اللامبالاة : الهدر المدرسي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

اللامبالاة : الهدر المدرسي

الهدر المدرسي في زمران الشرقية

  نشر في 08 ماي 2023 .

 يظل الهدر المدرسي إحدى المشاكل الهيكلية التي يعاني منها النظام التعليمي المغربي خاصة ، والعربي عموما . ويعتبر من أكبر المعيقات التي من شأنها أن تعرقل العملية التعليمية بجميع مراحلها . وباختصار ، فالهدر المدرسي هو ترك الدراسة قبل انهاء مرحلة معينة ، بسبب عدة مشاكل مطروحة ، هذا دون أن ننسى أن هذه الظاهرة تساهم في عدم تطور الفرد بل المجتمع برمته ، فهي من العوامل القادرة على شل حركة المجتمع و وضعه في دائرة التخلف .

وقد كشفت الأرقام الرسمية أن ظاهرة الهدر المدرسي في تصاعد متزايد في السنوات الأخيرة ؛ فبالنسبة للإحصائيات الصادرة عن وزارة التربية الوطنية سنة 2008 ، أن أكثر من 300.000 تلميذ وتلميذة من الفئة العمرية (6--15) سنة ، ينقطعون سنويا عن التعليم ، هذا الأمر الذي يتسبب في تأخر التعليم من جهة ، وفي الرفع من نسبة الأمية من جهة أخرى ، حيث أن نسبتها وصلت إلى ٪34 حسب الإحصائيات الرسمية ، ونتيجة لكل هذا فإن بلادنا تحتل مراتب متدنية في مؤشرات التنمية البشرية . هذا دون أن ننسى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ، قد أصدرت تقريرا سنة 2014 ، جاء فيه أن المغرب احتل المرتبة ما قبل الأخيرة عربيا .

     وكما قلنا في بداية المقال ، أن الهدر المدرسي هو نتيجة لعدة أسباب ومشاكل ، وفي مقدمتها تأتي الأسباب الإجتماعية والثقافية ، والمتمثلة في : العنف داخل الأسرة ، مما يؤدي للإنحراف الأخلاقي لبعض التلميذات والتلاميذ المُمارَس عليهم العنف ، كالإتجاه للتعاطي للتدخين والمخدرات مثلا . بالإضافة إلى أمية الآباء ، وغياب علاقة التواصل مع الأسرة ، ورفض البعض منهم (الآباء) لفكرة تمدرس الفتاة ، خوفا من تعرضها للتحرش الجنسي مثلا ، أو من صدور أعمال منها قد تسيء إلى سمعة العائلة ، إذ أنهم يركزون فقط على الجوانب السلبية ، لكنهم يغفلون الإيجابية ، أو بالأحرى ، لا يريدون التفكير فيها ، لكنهم لا يدركون أن تفكيرهم هذا يؤدي بالمجتمع كله نحو الدمار والتراجع إلى الخلف ، ولكن ، واستنادا لبعض الوثائق ، نجد أن هذا التفكير الخاطئ ، يتمركز خصوصا بالمجال القروي ، حيث نجد أن بعض الأهالي يرون أن الفتاة يجب عليها أن تتعلم بعض الأعمال المنزلية ، و بعض الأنشطة الممارسة بالمنطقة ، وهذا كفيل لها بحياة زوجية ناجحة ، أما الدراسة فتبقى شيئا ثانويا لا ينبغي حتى التفكير فيه . وبذكرنا لمسألة الزواج ، فهذا الأخير يعد من أخطر المشاكل التي تواجه الفتاة ، فالزواج المبكر يوقف مسيرة الفتاة الدراسية عند مراحلها الأولى . بالإضافة إلى كل هذا ، فإن نظرة القرويين للمدرسة تلعب دورا مهما في انقطاع أبنائهم عنها ، مرتكزين على العادات والتقاليد الراسخة في أدهانهم . أما بالنسبة للمشاكل الإقتصادية ، فتتجلى أساسا في الفقر والحاجة نتيجة الدخل المحدود لبعض الأسر ، وضعف الموارد المالية للتكفل بدراسة الأبناء . هذا دون أن ننسى الأخطر ، تشغيل الأطفال ، فمن الآباء من يجبر أبناءه على الهدر المدرسي من أجل إرغامه على الإشتغال . هذا إلى جانب غياب النقل المدرسي أو محدوديته خصوصا بالعالم القروي . بالإضافة إلى كل هذه الأسباب ، هناك أسباب نفسية ، تتجلى في صعوبات اندماج التلاميذ في المحيط المدرسي ، مما يؤدي مباشرة إلى صعوبة التعلم لدى العديد منهم ، وبالتالي اتخاذ الهدر المدرسي كحل لهذا .

     إن ما للهدر المدرسي من خطورة وآثار سلبية على المجتمع بأكمله ، دفع بلا شك وزارة التربية الوطنية ، إلى بذل جهود كبيرة للحد من هذه الظاهرة ، وذلك من خلال توسيع نطاق برامج التدخل المتمثلة في محاربة الأمية ، و اعتماد التعليم الغير النظامي ، والمتواجد حاليا هنا (زمران الشرقية) ، بغية إعادة المنقطعين دراسيا كما نسميهم إلى الحياة المدرسية وأجوائها . بالإضافة إلى اعتماد برنامج "التيسير" ، والذي يهدف إلى توفير منح دراسية لفائدة التلميذات و التلاميذ المنتمين للأسر الفقيرة ، بالإضافة إلى مشروع "مليون محفظة" ، والذي يتجه صوب تحقيق مجانية التعليم .

كل هذه الإجراءات وغيرها ، كانت تستهدف الحد من الهدر المدرسي ، لكن الواقع يؤكد شيئا آخر ، الهدر المدرسي لم يتم الحد منه بل لازال في تزايد ، مما يجعلنا نتساءل حول تلك الإجراءات المتخدة من طرف وزارة التربية الوطنية ؛ هل تلك الإجراءات مطبقة على أرض الواقع ، أم فقط تبقى مجرد أفكار ؟ و الواقع ، أنه لو أن تلك الإجراءات مطبقة على أرض الواقع ، فعلى الأقل ستنخفض نسبة الهدر المدرسي في المجتمع ، لكنها الآن في تزايد مستمر نتيجة تعامل الجهات المسؤولة باللامبالاة .

ينبغي أن نعيد التأكيد على أن ظاهرة الهدر المدرسي تعتبر معضلة تربوية كبرى ، تحول دون تطور المنظومة التعليمية ببلادنا خصوصا بالعالم القروي ، لذا فإن هذه الظاهرة تتطلب حلولا ملموسة لمواجهتها ، وفي هذا الإطار ، يمكن تقديم بعض المقترحات التي نراها مهمة من أجل الحد من الهدر المدرسي ؛ وفي مقدمتها تفعيل أدوار المؤسسات التعليمية بالقيام بعدة إجراءات ولو للتقليل من هذه الظاهرة ، كالندوات التحسيسية ولو في الوسط القروي ، من أجل تحسيس الآباء و التلاميذ أنفسهم بخطورة الهدر المدرسي ، و توعيتهم و تزويدهم بإيجابيات الدراسة ، هذا بالإضافة إلى تنمية الفضاء المدرسي ، عن طريق تحسين الفضاءات المدرسية لتوفير شروط الراحة والجاذبية للتلاميذ ،وتزويدها بالموارد الأساسية كالماء و الكهرباء ، بالإضافة إلى المرافق الصحية والرياضية ، علاوة على خلق أنشطة ثقافية هدفها رفع كل الضغوطات على التلميذ .

وخلاصة القول ، إن محاربة الهدر المدرسي بكل أشكاله تتطلب حلولا عميقة ودعما كبيرا من الجهات المعنية ، بهدف الاحتفاظ بالتلاميذ داخل النظام التربوي ، وهذا سيجعل مجتمعنا يتقدم نحو الأمام ، وليس احتلاله مراتب متأخرة كما اعتدناه. 



   نشر في 08 ماي 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا