أمة إقرأ على هامش الحضارة . - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أمة إقرأ على هامش الحضارة .

أمة إقرأ بين واقع التكلس العقلي و محاولات الانبعاث الحضاري

  نشر في 30 شتنبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

     قد يبدوا العنوان استفزازيا بعض الشيء، الا اننا وفي مكنوناتنا ندرك ان مضمونه واقع ..نعم أصبحنا أسيري بقايا العالم الاسلامي القديم الذي لطالما افتتنا به، كقطعة من الماضي الذي تم محوه مثل عظام الحفريات تظهر في طبقة غير طبقاتها فتقوض نظرية جيولوجية .. اصبح عالمنا العربي خال من اي فعل او ردة فعل كوجه خال من اي تعبير .. ببساطة نحن اليوم من اردأ الأمم ليس هذا جلدا للذات بل نقدا .. سنحاول في هذا المقال ان نبين مكامن الضعف تحليلاً وتفكيكاً وتشخيصًا وتقديم طرق معالجتها  .

  لو سألت احدهم سؤال بحصوص الفخر بالانتماء سيجيب بما معناه –وهذا عادة- افخر بماضيّ وانبذ حاضري ، وليس جوابه هذا من قبيل الحرص على التوازن والمساواة في الطرح بل هذه هي الحقيقة المرة، وان اجاب بما يخالف هذا لكذب او انه يعيش مذلة مزوقة توحي له بالرفاهية، فالزمان هو جرح العرب، إنهم يرتاحون إلى الماضي ! وينبذون حاضرهم .

   بداية يجب أن ننتقد ذواتنا  محاولين معالجة العقدتين : عقدة النقص التي نعانيها حاليا مقارنة مع الغرب وعقدة التفوق الماضوي، الذي لطالما تغنينا بأمجاده ، صحيح للماضي سلطة مطلقة على الحاضر، لدى شعوبنا.. لكن لا يجب علينا ان نعيشه ونبقى فيه بل ان نعتبر منه ونلجأ اليه وقت الحاجة ولا ضير ان نفخر به بقدر محدود .. دراسة التاريخ امر واقع لا بد منه لكن يجب ان نترك الغث وناخد السمين، فالخوف الخوف على أمة ترفض الحاضر وتنكر المستقبل وتتشبث بالماضي بحجة انه مصدر الفضيلة والإلهام.

   يقول أحدهم بعض الدول العربية قطعت شوطا كبيرا نحو التقدم ، فأجيب: صحيح أن بعض الدول العربية لبست قشرة الحضارة بيد أنها تحمل في مفاصلها بذور الجاهلية الأولى، فالعرب المسلمين لديهم ذاكرة قوية جدا ...لا ينافسهم فيها أي شعب، لكنّها للأسف ذاكرة حادة في ما يخصّ السلبيات، بينما هي مثقوبة وعليلة فيما يتعلّق بالمزايا....كل الشعوب نسيت خلافاتها وطوت صفحات ماضيها الحزين، إلا الشعوب العربية والاسلامية تجعل من التاريخ شمّاعة تعلق عليها كل الأمراض...

  من كل هذا وبعيدا عن الكليشيهات والشعارات سنحاول التنقيب عن الأسباب الأصليّة .وهذا الامر شأنه شأن أي عمل فني يجب أن يخضع لمعايير من داخله لا من خارجه... يجب أن يخضع للنقد.

   يقف العرب اليوم على حافة الهاوية لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رؤوسهم، فهذا عرض للمرض وليس المرض ذاته... ولكن بسبب افلاسهم في عالم القيم التي تنمو الحياة بأساسياتها في ظلالها نموا سليما، فبعيدا عن جلد الذات يتبادر في اذهاننا عدة اسئلة من قبيل ماذا قدمنا للبشرية من حوالي ستّة قرون ونيف، لا شيء ببساطة لاننا نعيش مرحلة افلاس وفراغ قيمي، قفي بداية القرن كنا 4 أو 5 دول  والآن لدينا 22 دولة قطريّة، فشلت اغلبها في مهمّتها في تحقيق الأمن القومي والتنمية والتقدّم العلمي، ووكرست بمثقفيها لخطاب تكرر على مسامعنا عديد المرات ... مشروع النهضة العربي ...؟ للأسف للمشروع بنيات فكرية واقتصادية واجتماعية وهذا ما غاب عن عالمنا العرب، فكان مجرد تصادم لاقوال لعديد القومجيين..أقوال تذروها الرياح لا غير، يأخذنا هذا لتساؤل محوري مفاده: ماهي أهم أسباب نكوص مشروع النهضة العربي على الرغم من توافر أسسه ؟ وكيف يمكن التأسيس لإقلاع حضاري نهضوي ظل الوضع القائم ؟

المشروع العربي النهضوي :

شغلت الحداثة والمشروع النهضوي العربي بال الكثير من المثقفين والمفكرين العرب، ليس هذا ترفا فكريا بل مسألة وجود، فطريق الحداثة يبدأ من التعليم الجيد وتطوير الاقتصاد كما كنت أعتقد، ولكن بعد موجة الربيع العربي، تبين أن أزمتنا هي أزمة فكرية بالدرجة الأولى، وكان من المفروض أن تؤسس هذه الكتابات للمرحلة الجديدة، وتنهي الخلاف بين تيار يريد أن يعيد الزمن إلى قرون خلت، وتيارات تريد أن يكون لهذه الأمة دور في مسيرة الحضارة التي غادرتها منذ زمن بعيد!.

لا تعني الحداثة الأنقطاع عن الجذور الأصيلة للأمة بل هي تمتد بها بكل عصرنة الركب الحضاري مع الحفاظ ككل أمم الأرض على موروثها

بداية يجب الأتفاق على هوية الدولة الوطنية، ومن ثم ننتقل للأتفاق على هوية الأمة، وفق أطر مؤسسية جامعة وفاعلة على غرار الأتحاد الأوربي،فالحدود الجغرافية التي وضعها الإستعمار استطاعت أن تفصل مجتمعات كانت في يوم ما شعبا واحدا عقليا وعاطفيا عن بعضه، مثلا الجزائريون أو التونسيون لا يهمهم ما يجري بين الليبيين،الأردنيون لا يهتمون بمأساة الفلسطينيين أو السوريين أو العراقيين.

الحداثة والنهضة بالأمم تتحقق بتطهير الأدمغة من جرثومة التطرف والفكر والتمييز العنصري وفصل السياسة عن الأديان والقوميات،هناك علامات فاقعة التخلف وكلها نقاط تدل على اننا نعيش خارج التاريخ.

أسباب نكوص المشروع النهضوي العربي:

من اهم اسباب النكوص في مشروع النهضة العربي الصداقة الكولونيالية مع الغرب،كرّس هذا عجزا في توفر شروط التحرر الوطني وصيانة السيادة الوطنية بتلازمية تعثر العدالة الاجتماعية، فالامة تعيش وفق هذا ما يشبه ساعات الحرج والحيرة والاضطراب.

 أيضا البهرجة والعجرفة والتزييف التي تعيشها الامة جراء فشل حكامها الذين جعلوا المدخل المؤامراتي شماعة يعلقون عليها خيباتهم واخفاقاتهم في تحقيق التنمية ولو بقدر محدود، لهذا يجب مواجة الحقائق والمشاكل التي دنست قيم الامة، بعيدا عن تكرار تأثيرات العوامل الخارجية والمؤامراتية، فالعلاج يبدأ من الداخل.

  فشل دول عربية في مهامها الحيوية المتعلقة بتحقيق الأمن القومي والتنمية والتقدّم العلمي،فالأنظمة السياسية عَصِيّة على التقدّم والدّمقرطة - الانضمة الحاكمة -وفي هذا يقول جلال عامر الكاتب المصري صاحب الاسلوب الساخر : تتقدم الدول عندما تكون ابخرة المصانع أكثر من دخان البخور ، لذلك بعض الدول في عصر الطاقة وبعضها في عصر الناقة، في بيئة قد ألفت الفشل المادي والاقتصادي لفترات طويلة، وتكرست فيها التبعية العمياء للغرب ثقافيا واقتصاديا لدرجة لا تطاق، حتى أنهم يحددون لنا اولوياتنا، ويقررون نيابة عنّا، زيادة على هذا غياب التحفيز اللازم لتطوير البحث العلمي حيث أصبحت الجامعات العربية تخرج متون تحفظ ولا تفهم لتبدع .

سبب آخر يتمثل في العقل العربي المعطّل قسرا، هذا الأخير يعيش اليوم عطالة باطنية، فالعقل العربي الداعي للتسامح ومكارم الأخلاق صار الي يدعوا اليوم 'جئناكم بالذبح جئناكم بالسلخ' أما إذا ارتكناّ إلى عنصري الدين الأخلاق، فأكيد سنقع في التقاطع المحظور، ونشرع في تبادل الاتهامات دون أرضية حوارية مشتركة ودون أن يفهم بعضنا منطلقات البعض الآخر ، وهذا الأمر يستدعي تغييرا  ثوريا ..

تقديس الأفكار المستوردة والعجز عن افكار تخدم البنى السوسيو-سياسية العربية،فالحداثيون -بحسب رؤية علي حرب "أخفقوا في تطوير العناوين والمفاهيم التي تداولوها طوال عقود حول التقدم والاستنارة والحرية والعقلانية والحداثة، كما أنهم لم يستطيعوا ابتكار مقولات أو صيغ أو نظريات تتعدى النطاق العربي لكي تخلق مجالها التداولي على ساحة الفكر العالمي، وسبب ذلك أنهم تعاملوا مع الأفكار الحديثة بعقلية الترويج والتقليد، لا بالتجريب والتطوير".

غيات التغيير: حتى الانتفاضات العربية زوبعة في فنجال لم تحدث اي قطيعة ابستيمولوجية مع الماضي بل هي عودة اليه ، فربيعنا العربي ليس ذلك الربيع ... ربيع الشعوب الاوربية الذي صفق له فاغنر ولامارتين وبولدير بل هي انصاف ثورات وكما قال الشعر الألماني جورج بوشنر "إن من يقومون بثورة إلى منتصفها فقط إنما يحفرون قبورهم بأيديهم" فثوراتنا العربية أعادة الانظمة الاستبدادية بطريقة أخرى بهذا لا تعتبر الشعوب العربي ضحية بل مشاركا في الجريمة.، عكس هذا ومن التَّبعات السيئة جًدا لانهيار الأنظمة الحاكمة بعد الانتفاضات التي شهدتها بعض الدول العربية انتعاش "النزعات الدّفينة والعنف و التمرد اللاأخلاقي" الذي أعقب انْهيار هذه الحكومات و التي كَانت مُجرد كابتٍ لها لا أكْثر.

تعمد إغفال الطرف عن الاولويات والاهتمام بالثانويات :فمن مَظاهر العَبث أن تجد حكومات  تسعى لنشر انماط فكرية متدنية تشغل بها حيز الوعي لدى شعوبها لتظل حبيسة عالم تفترضه هي بعيدا عن الواقع ومعطياته وتعمل على توجيه انتقاداتها للثانويات بدل الرئيسيات المهمة والتي تُعد مناطًا للمعضلات في المجتمع، ولد هذا مجتمع عاجز عن إنتاج مواطنين ، فعدم وجود مواطنين يعني عرقلة بناء الوطن و إفساح المجال لظهور شظايا أفراد، قابلين لأي تحول و نكوص. غياب هوية مشتركة جامعة تعني سيادة روح الحشد الجاهز للامتطاء...فالعرب اصبحوا أمة تراخت عليها الأيام وغبرت عليها القرون في ظل هؤلاء الحكام الفاسدين و في ظل شيوع منابر تكفير التفكير، فقدت هذه الأمة الموازين . كما فقدت البوصلة.

غياب دعوات الاصلاح: لا نتحدث عن الاصلاح الذي دعى له قائد “تنظيم الدولة الإسلاميّة” أبو بكر البغدادي الذي ينهب ويغتصب تحت ذريعة  “نموذج أطهر” للإسلام،والذي يدعوا للاصلاح من خلاله ... وعن أي اصلاح يتحدث ؟ ففى وقت بلغ فيه الغرب ذروة البذخ و أبلغ معاني الانسانية ، وتجاوز التفكير في حقوق الانسان الى حقوق الحيوان ..، كثر النحر عند العرب (عن نحر العباد لا الاضاحي اتحدث)، ببساطة نعيش القروسطية الاوروبية المضلمة فماضي أوروبا التعيس الذي عاش التيه والضياع .. مازال ينبض بعنف في حاضر العرب .

من العوامل الداخلية الأخرى العقلية العربية الحدّية التي لا تقبل الوسطية ، فردية العربي ... العربي يغار من الأخرين كما تغار الضرة من ضرائرها فالعربي لا يحتمل ان تمتلء العيون اعجابا بغيره ، لن تقوم قائمة لمجتمعنا، إذا لم نقتنع بمعادلة رابح-رابح في مجمل علاقاتنا.، رغبتنا أن يفشل الآخرون،على أمل أن ننجح بفشلهم، ليست سوى "استراتيجيه" الخذﻻن !

عكس التفكير الغربي الذي يحارب الفاشل المجتمعي ، هذه الحدّية أدّت الى فشل التعايش الجماعاتي وجعلت من اهل العرب شيعا متنافرة متناحرة ، فالحرية: هي أن تتحرر أولاً من عبودية تستوطن رأسك!

حالة النكران التي تشهدها الامة العربية وبعدها عن تعاليم الاسلام وتطبيق الشريعة بشكل حرفي لا تحريف فيه، يصدق القول هنا أن امتنا تخلت على مصدر عزتها وعصمتها، فجهلت بعد علم، وذلت بعد عزة ،فبعدما كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى في ضلمات الطرقات، اصبحت الامة العربية الان تتسول على موائد اللئام، طالبة التدخل لحمايتها.

أخيرا وليس آخرا هل يعرف العرب الشموخ ..بعد أن ادمنوا الركوع ؟.

مستوجبات النهوض :

بعد تشخيص هذا المرض العضال الذي نخر مقومات هذه الامة حتى العظام أقدم بعض الحلول :

- وَجب لزامًا على أي فئة ثائرة بِوجه النظام تِضمينُ هذه التَّبعات في جَدول مهامها والعملِ على وضْع حلول لتَفاديها قدر المُستطاع ،فالحكم الدكتاتوري والاستعمار الداخلي الحقيقي استعمار العقل والانسان ، وسيطرة من قبل نخبة معمرة مثل النخب المعمرة القديمة على مصائر المجتمع؛ ولذا أصبحت هذه نظرية مهمة للاستعمار الداخليّ”. اصباح مخيالنا الشعبي يبحث عن مفهوم للدولة العربية الراهنة فهل هي دولة “توتاليتاريّة”، أم هي دولة “بونابرتيّة”، أم هي دولة “استبداديّة”، أم دولة “سلطانيّة”، إلى آخر النعوت التي تجري في مخيالنا الجمعي،وهذا أمرٌ شدّد عليه المفكّر المغربيّ البارز عبد الله العروي، حيثُ يتأسّف العروي دائمًا على كوننا نُنزل مفهوم الدولة “الحديث” على ظواهر حُكم ليست حديثة، وندعوها “دولة”.

تطوير ادبيات تسمح بالتغيير الراديكالي بعيدا عن الاستقطاب و التحزب و التعصب و الحدية و التكفير .. وحالة الرُكود الفكري الإرادي ،

محاولة تجاوز ثَقافة التأْليب التي تعتبر إحدى سَياسات الأنظمة المُستبدَّة.. لضَمان بَقائها على دَّوامات الصراع والاقْتتال الفئوي..

- الاصلاح  الشامل:  العرب اليوم يحتاجون إلى الإصلاح: سياسيًّا، واجتماعيًّا واقتصاديًّا، ودعونا لا نقول اصلاحا دينيا، لان المسلمون يحتاجون وفقط إلى إعادة اكتشاف تراثهم التعدّدي، فالتسامح والاحترام المتبادل يتبدّى، مثلًا، في خطاب الرسول إلى رهبان دير سانت كاترين، أو تعايُش القرون الوسطى في إسبانيا المسلمة.

ليست هذه السردية بوليدة اللحظة، فبعد مئات السنين من العزلة الحضارية يستلزم أن نعيد التفكير في التفكير ذاته، باستبعاد الفكرة الاستسلامية القاضية بتفوق الغرب ، ومحاربة الفساد اينما كان بمواجهته لا بالتفنن في نبذه دون ادنى حركة فمن عاش يعد العد على أسافلة القوم..... مات يلهف اللهف على بغال الأمم ..يجب علينا تخطي  ما اصطلح عليه حالة الشرود المجتمعي.

تأسيسا على ما سبق، الحضارة تبنى من الداخل اولا : يعتبر محاربة الفساد في جل الدول العربية تحديا كما صاغة" ارنولد تونبي" فحركة التاريخ تسير على إيقاع التحدي والاستجابة هذه الاخيرة تقوم بها الأقلية المبدعة، بوصفها الفئة القادرة على عملية الخلق والإبداع وصنع الحضارات

لقد أضحى لزاماً علينا بوصفنا أبناء للحضارة الإسلامية، إذا ما أردنا النهوض واستعادة مكانتنا الحضارية أن نعيد قراءة حضارتنا وفق نظرة أكثر موضوعية، للخروج من حالة الركود الى حالة الحركية ... ووفق منظور تونبي - الاستجابة للتحديات - يجب على الامة تحديد الاسباب الجوهرية التي ادت الى زوال الابداع وهذا النكران الحضاري الفضيع الذى نخر الامة حتى العضام ، وكما المثل قال " لا يجب قتل الذباب بل الاحرى تجفيف المستنقعات "

بالرجوع الى الواقع وكما قال محمد الماغوط في كتابه الممتع المؤلم، الساخر المرح "سأخون وطني " كل طبخةٍ سياسية في المنطقة أمريكا تعدُّها وروسيا توقد تحتها وأوروبا تبردها وإسرائيل تأكلها والعرب يغسلون الصحون" ... اصبحنا امة تغسل الصحون بحق وحقيق، اصبحنا كفردة حذاء قديمة تملؤها الثقوب و تعيش في فراغه العناكب، صدقا أصبحنا اليوم تماما كما قالت العرب قديما : كالعير في البيداء يقتلها الظمأ .... والماء فوق ظهورها محمولُ !، يجب علينا اليوم تحديد الأولويات وتحمل المسؤوليات، ولا يجب أن يتّبع أحد سياسة النعامة“. لهذا يستلزم علينا التحرر من هذا الوضع القائم، و الكل يعلم يقينا أن التحرر من هذا السجن يبدأ حتما بمصالحة واعية وجريئة مع الذات والتفكير جديا في سؤال النهضة، بعيدا عن كل الطروحات الهدامة.

التفكير في سؤال النهضة

لم تغادر موضوعات الحداثة ونقاشاتها الكتب والصالونات التي كانت تجمع النخب المثقفة، ولم تصل إلى متناول الجميع، لا زلنا أسرى فتوى الشيخ الغزالي عندما قال''تزندق كل من تمنطق''لذلك حرم التفكير على الكثير منا، ونحن اليوم امام ازمة تفكير وأزمة حرية تكرست جراء ركون العقل العربي للراحة لسنين طوال ، فالعقلالعربي بحاجة اليوم إلى إعادة الابتكار. 

  في كتابه الموسوعة "نقد العقل العربي" يتناول محمد عابد الجابري موضوعاً كان يجب أن ينطلق القول فيه منذ مائة سنة . إن نقد العقل جزء أساسي وأولي من كل مشروع للنهضة، ولكن نهضتنا العربية الحديثة جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى، ولعل ذلك من أهم عوامل تعثرها المستمر إلى الآن. وهل يمكن بناء نهضة بغير عقل ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لألياته ومفاهيمة وتصوراته ورؤاه.   

  المدخل المنهجي الذي اختاره الجابري لم يكن مدخلاً سياسياً ولا اقتصادياً بل أبستمولوجياً، إذ يرى أنه لا نهضة دون تحصيل آلة إنتاجها أي العقل الناهض، تنبع أهمية طروحات المفكر الجابري، في المقام الأول، من أنها تتعرض مباشرة، ربما لأول مرة، بهذه الصراحة والموضوعية والتأسيس النظري والتاريخي، إلى ما يمكن أن نطلق عليه "أزمة الإنسان العربي"، التي نسبها الجابري بحق إلى "أزمة العقل العربي"، باعتبارها السبب الأساس في فشل مشروع النهضة العربية، وبالتالي وصول العرب اليوم إلى ما هم فيه من ضعف وإذلال وتمزق وسيطرة أجنبية وتخلف حضاري واقتصادي وعلمي، على الرغم مما يزخر به الوطن العربي من ثروات طبيعية وبشرية.

   تراجع الأولويات : على ضوء ما حصل من تفكك بنيوي ممنهج للبنى السوسيولوجية لاغلب الدول العربية، وبعد كل هذا الحشد السني الشيعي والاقتتال طويل الاجل وتوالي التقسيمات على اسس طائفية، عرقية او جهوية وانتشار خطاب الكراهية ، خسر العرب استقرارهم وأمنهم ووجدوا انفسهم في بؤرة الفوضى والاضطرابات التي يصبح فيها الحفاظ على حق الحياة في ظل تعدد الاخطار التي تعصف بوجدهم اولوية قصوى، وتراجعت المطالب العربية الكبرى في التغيير ، والمشاركة السياسية وتحرير المقدسات، واحداث التنمية لصالح الأجيال ، والبحث عن حياة فضلى، الى مجرد حلم البقاء على قيد الحياة فعندما يتعلّق الأمر بمعركة وجود، تصبح المعارك الأخرى ثانوية.

دعم مفهوم المواطنة والتركيز على ضرورة الاندماج المجتمعي، ومحاكاة التجربة المتميزة للتنظيم السياسي و الإداري الأوربي من حيث توفر شروط العقلنة في الضمانات الدستورية و الاخلاق المدنية ...

   دعم السلم والامن في المنطقة العربية وتقديم حلول مابينية وحل المشاكل من الداخل، مع الزامية عدم ادخال الاطراف الخارجية في المشاكل العربية، والاقتناع أكثر بالمقاربة النيوفيبرية التي ترجع السلام الدائم بين الامم الديمقراطية كما تنبأ به إيمانيال كانط و حصل، و بلوغ مقومات التجانس و الإنسجام، وكذا قدرة التنظيم العقلاني لوسائل الإنتاج على فرض العقلنة في كل المجالات، و هذا لا يحصل إلا في البلدان التي تتوفر في تراثها الثقافي الديني و السياسي و عاداتها الإجتماعية على بذور العقل، و يبدو العالم العربي الإسلامي الذي ورث ترسانات من الإستبداد بشتى اشكاله..بعيد كل البعد عن هذه النماذج.


 تاسيسا على ما سبق يمكننا القول:  أن شعبا لا يملك القدرة على التفكير العلمي والنقدى سريع ان يستغنم ويسهل التحكم فيه، فلا حضارة بلا وعي، وبداية هذا الوعي من الفرد، فالتعليم لا يقتصر على المدارس والجامعات، ففي عصر العولمة نشهد سهولة الحصول على المعرفة، الا أننا لا نقرأ، لذلك يجب أن نصنف أنفسنا في خانة المشوهين للاسلام والعروبة، فلا نحن نفيد الآخر و لا نحن نستفيد من علومه.

