في زخم المتسارعات و التقدم المهول لمتلازمات وجودنا في سياقنا الزمني الحالي ،قد يلمس المرء تغيرا على مستوى الخصائص الانسانية ذاتها ،من بينها واقع المشاعر التي تأثرت بموجة التقدم فتغيرت حلتها الانسانية المحضة لتلبس حلة جديدة تنفي سابقتها إلى عوالم التساؤل وهي حلة رقمية محضة.
تحول فيها واقع العلاقات البشرية إلى لوائح في عوالم افتراضية ،و لم يعد عنصر العلاقات البشرية كامنا في خاصية التبادل او النقاش او المعاملة الانسانية ،بقدر ماصار الامر مجرد كبسة زر لاضافة احدهم كعنوان على الترحيب او فقط زر الحذف كدليل على عدم القبول، صار واقع الاحساس اكثر بؤسا فصار الفرح ايقونات تنشر على المواقع الاجتماعية لاغير ،حتى الغضب صار مجرد وجع عبوس ينقر عليه كدليل على عدم الرضى ، الحزن والموت صارا كذلك صور سوداء نضعها في صورنا الشخصية .
لم نعد اشخاصا يتكلمون بطريقة مباشرة صار كل شيء مرموزا إليه ،كأننا صرنا نعيش شقين من الحياة ،حياة واقعية و اخرى افتراضية تضيع انسانيتنا في الوصل بينهما ،فقدنا فيه القدرة ان نتحول من ذوات قادرة على الفعل والحراك و اكتفينا بواقع المنشورات والرموز ، واقع افتراضي اكثر بؤسا من نظيره الحقيقي منشورات حزن هنا وهناك و رسائل ملغومة و امة ضائعة بين هو وهي ومسلسل البحث عن الانصاف ، استهتار كلي بثوابت الهوية وتمرد على الهوية ، حتى محاولات تصحيح الهرء او الغير سليم من العادات الموروثة او التقاليد البالية لايتم بطريقة عقلانية كل ماهنالك خروج عن المألوف لاغير في نوع من المغامرة التي تذوب فيه هوية مجتمع باكمله فلا تشبتت بماض وقومت إختلالاته ولا قاربت مستقبلا ووضعت نفسها في سكة التقدم ،ببساطة تكريس مطلق لمنطق التقليد والاستهلاك في شتى صوره الفكرية والاجتماعية وهلم جرا جل نواحي الحياة .
علينا الخروج من عزلة العوالم الرقمية وان بدت بوابة مفتوحة حول العالم فهي عزل كلي عن اقرب العوالم وهي الاسرة والمجتمع ، على المشاعر ان تكتسي حلتها الانسانية من جديد ويتحول التضامن بالمنشورات و الهاشتاغات الى عمل ميداني واقعي فيه ما فيه من حسن ظن ،وان تتحول صور الحزن و المنشورات المقززة لواقع الكآبة إلى نظر جلي للذات وانها مرهونة بعمر زمني لايتوقف عن حدود المآسي او مسيرة السقوط والنهوض قدر انساني ،وعليه المضي قدما لتطوير الذات اكثر من حبسها رهينة افكار سوداوية لا تسمن ولاتغني من جوع ، كذلك حين يتحول واقع الايقونات الى عمل على ارض الواقع و ان لايكون المرء مكتفيا بزر الاعجاب من عدمه وان يتجه لتصحيح ما لايعجبه ، حين يتم يتجاوز واقع العبث والتفاهة التي تصور على انها ترفيه ليدرك ان العقل ملكة كرمنا بها لايصح وأدها بنسق التفاهة .
التعليقات
مقال رائع