ما هو اسمك؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ما هو اسمك؟

  نشر في 20 ماي 2023 .


يسترسل الدكتور عبد الله وهو دكتور بريطاني الأصل، ذو قامة طويلة و جسم هزيل و شعر أسودٍ يغالبه البياض و بشرة باهتة لم أر مثلها قبل، بنبرته الجادة التي توحي بحرصه في شرح بعض التقنيات التي تساعدك على اجتياز قسم المحادثة في اختبار اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها ( الأيلتس). فلا يكفي أن تكون ملمًّا باللغة لتتجاوز هذا الاختبار، أو رُبّما يجدر بي القول أنّه يمكنك الحصول على درجة مرتفعة عن طريق ممارسة بعض الفنون والتقنيات المدروسة حتى وإن كانت لغتك متوسطة. كنت منبهرًا من مدى براعته وحكمته ولكن ما شدني أكثر من ذلك هي تعابيره التي تفيض صدقًا وإخلاصًا رغم إننا لم نقابله إلا منذ أسبوعٍ واحد فقط. كان ينظر إلينا بنظرة الناصح المعلم وليس الملقي، ينظر إلينا وكأنه يعوض عن أشياء ربما كان يتمنى أن يدركها في وقت أبكر من حياته. ما أحزنني حقًّا هو أنه رغم إخلاصه وعلمه، لم يكن هناك بالقاعة إلا ملئ كف واحدة من الأشخاص. إنها دورة مجانية مقدمة من الجامعة. ربما لذلك أخطأ الكثير بظن أنها بلا قيمة. يالِ البشر! متى يدركون أن قيمة الأشياء لا تقدر بالمال فقط!

يتكون قسم المحادثة في اختبار الأيلتس من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول هو عبارة أسئلة تعريفية. من أين أنت؟ أين تسكن؟ ما هي وظيفتك/ دراستك؟ وأمّا القسم الثاني فهو عبارة عن موضوع تختاره بالقرعة من بين أوراق ملقاةً أمامك، ويجب أن تتكلم عنه في مدة لا تقل عن دقيقتين وأما الجزء الأخير، فهو عبارة عن أسئلة يطرحها الممتحن تبعًا لموضوع الجزء الثاني. كانت نصيحة الدكتور عبد الله هي أن نتمكن من تكوين بعض الأفكار المبتكرة وتجهيز بعض الإجابات لبعض الأسئلة المتوقعة بالجزء الأول. فبدلا من الإجابة ب (أسكن في جدة) يمكنك أن تجيب (أسكن في جدة، وهي مدينة ساحلية، تتميز بتنوعها البشري من الثقافات المختلفة والجنسيات المتعددة التي لا تراها إلا في هذه المدينة، وربما تكون ثاني أكبر مدن المملكة تعدادًا،الخ..). فكل كلمة تقولها تظهر تمكنك اللغوي ومهارتك بالاسترسال، ويمكن أن تُكسبك بعض النقاط.

أخرج كل منّا ورقة ليستجمع أفكاره، قبل الاختبار التجريبي الذي يجريه الدكتور كل يوم لتطبيق ما تعلمناه. بدأت بوضع الأسئلة وبدأت بوضع بعض الأفكار وما ان انتهيت مباشرةً حتى بدأ اختبار أحد زملائي بينما جلسنا على مقربة منهم لنتابع نتائج هذه التجربة، منتظمين في مقاعدنا حسب تسلسلنا في تأدية الاختبار. بدأ الاختبار وكان الدكتور حريصًا على محاكاة الاختبار الحقيقي، فقد طلب منا الدخول مع رنة الجرس والتظاهر بتسليم الممتحن بطاقة تعريف الهوية، عندها يقوم الممتحن بسؤالك عن اسمك كإجراء روتيني ليتحقق من هويتك في بداية الاختبار. لمعت عينيّ فجأةً، ارتفع حاجبيَّ وشممت رائحة فرصة تجول أمامي ورأيت مسارًا طويلا يمتد خلف شمعة خافتة. إنها فرصةٌ للإجابة على هذا السؤال الروتيني بطريقة غير تقليدية! ماذا إن كانت إجابتي عن هذا السؤال البسيط غير متوقعة أبدًا، كيف سيكون رد الممتحن! اشتعلت حماسًا وأنا أنتظر دوري بلهفة بينما أفكر مليًّا في إجابتي المميزة!