   لهذا دعوة مني أيا أمة المليار استيقظي، لا أحد يتآمر على أمةٍ نائمة، نحتاج لتغيير جيلي او ثوري فلا بد من بعث تلك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات، وركام الأوضاع ، وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالاسلام في شيء، وان كانت تزعم أنها قائمة على المنهج الاسلامي وتعتمد على الاسلام دستورا.

    نحن على يقين من أمرنا أن المسافة بين محاولة الانبعاث وبين واقعنا مسافة شاسعة، فقد غابت الأمة عن الوجود وعن الشهود دهرا طويلا، وقد تولى قيادة البشرية أفكار وأمم وتصورات أخرى، لكن هذا لا يمنع القيام بمحاولات تشفع لنا، بداية بالتعليم واصلاح العدالة والعون التذاتاني .

   هذا ونأمل أن تكون مقولة الأطباء المشهورة :"ستمر بحالة صعبة قبل ان تتحسن حالتك"، سارية المفعول في الحالة المرضية "العربية" المستعصية، فمنتهى المراد ان نرى حال الامة كحال باقي الامم المتطورة.

في الأخير لا أظن أن الحضارة العربية توقفت عن النمو بل ما أعتقده أنها أخذت غفوة كبيرة، يجب ان تستفيق منها .

علاء الدين فرحات: باحث دكتوراه دراسات استراتيجية.

------------------------------------------------------------------------------------------------------

المراجع:

-  مالك بن نبي،شروط النهضة، (دمشق: دار الفكر، 1986). 

- محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي1- تكوين العقل العربي، ط10 ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).

- محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي 2- بنية العقل العربي دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، ط9 ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).

- امبارك حامدي، من إشكاليات العقل والعقلانية في الفكر العربي المعاصر، ( تونس: الدار التونسية للكتاب)

زياد عبد الكريم النّجم، توينبي ونظريته التحدي والاستجابة الحضارة الإسلاميّة نموذجا) ، في

 https://www.google.dz/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=6&cad=rja&uact=8&ved=0ahUKEwiggsvxuNXXAhWFWRQKHVMXA1sQFghSMAU&url=http%3A%2F%2Fwww.zainab-an-nefzaouia.com%2Fdocuments_pdf%2Flib%2FToynbeeChallengeHabit_Najm.doc&usg=AOvVaw0lJ53FObsyJi6z4FAOt8yM

سيد قطب، معالم في الطريق، ط6( بيروت: دار الشروق، 1979)

- محمد الماغوط، سأخون وطني، ط4 ( دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، 2004).

- عبدالرحمن المسكري، "المشروع الحضاري العربي.. مكامن العجز وآفاق التغيير"، في:

http://2015.omandaily.om/?p=237914

# ارائكم مصدر اثراء


  • 6

   نشر في 30 شتنبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

M.Logos منذ 8 سنة
وصلت للمنتصف .. وتوقفت
مقالك يناقش مسائل مهمة جداً, فقط لو استخدمت لغة أبسط للعامة, لأصبح مقالك أجمل.

أنا أقرأ واعتدت القراءة في مجالات متعددة تقريباً , لكن استخدامك لمصطلحات صعبة جداً على الشخص العادي, مثلي, خلق حاجزاً بين ما تريد أن توصله وبين عقلي.

على العموم شكراً لاجتهادك الكبير


0
ala eddine ferhat
شكرا على مرورك العطر أخي، ربما اللغة الصعبة ستحفزك على البحث أكثر لاستيعاب معانيها-دون انقاص لقدراتك اخي العزيز- أرى أن هذا كفيل بتنمية مخيالك أخي / مودتي
Amin Boumaaraf منذ 8 سنة
مقال ممتاز ينم عن وعي وثقافة كبيرين ...واصل
0
ala eddine ferhat
شكرا أمين هذا من ذوقك الرفيع كما عودتنا
ala eddine ferhat منذ 9 سنة
مودتي واحتراماتي لجمهور القراء
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا