إن كنت منٙ الأشخاص المتمسّكين بجملة "ذاكرتي بتخونّيش"- علميًا - ذاكرتك تخونك ألفٙ مرة والأصحّ؛ أنت بشكلٍ غير اراديّ تساعدها على الخيانة.
تمّ اثبات ذٰلك بعدّة تجارب؛ وأحداهنّ تجربة "حرب الأشباح" سنة 1932 للباحث بارليت.
قام بارليت بقراءة أسطورة أمريكيّة تدعى -حرب الاشباح- لأشخاصٍ بريطانيّين أي أنّ بالنّسبة لهم الأسطورة مليئة بأفكارٍ غير معروفة.
وبعد فترة من الزّمن، طلب منهم إعادة سرد القصّة وكانتِ النّتيجة كالتّالي:
لم يتم سرد القصّة كما وجب سردها(نتيجة متوقّعة)، لكنّ الأغرب هو أنّ التّفاصيل الّتي كانت بالأسطورة خياليّة أو مبهمة، تمّ تحليلها من قبل القارىء لكي تصبح أكثر منطقيّة، وبعض التفاصيل خلال القراءة تم تعديلها لكي تلائم حضارة القارىء.
يحافظ القارىء على الإطار ولكنّه يعدّل الصّورة؛ أي يحافظ على الحبكة مع تجميل الصّورة بطريقته الخاصّة حتّى تكون أكثر قربًا لرغباته.
في علم النّفس هناك ما يدعى "schema"ايّ مخطّط؛ .لكلّ واحد منّا مخطّط عقلي خاصّ به، مخطّط مليء بأفكار معيّنة الّتي تساعدنا أن نتصرّف ببعض المواقف بشكلٍ أسرع وبشكل غير اراديّ. ما لا يوافق مخطّطنا، نقوم بشكل غير اراديّ بتغييره، تجميله أو حتّى رفضه.
ماذا أراد بارليت تجربته حقًا؟
بارليت أراد ببساطة معرفة أنّه اذا سرد قصّة أمريكية على شخصٍ بريطانيّ، هل سيقوم بإعادة ترميم ذاكرته لتتوافق القصّة الأمريكيّة مع معتقداته البريطانيّة أو تفكيره؟
وكما ذُكر أعلاه، القارىء قام بسرد الاسطورة كما يهوى هو، كما تناديه معتقداته، سردها بطريقة قريبة لواقع مخطّطه.
* مثال بسيط قام به القارىء باستنتاج قريب على الواقع، لكنّه لم يذكر بالاسطورة الأصلية:
- احدى شخصيّات اسطورة "حرب الاشباح" قال: ((لا أستطيع القدوم لأنّ اقربائي لا يعلمون أني في الخارج.))
القارىء أعاد سرد هٰذه الجملة كالتّالي:
((لا يستطيع القدوم لأنّه لا يوجد لديه اهل )).
أردت إيصال فكرة أننا في كثير من الأحيان نسمع قصصًا من الآخرين، وفي بعض الأحيان، الآخرون هم مصدر موثوق لنا فنميل بسرعة لتصديقهم.
في المرّة القادمة، فكّر أنّ ذاكرة صديقك أو ايّ احد، غالبًا ما تكون "خائنة" وقريبة فقط من معتقداته الشّخصيّة،حضارته،تربيته والاهمّ مخطّطه الخاصّ به وحده.
ليست هناك من حقيقةٍ مطلقة؛ نحن نجمّل الأمور لأسبابٍ شخصيّة كثيرة، ربّما نقوم بذلك كسبًا لقلوب الغير أو لإرضاء ذاتنا أو حتّى لضمان عدم تدمير مخطّطنا الداخليّ.
ميس الريم رئيف الحاج
-
ميس الريم الحاجلست أدري ان كان يطلق علي اسم "كاتبة" أم لا.. كل ما أعلمه أن الكتابة قسم من هويتي الذاتية واحدى النوافذ الخضراء في قلبي. أتنقل على هذه الارض منذ 22 عامًا. فلسطينية وطالبة علم نفس في المانيا .
التعليقات
هوى النفس وعنصريتها لن تنتهي.
أثرتي جدلََا في ذاكرتي ورسختي معتقداتي عن أشياء كثير... فـ شكرََأ لكِ ولجميل قلمك وانتقاءك للفكرة والكلمات.
نعم ..صدقت .. موضوع يستحق منا التفكير ..
الذاكرة تخوننا طوال الوقت ...
.نحن نجمّل الأمور لأسبابٍ شخصيّة كثيرة،
كتبت فابدعت .
في انتظار جديدك ...