سلمت الورقة للدكتور منتظرًا بشوق سؤالي الأول! ما هو اسمك؟

اسمي عيد وأنا أحب هذا الاسم لأنه يمثل يومًا مميزّا يتكرر كل عام يحتفل فيه أكثر من مليار شخص حول العالم! وأما عن السبب الأخر الذي يجعلني أحبه هو معناه، فعيد تعني الإعادة، فأنا لا أتوقف عن المحاولة أبدًا مهما كانت الصعاب. أعيد كل شيء حتى أنجح! نظر الدكتور إلي بدهشة وابتسامة بريئة، هذا مذهل يا عيد ولكن إن بدأت المحادثة هكذا ربما سيدرك الممتحن أنك قمت بتحضير كل الأسئلة مسبقًا، لذلك يجب أن تبدو عفويًّا في إجابتك!

نطق في داخلي صوت، حسنًا، هذا هو المعنى الثالث الذي لم أذكره، أنني دائما ما أأتي بالعيد 😂.

ربما لم أفكر قبل بمعنى اسمي، رغم أني أعتقد إنه كان دومًا جزءًا من شخصيتي المرحة، المشاكسة، والعنيدة في بعض الأحيان. كان المدرسون دائمًا ما يمازحونني في صغري قائلين، "عيد وسعيد طلعوا الجبل نزل سعيد، بقي مين؟" فأجاوب عيد، فيعيدون السؤال مرةً تل والأخرى وأنا أجاوب في كل مرة بصوت أعلى من الذي قبله عيييييييييد. إنه شيء مثير للاهتمام، كيف أننا نستطيع نطق اسمنا في سن الثانية ولكننا نعيش باعًا طويلًا من حياتنا دون أن ندرك معناه.

لم تكن صدفة عابرة! وجودي في ذلك المكان وسماعي لهذا السؤال وما سبقه من ظروف قادتني إلى هذا التفكير. لقد كانت رسالةً أرسلت لي، لتكون غايةً أسعى لها ودربًا لا أحيد عنه. هذا أنا! وهذا ما أريد أن أكونه! أريد أن أطبق معنى اسمي في كل يوم، أن أسعى أن أكون عيدًا لكل حزين! ألا أستسلم أبدًا! أن أعاود المحاولة وكان شيئًا لم يكن! وأن أضحك في وجه إخفاقاتي وأنا أردد عيد جاب العيد!

" لكل شخص من اسمه نصيب" هي ليست مجرد مقولة بل هو أمر أكّد عليه ديننا الحنيف في أكثر من موضع. لقد كرم الله بني الإنسان ورفعهم عن سائر المخلوقات قال تعالى " ولقد كرمنا بني أدم". ولما كان الإنسان كريمًا عند الله، جاء نهج الإسلام موصيًا بالإحسان في اختيار أسماء الأبناء، ورَبط بين الأسماء الحسنة و المعاني الحسنة. بل إن النبي عليه الصلاة والسّلام غير بعض أسماء الصحابة وأبدلها بأسماء أخرى في أكثر من موضع. فعندما رزق عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بابن فأراد أن يسميه حربًا فلما جاء النبي صلّى الله عليه وسلم وقال أروني ابني ما سميتموه؟ فقال عليّ: سميناه حربًا، فقال صلى الله عليه و سلم بل هو حسن.

لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتفاءل بحسن الأسماء، ففي صلح الحديبة، عندما أرسلت قريش سهيل بن عمير مندوبًا عنهم، فلما رآه الرسول عليه الصلاة والسلام استبشر وقال: لقد سَهُلَ لكم من أمركم.

وروى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بن حزن: أن أباه حزناً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما اسمك؟ قال: حزن"، وحزن معناه: المرتفع والناشز من الأرض، والوعر من الأرض والجبل، الذي يصعب المشي فيه، فالرجل اسمه وعر، فلما قال ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أنت سهل، فقال: لا أغير اسماً سمانيه أبي"، فيقول سعيد ابن المسيب، حفيد حزن: فما زالت الحزونة فينا بعد، بمعنى: الصعوبة وغلظ الطبائع والشدة.

لم تكن معاني الأسماء مقتصرة على ما خلق الله. بل أنها ارتبطت بعظمته سبحانه وصفاته. ولما كان لها من دلالة وإجلال فقد كانت وسيلة لإجابته سبحانه لدعوات عباده. قال سبحانه " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذرو الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون". فإن أردت الغفران فقل يا غفّار وإن رجوت الرزق فقل يا رزّاق وإن بغيت اللطف في أمرك فقل يا لطيف. في كل اسم لله سبحانه صفة تجلى بها سبحانه وتفرّد. فقليل من أحصى اسمائه، فتأملها، فأمن بها واستشعرها في يومه، فكانت دنياه جنّة صغرى لأخرته. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: "إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً غير واحدٍ، من أحصاها دخل الجنة".

الاسم ليس مجرد حاضر نعيشه بل هو تاريخ يكتب. إنه من أثمن الأشياء التي نملكها. إنه ما يميز ويخلد ذكرانا. عندما نفي أحمد عرابي باشا -الزعيم المصري الكبير- إلى سيرلانكا بعد فشل ثورته أمام الانجليز بعد أن جرد هو ومن معه من كل أموالهم وممتلكاتهم، قابله أحد التجار الانجليز وعرض عليه وضع اسمه على عبوات الشاي مقابل مبلغ ضخم من المال. فعرابي باشا رغم نفيه إلا أنه كان محبوبًا في مصر، ووضع اسمه على بضاعةٍ سيزيد من إقبال الناس عليها بشكل كبير. ورغم سوء أحواله وضيق عيشه إلا أنه كان شديد العزة باسمه، فرفض عرض التاجر وقال مقولته التي خلدت في سطور التاريخ " نحن مسلمون، من باع اسمه فقد باع دينه!".

أسماءنا هي أول هدية يمنحنا إياها أبوانا عند ولادتنا، فأحسنوا استعمالها. أُسْميت على اسم جدي عيد – رحمه الله- الذي فارقنا منذ أكثر من عقد الان. رحل جدي وبقي اسمه أمانة مقدسة لديّ. أمانة أحافظ عليها وأحسن إليها. بدأتَ دربك يا جدي ولا زلت على خطاك في رحلة لا تنتهي. سأكتب أقلامي وأنشر حكاياتي لأخلد ذكراك. أتمنى أن تصلك دعواتي ودعوات كل من يقرأ هذه العبارات.

ربما لم نختر أسماءنا، لكننا حتمًا من يختار معناها! نحن من نقرر ما نريد أن نكون وما نريد أن نذكر به. ما يشار إلينا و يضرب بنا فيه المثل. فإن لم تكن سألت نفسك قبل هذا السؤال، فحان الان أن تسأله! ما هو اسمك؟


~النـــهــــايــــــــة



  • Eid Alagha
    و كن في الطريق عفيف الخطا.. شريف السماع كريم النظر وكن رجلا إن أتوا بعده.. قالو مر وهذا الأثر
   نشر في 20 ماي 2023 .

التعليقات

سناء لعفو منذ 12 شهر
جميل جدا، اسمي سناء وهو من السنا اي الرفعة والعلو وأنا احبه جدا ، تشرفنا بك يا عيد👏
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا