التنمية البشرية بين الحقيقة والخيال - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التنمية البشرية بين الحقيقة والخيال

  نشر في 25 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

هل سألت نفسك إن كنت حقا تنهل من فوائد التنمية البشرية؟ 

لن اتحدث هنا عن الكتب القيمة التي تمدك بالمعلومات الكثيفة متى ما قرأتها، حتى لو كان عِمَادُها هو مجرد نصائح جوفاء لا علاقة لها بالواقع، فبعض كتب التنمية البشرية تنقل تجربةً ثرية يمكنها أن تساعدك في فهم العالم من حولك، وأقول هنا، أنها تعطيك بعض المعلومات المهمة ولكن أصلها لا أهمية له. 

لأوضح الأمر أكثر: فهذا كتاب "العادة الثامنة" للكاتب الشهير "ستيفن آر. كوفي" يتحدث في أجزاء منه عن أهمية امتلاكنا لعقلية التغيير، فالإنسان في العصر الزراعي لا يمكنه التأقلم بنفس عقليته المعتادة مع العصر الصناعي، ولا يمكن لإنسان العقل الصناعي التأقلم مع عصر الإنترنت وثورة المعلومات، ومثل هذه النصائح والمعلومات التي يشرحها المؤلف تثري طريقة تفكيرك، ولكن، لو عدنا لأصل الكتاب فما الذي يقدمه حقًا على المستوى التطبيقي، في الحقيقة، لا يقدم شيئًا يذكر مثله مثل كل كتب التنمية البشرية المعروفة وغير المعروفة.

 لننتقل الآن إلى المتحدثين المهرة ممن يُصَدِّعونَ رؤوسنا بصراخهم المعتاد: "افعلها، أنت تستطيع." يا للهول ألم يعد هناك جديدٌ يمكنك أن تسمعني إياه لأعمل به وأحل مشاكلي العالقة، حقيقة، لا يوجد هذا الجديد، فكلهم نسخة واحدة تلعب على وتر آلامك وبحثك الجاد عن أي قشةٍ تتعلق بها قبل أن تغرق في مشاكلك الكثيرة المحيطة بك، فيقدمون لك هذه القشة الوهمية، لتعيش بوهمك بضع ساعات أو أيام وربما شهور، ويعتمد ذلك على قوتك النفسية ومدى عمق تفكيرك، ولكنك أخيرًا تصطدم بالواقع الذي يحطمك إلى أشلاء فلا تعود كما كنت، ولا أنت قد تحسنت.

ربما لا يتقبل الكثير منا هذه الحقيقة، ولكن من عايشها يعلم بصدقها، فكل هؤلاء المُدَّعين لا يعرفوك حق المعرفة، ولا يهمهم أن يعرفوك، ولكن جيبك وما تدفعه في مقابل كلامهم هو كل ما يهمهم، فمتى نَصحو من هذه الغفلة التي تلازمنا، ومتى نتخلص من متلازمة "البحث عن قشَّةِ النجاة"؟ 

ليس الهدف من هذا المقال أن أحرمك المتنفس الوحيد الذي لا تجد سواه مُرَبِّتًا على كتفك حين تتألم من الداخل، ولكني أوجه عقلك نحو ما تحتاجه حقًا، وهو الإيمان بأن هذه الدنيا لا تخلو ولن تخلو يومًا من الأوقات الصعبة، وأن تلك الأوقات، ومهما كانت حرارة نارها، فهي التي تُشَكِّلُكَ من جديد، وتصنع مستقبلك القادم، والذي تكون فيه أفضل، وأقوى، وأكثر أهمية في مجتمعك، وتلك قصص الناجحين تدلل وتؤكد على هذا الكلام، فكم من مرةٍ سقطوا واسودت الدنيا في وجوههم، ولكنهم لم يُريقوا الماء البارد على جروحهم لتَسكُنَ بعض الوقت، فتلتهب بعد ذلك محطمةً جهازهم المناعي كله، ولكنهم تقبلوا هذه الجروح، وافتخروا بها، ومَثَّلوها بندوب المحاربين التي تدل على شجاعتهم، ثم تركوها للأيام تشفيها.

لم يتركوها بعقليةٍ سلبية تدعوهم إلى الارتخاء والجلوس خلف التلفاز أو شاشات هواتفهم الذكية، ولكنهم استغلوا طاقة الألم والوجع، وحولوها إلى طاقة عمل ومثابرة، وجهوها كلها نحو هدفهم الذي يؤمنون به، والذي يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم مستعدون للقتال لأجله، إلى أن وصلوا، وباتت كل قصص سقوطهم وفشلهم السابقة مجرد ذكرياتٍ تُتلَى للتسلية والاتعاظ فقط.

فإن كان لا بد لك من جرعات التنمية البشرية في حياتك، فاجعلها عن طريق القراءة، إما من الكتب التي حتى لو لم تكن قواعدها صحيحة وملائمة لكل البشر، ولكن بعض معلوماتها لا تخلو من الإفادة، أو من مقال يغذي ملكة القراءة والتعلم عندك، فلا بأس، وإياك أن تصدق كل ما فيه، بل احمل مصفاتك معك كلما قرأت وسمعت، لتُصَفِّي الهراء عن الجيد، وتنتقي ما تحتاج إليه وتقذف بالنفايات خارج عقلك قبل أن تجد لها مكانًا فيه.

أما عن هؤلاء الصارخين بأعلى حناجرهم، فليس عندهم شيءٌ يقدموه، سوى مهاراتهم الاستثنائية في اصطياد المكلومين والمذبوحين نفسيًا، ثم اقتيادهم إلى القاعات التي لا يدخلها سوى من يبتاع التذكرة باهظة الثمن. فلا تَكُن من هؤلاء المُنقادين، وتوكل على الله، واحتسب أمرك عنده، واقرأ وتعلم، وتثقف، وحارب فكرة الحياة المثالية التي لا بد أن تغزو عقلك باستمرار، فليس هناك حياةٌ مثاليةٌ سوى في الآخرة، وللصالحين فقط، ولكن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وكل ابتلاء فيها هو رفعةٌ في شأنك في الدنيا والآخرة، فإما أن تتقبله، وتتعامل معه على أنه تجربة لتقويتك وزيادة قدرة تحملك في الدنيا، وللارتقاء في درجات الآخرة. 

أو أن ترفضه وتعاند، وتصرخ مع الصارخين في قاعات التنمية البشرية، ثم تخرج من هذه القاعة أضعف مما كنت، وأنت -بذلك- كما الطفل الصغير الذي يبكي فقدان لعبته معتقدًا بأن بكاءه الحالي كفيلٌ بإعادتها، فلا هو استعادها، ولا هو وفَّرَ طاقة بكائه وصراخه في البحث عن بديلٍ عنها، ربما يكون أفضل منها بكثير، فوراء كل فقدان هناك حكمة، في أغلب الأوقات تكون تمهيدًا لتعويضٍ أفضل وأكثر قيمةً مما فُقِد.



   نشر في 25 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا