لَعَلَّ الخَيْرَ أن يكونَ كامِنًا في الشَرِّ وأنت لا تدري؛ فلا تيأس وسِر في حياتِكَ سيرَ نابِه. الفرصُ تمُرُ مرَّ السحاب؛ فاقتنصها وإن فاتَكَ خيرٌ فارجُ خيرًا ولا تقنط. هكذا يُفكِر الناجحون في كل مجالات الحياة، لم يسبِق للتشاؤم أن فاز بأي معركة فإن أيقنت ذلك أقبلتَ على الحياة بصدرٍ منشرح وبإيجابية تتهاوى من حولها العقبات. قد ترسُمُ لنفسِكَ طريقًا ثم تقودُك الأقدارُ لطريقٍ أرحب وأكثر سعادة؛ فلا تتبرم وكن مرنًا؛ فإن أُجْبِرتَ على سلوكِ دربٍ لم تألفه ومجالٍ لم تعرفِه، فليكن توجُّهُك لأفضل ما فيه قدر طاقتك واستبعد القنوط من حساباتِك.
أراد الخوارج قتلَ عمرو بن العاص والي مصر، وأوكلوا هذه المهمة لعمرو بن بكرٍ التميمي، وكان التميمي قد رسم خطته أن يقتل عمر بن العاص أثناء خروجه لصلاة الفجر. أصابت عمرو بن العاص في تلك الليلة علةٌ؛ فأنابَ قائد الشرطة خارجة بن حذافة ليُصلي بالناس، فوثب التميمي على خارجة فقتله ظنًا منه أنه عمرو بن العاص. فلما تبين له أنَّ المقتول خارجة قال: "أردتُ عمرًا، وأرادَ اللهُ خارِجَةً". ربما كان فيما أصابَ عمرو بن العاص تلك الليلة ما أهَمَّه، ولكن المقادير شاءت أن يكون ذلك دفعًا لما هو أشدُّ عليه. لا تتكدر مما تراه محنةً أصابتك؛ فإن تأخُّر الزواج وتأخُّر الإنجاب وضيق الزرق والمرض وغيره مما تجده ويضيق له صدرك، قد يكون فيه لك من الخير ما لا تتوقعه. ولا أطالِبُك في ذلك بالصبر فحسب، ولكن عليك بالصبر مع إعمال الفكر في إيجاد طريقٍ تُحيلُ محنتك به إلى منحة.
خرج الشاب فان كلويفرت من شمال غرب أوروبا (هولندا) وقد جمع كلَّ ما يملك قاصدًا أقصى جنوب القارة السمراء (جنوب إفريقيا)؛ باحثًا عن حياةٍ أفضل. أفرغ كلويفرت ما في جعبته من مال لقاء قطعة أرض جدباء قاحلة، كان يطمح تأسيس مزرعة ضخمة عليها إلاَّ أن نقص خبرته أوقعه في هذا الشرك. ولأن المصائِبَ لا تأتي فرادى؛ فإن الأرض التي أنفق كلويفرت كل ما يملكه في شرائِها لم تكن غير صالحة للزراعة فحسب، بل تحتوي على عدد كبير من العقارب والأفاعي. أظلمت الدنيا في عيني كلويفرت، وبدا له أنَّ الرحلة الشاقة التي قطعها من هولندا إلى جنوب إفريقيا ستؤول إلى مصيرٍ كئيب، وبينما هو يندِبُ حظَه إذ به يسأل نفسه: لماذا الزراعة؟ لماذا إصراراي على صلاحية الأرض للزراعة؟ حقًا الزراعة أكثر حرفةٍ أفهم أصولها، لكن لا يعني ذلك أن أتأقلم مع الوضع الحالي وإلاَّ فالخسارة مؤكدة. ظل كلويفرت يقنع نفسه بأهمية التكيُّف مع الظروف القائمة واستثمارها لصالحه.
عكف كلويفرت على البحث عن مخرج من مأزقِه؛ فخطرت له فكرة جديدة ومناسبة لموقفه الذي يعاني منه. كانت الفكرة التي التمعت في ذهن كلويفرت المنحة الرائعة من كوامن المحنة الخانقة؛ فقرر كلويفرت أن يستثمر سموم الأفاعي لإنتاج مضادات سموم طبيعية. بمرور الأيام أصبح كلويفرت أكبر منتج للقاحات السموم في العالم. ماذا لو كانت الأرض صالحةً للزراعة؟ وماذا لو لم يواجه كلويفرت مشكلة تصحر الأرض؟ وهل الأفاعي كانت نِقمة على مشروع كلويفرت؟! ليس كلُّ ما لا يتوافق مع تفكيرك يمثلُ حاجزًا بينك وبين مستقبلِك، فإن كانت الأرض القاحلة بما فيها من الأفاعي والثعابين عدوًا لمشروع الزراعة، فقد أثبت كلويفرت أنَّ المرء قد ينتفع من عدوه إن أحسنَّ التفكير.
