطورة الترويج للصوصية في ترسيخها لثلاثة قواعد مجتمعية، يتربى عليها المشاهد أو المتصفح الصغير:
-القاعدة الأولى هي أن اللص الذي يسرق الأغنياء ليعطي الفقراء، يقوم في الحقيقة بدور نبيل لإعادة توزيع الثروة.
- القاعدة الثانية هي أن اختلاس مؤسسة، أو نهب أموال عمومية لايسبب ضررا لأحد، بل هو تصفية حساب مع نظام فاسد، ومسؤولين غير مهتمين بمتاعب البسطاء. فتصبح علاقة المواطن بالدولة قائمة على مبدأ العين بالعين، والسن بالسن.
- القاعدة الثالثة هي أن اللص الذي يعتدي على أملاك الغير، له ظروفه ومبرراته التي يجب التعاطف معها، واحترامها، بل وتشجيعه لمواصلة أفعاله إذا لزم الأمر.
ما الذي يحدث إذن على مستوى تصورات الطفل وقناعاته، حين يهضم تلك القواعد بشكل شبه يومي؟
أولا: سيصبح كل غني لصا، دون التمييز بين رجل أعمال ناجح ومسؤول فاسد. وبهذا تتفكك الروابط بين فئات المجتمع، وتسود الكراهية وسلوكيات الانتقام والثأر.
ثانيا: يفقد المواطن ثقته في مؤسسات الدولة، لتصبح بالتالي غنيمة يتسابق الأذكياء النابهون للاستيلاء عليها.
ثالثا: يصبح اللص طرفا فاعلا في علاقة اجتماعية، قائمة على تبادل المنافع، بغض النظر عن صوابية الفعل، ومشروعيته،وأخلاقيته.
راجت على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا نصيحة لص خبير، يكشف فيها عن ميثاق أخلاقي ينبغي للسارق أن يحترمه. وتفضل بعض الظرفاء فسماه لصا "شريفا". وأخشى في زمن اللامبالاة أن تتحول النكتة إلى واقع، وينشأ جيل على نهب البلاد والعباد، في أمة مِن شرعها قطعُ الأيادي!
-
حميد بن خيبشكاتب شغوف