في الأول من كانون الثاني تُهيمن البرودة على الأجواء في عمان كما هيمن الظُلم والبطش والتنكيل بلا رحمة على مسجوني الحكايا التي بثها العتوم في روايته وقد عجزت لغات العالم بجملها وأحرفها مجتمعة على البوح بمعاناة وقساوة المشاهد التي سُردت.
في صباح الأول من كانون الثاني وقع اختياري على " طريق جهنم" لأُتابع برنامج المطالعة خاصتي، ولا أخفيكم أنني كنت مسبقا قد قرأت تقييمات وإقتباسات للعتوم على صفحته الفيسبوكيه وعزمت على البدء بها بعد أن لامست شيئا عظيماً مني.
في بادئ الأمر اعترضت على الإسم، وزاد اعتراضي حينما توغلت في تفاصيل تفاصيل الآلم الذي اختنقت من فضاعته أنفاس الصباح التي اعتادت أن تدلي برأسها لتتابع معي سرد الحكايا في السادسة صباحا من كل يوم.
كنت احاول بكل ما في أن اطرد خيالات المساجين وهم يتلّون ويعتصرون ويمزقون من الظلم، ويتجرعون ما لم تحتمله الأرض والسماوات، ولا حيلة لهم سوى الصمت والإعتياد.
كُنت أحاول أن أبعد عن نفسي الشعور بالذنب وتأنيب الضمير ( لما لم نسمع صرخاتهم، ولما لم نُلقي بالا لوجودهم، وكيف السبيل لرد مظلمتهم، وهل هُنالك شيء يعوض سنين حرمانهم ولوعتهم وفقدانهم لأحبتهم، وضياع شبابهم، وتدهور عافيتهم، وسلبهم أحلامهم.......).
بعد كل هذه التساؤلات، والإستهجانات والدهشات أصل لحقيقة مفادها :
( حقا لا عجب أن الإنسان ارتضى على نفسه حمل أمانة تعمير الأرض والسماوات)!
يا جهنم العتوم :
انت التي قطنتك العقول النابضه، والأرواح المندفعه والأنفاس اليافعه، وما أكثرهم قاطنيكِ الذين لا نعلم عنهم شيء في كل بقاع الأرض ( الأحياء منهم والأموات).
يا جهنم العتوم :
لستِ جهنم عندي بقدر ما إنتِ طريق إلى الذات، وإلى الحياة ولكنك محفوفة بما لا يُطاق...
أنت الحياة نعم
أنتِ الطريق إلى الحياة، فكم من الآلام والأوجاع والمصائب كانت سببا في إيقاظ القوة الدفينه لدى كل سجين من سجنائك...
هناك سجناء بالجمله
لدينا سجين فكره
وسجناء ماض أليم
وسجناء حلم
وسجناء عاهة
وسجناء عشوائية....
وسجناء الكسل، والتداعي بالعجز والضعف
وسجناء دور الضحية
كل هذه الزنازين وأكثر كانت سببا في إستكشاف كنز لا ينطفئ وميضه....
اعود لجهنم العتوم :
في كل صُباح كنت اتجرع أوجاع سجناء ليبيا التي اختصرها العتوم بصفحات، فقدكنت ألفظ اخر أنفاسي مع من وجدوا الموت المخلّص الأعظم، والهدية الأثمن للإفلات من قبضة الظلم، وأذكر أنني قاسيتُ حفر الرُكب، وتعلقت مشنوقه مرة مع أحدهم، وكثيرا ما كنت أتجهم وكشرتي عند سماع سيرة المحرقة"، وتثور ضربات قلبي مع وقع" الهروات"، ويذبل أملي عندما لا يُسمح لوالداي برؤيتي فلا أحتضن والدي، ولا ألمح رأفة والدتي..
أعتدت على صداقة بعض السجناء الذين لا جرم لهم سوى انهم احبوا الوطن، وتعلموا لأجل حب الوطن، وقاتلوا الفقر والجوع والغربة لأجل الوطن، ولكن الموت والعذاب المُلطخين بالغوغائية والإنتعاش للدماء قد أنهى أخر أنفاس قلبي بمقتلهم.
لاأعلم كيف لم يُرفع عني القلم بعد الأهوال التي رأيت، والأوجاع التي قاسيت.
لا أُنكر أن تولّدت لدي رغبة حاقده بنهش أبناء جِلدتي سجانيَّ كما كانت كلابهم الجائره تنهشنا.
سجانيَّ الذين لم يقيموا للدين، والعروبة، والأخوة، والجنسية، والإنسانية، والرحمة وحب الوطن اي وزنٍ او قيمه او معنى".
سجانيَّ الذين لم أرى مثيلاً لهم في حياتي.
بكيت
إشمأزت رئتاي
إنتفضت جوارحي...
تباً
سُحقاً
لا يعقل أن هذا يجري في سجون العرب!
لا يعقل أن هذا يحدث في سجون المسلمين!
أيكون ما خُفي أعظم!!!
-
إبنة نيسانلازلت في مرحلة معرفة من انا