كثيرًا ما نخرجُ في الصباح لأعمالنا فإن تأخر القطار أو كان الازدحام شديدًأ؛ تبرَّم البعض وارتسمت على وجهه علامات السُخطِ والسآمة. أحيانًا تجد من يتلفظ بألفاظٍ تكشف عن مكنونات غضبه، وربما أمسك لسانه واكتفى بالزفير الحارق كأنه تنينٌ حانق، وهناك من يتظاهر بالهدوء مع نظراتٍ حادةٍ متتالية بين الفينة والأخرى للساعة على يده. كلُّ هذا الضيق يستهلك منا طاقة نحتاجها، ثم يستغلها في أمورٍ لا نفيد منها وقد تجني على صحتنا. نحتاج للتفكير بروحٍ غير عادية، وأن ننظر لما يجري من حولنا على أنه يصبُ في مصلحتنا. فإن تأخر القطار أو تعطلت السيارة؛ فإن في ذلك فرصة لأن نراقب قدرتنا على ضبط أنفسنا، والاحتفاظ بروحٍ إيجابية تنعكس على يومنا في العمل والمنزل دون أن نسمح لهذا الموقف باقتحام هدوء حياتنا وتحويلها لكابوسٍ مروِّع. فإن كان التأخُّر في إنجاز مهمة أو إلغاء موعدٍ تنتظره من وقتٍ طويل يمثل لك محنة؛ فلربما تحمِلُ هذه المحنة من الخير ما تجهله.
حين لاح في الأفق نجم العالم الجديد، طفقت الملايين بالزحف نحو هذا العالم لإيجاد فرصٍ أكبر للنجاح. كان من بين هؤلاء الحالمين بحياةٍ أرغد الخياط الألماني أوسكار شتراوس، فهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1850 سعيًا وراء الثراء المرتقب. كان خروج شتراوس كغيره بعد أن طارت الأنباء باكتشاف الذهب في العالم الجديد؛ فتاقت نفسه للتنقيب عن الذهب هناك، ما يجعل احتمالات الثراء أكبر في هذه الدنيا الجديدة. حين وطأت قدماه العالم الجديد اكتشف أنَّه يطارِد السراب، وقد تدهورت أحواله حتى عضَّه الجوع واستبد به اليأس. نظر عن يمينه ويساره ليجد ما يقتات به؛ فلم يجد ما يسد به رمقه، وهو ما اضطره إلى تمزيق خيمتِه الزرقاء اللون ليخيطَ منها سراويل شديدة التحمُّل ليعتاش من ثمنها. أطلقَ على هذه السراويل اسم شتراوس جينز، وقام بتسويقها لعمال المناجم الذين وجدوا فيها بغيتهم من القوة والتحمُّل.
في لحظةِ قد يأتيك الفرجُ الذي لا تتوقعه مما يتطلب منك العمل باستمرار دون استسلام. لا أحد يعرف متى ستدقُ الفرصة بابك، لكن الجميع يتفق على ضرورة استعدادك لهذه الفرصة. كن كرأس الحربة في الملعب لا يدري متى ستحين اللحظة الموائمة للتهديف، ولكنه يقظٌ وينتظرها بكل حواسه، فإن واتته الفرصة أحرز الهدف. وهذا ما أدركه شتراوس، فطرد عن رأسه البحث عن الذهب وأيقن في قرارة نفسه أنَّ الخيمته الزرقاء ستكون هي الذهب الذي يحقق به ذاته ويؤمن مستقبله. فأنارت غُرتُه بعد أن ازدهرت تجارته وأصبح أغنى من أيِّ منقِّب عن الذهب في هذه الفترة. أكتب إليك الآن وأنا أرتدي بنطالاً من الجينز، ولعلك وأنت تقرأ ترتدي بنطالاً من الجينز؛ بما يؤكد أهمية هذه الفكرة التي كانت المحنة سببًا في ظهورها لحيز النور.
إليك الحق الذي أغنى وضوحه عن إيضاحِه: إذا لم تتغلب على المِحْنَة؛ فلا تكن أقلَّ من أن تُحسِنَ استثمارها لصالِحِك. لا يوجد مكان مثالي لتحقيق الأحلام، وإنما يوجد تفكير يقود الإنسان لتحقيق أهدافه في الحياة. ولتنجح في تحويل العقبة إلى درجة من درجات سلم النجاح، وتطويع المحنة لتكون منحة تنقلك إلى حيث تريد؛ فأنت بحاجةٍ للتمتُّع بالمرونة مع السعي بإيجابية نحو هدفك. ولو لاحظت الماء كيف تتعامل مع الصخور خلال جريانها؛ لأدركت حكمة الماء إذ أن الماء لا يقف مندهشًا من وجود الصخور في طريقه، لكنه يمرَّ من حولها بانسيابية رائعة ولا ينهمِك في مناطحة هذه الصخور. عليك أن تجتهد لبلوغ هدفِك فإن واجهتك محنة ما؛ فتعامل بذكاء وركز على هدفك لتبلُغه ولا ضير أن تتغيَّر الوسائل ما دامت تصبُ في مصلحة الهدف الرئيس. كن أذكى من العقبات؛ واستعن عليها بالله أولاً ثم بالتفكير الإيجابي والمرونة.
التعليقات
أتطلّع دوما إلى التعرّف على الكتاب الضليعين حتى يصبح تواجدي في هذه المنصة وجود تعلّمٍ وفائدة. أتشرف بمتابعة منشوراتكم من اليوم.
.بارك الله في قلمك يا أستاذ .. فكلماتك تقع كالمسك كلما حركتها وقلبتها تدبرا ،كلما زادت روائحها الزكية انتشارا ومتعة للفكر والوجدان .