" أو جي سيمبسون ": عندما تخسر آخر لعبة بوكر على طاولة الشيطان ... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

" أو جي سيمبسون ": عندما تخسر آخر لعبة بوكر على طاولة الشيطان ...

  نشر في 03 ماي 2024  وآخر تعديل بتاريخ 06 ماي 2024 .

توفي اذاً " أو جي سيمبسون ". توفي حراً طليقاً معززاً مكرّماً في بيته الخاص، بين عائلته و أحبّته، على سرير نظيف دافئ و قد شبعت عيناه من نور الشمس و اطمأنت جوارحه بالسكينة و الهدوء. توفي هذا القاتل العنيف الشديد الخطورة مرتاحاً آمناً على نفسه و ماله و ولده، بعد حياة طويلة لم يسلم فيها أحد حوله من شروره و مشاكله التي لا تنتهي. بغض النظر عما إذا كنت تؤمن ببراءة أو جي من عدمها، لن تجد شخصاً واحداً يستطيع ذكر حسنةً واحدة له. فأورينثال جايمس سيمبسون، المولود في التاسع من يوليو عام ١٩٤٧م، كان رجلاً سادياً مضطرباً لم يترك شيئاً من وحي الشياطين إلا و اتبعه: ضرْب ٌو عنْف ٌو سرقةٌ و قتلٌ و تربّص. كان عالقاً في أزمة هويةٍ خانقة بسبب لون بشرته الداكن، فحاول كل شيء ممكن لكي يهرب من واقع الأمريكان السود، أراد بشدةٍ أن يكون أبيضاً، "أبيض" حتى من أي مزارع قروي في وايومينج او تكساس. تحدث كالأمريكان البيض و لبس ملابسهم و ارتاد نواديهم و فعالياتهم. لقد ربح تذكرته للخروج من أحياء السود الفقيرة، و لم يكن ينوي يوما النظر للخلف، و أسلحته التي أوصلته الى ذلك كانت قوته الجسدية المذهلة و سرعته التي لا تضاهى و ردود أفعاله الحركية اليقظة و حبه الفطري للشجار و الجدال و المشاكل، فكانت كرة القدم الأمريكية هي الرياضة المناسبة له، و قد استغلها أحسن استغلال. لم يعبأ يوماً بالعنصرية التي يواجهها بنو بشرته في كل أنحاء الولايات المتحدة. لم يكن يوماً حقاً أمريكيا أسوداً يدافع بأمواله و شهرته عن هؤلاء الفقراء الكادحين في قاع المجتمع. لقد عثر أو جي على الفردوس الذي يتمناه أي شاب أسود فقير في هذا العالم، فدخل الباب و أغلقه بمفتاح رماه في أعمق حفرة عثر عليها. كان مستعداً لرهن تاريخ كفاح السود في أمريكا كله في أرخص محل خردوات مقابل ابتسامة "باولا باربييري" الساحرة. و لو استطاع تغيير لون عينيه و بشرته و شعره لما تردد للحظة. 

لم تكن إدانة أو جي بقتل طليقته نيكول براون و صديقها الشاب رون جولدمان (الذي لم يكن هدفاً بحد ذاته لكنه دفع ثمن تواجده في المكان و الزمان الخاطئين) لتفاجئ أي أحد عرف الثنائي. كان زواجهما بائساً ساما مستحيلاً، مشتعلاً بالغيرة و حب التملك و النفوذ. المشكلة كانت ان هذه الإدانة لم تحدث أبداً. يستطيع المرء تخيل ردود أفعال الخبراء القانونيين و هم يرون أو جي الماكر ذي التسعة أرواح و هو يهرب من جبل من الأدلة الدامغة على فعلته الشنعاء، و قد فعل ذلك أمام العالم كله دون ان يستطع أحد ان يحرك ساكناً. قال المحقق الجنائي الرئيسي في شرطة لوس أنجلوس "توم لانج" و الذي تولى معالجة مسرح الجريمة المزدوجة ذات مرة ان كثيراً من الرجال تم ارسالهم الى عنبر الإعدام بأقل من عشرة بالمائة من الأدلة التي تراكمت على المتهم في هذه القضية. أحد الأشياء الذكية القليلة التي قام بها أو جي في حياته هو تعيينه لأفضل العقول - و العضلات - القانونية التي يمكن ان يشتريها المال عندما أدرك انه أصبح في ورطة حقيقية. بوب شابيرو، جوني كوكران، اف لي بايلي، آلان ديرشويتز و روبرت كارداشيان (نعم هو، والد فتيات كارداشيان ...). عتاة المحامين الأمريكان الذين لا يقبلون منك أقل من مليون دولار لمجرد التفكير في تمثيلك. ما نجح فيه "فريق الأحلام" لم يكن الدفاع عن موكلهم الذي كان مذنباً بشكل يستحيل نفيه، بل كان التشكيك في نزاهة النظام القضائي نفسه و التركيز على بعض العنصريين الحمقى من عناصر شرطة لوس أنجلوس الذين تلاعبوا بالقليل من الأدلة لكي يثبتوا التهمة على أو جي، و لم يكن أولئك المغفلون بحاجة لفعل أي من ذلك في الحقيقة، فالأدلة التي تركها أو جي نفسه كانت كافية لادانته مائة مرة. أضف الى ذلك لجنة من المحلفين البسطاء الجهلة، و الذين سحرهم  جوني كوكران و استحوذ على عقولهم و قلوبهم بخبث و دهاء، و الشحن العرقي و العنصري الهائل في ذلك الوقت في الولايات المتحدة، كلها عوامل دفعت لجنة المحلفين الى تبرئة أو جي بحجة ان الادعاء " لم يثبت تورطه في الجريمتين بشكل لا يقبل الشك"! لم يستطيع أولئك العباقرة طبعا القول انه كان بريئاً تماماً، فذلك كان يعد تحدياً للمنطق بشكل مجنون، لكنهم ببساطة لم يعتبروا الحجة القائمة على أو جي كافية لسجنه مدى الحياة. لا أحد "يعرف" من ارتكب الجريمة و لم يبدو ان أحداً من المحلفين كان يهمه ذلك حقاً. لم يكن مهماً لأحد ان دماء أو جي و عينات من ملابسه و شعره وجدت في مسرح الجريمة. و ان دماء الضحيتين وجدت في سيارته و بيته. لم يكن مهماً ان وجود أو جي في ذلك الزقاق المظلم حيث حصلت الجريمة كان مثبتاً تماما علمياً بما لا يقبل مجالاً للشك. دعك حتى من تاريخه العنيف و عدم توافر حجة لغيابه بل و محاولته الهرب نهاراً جهاراً من رجال الشرطة. كل ذلك لم يكن مهماً. المهم كان أن هناك رجلا أسود ثرياً و ناجحاً تم اتهامه بقتل ضحيتين من البيض، و قد كانت تلك الفرصة المناسبة للمحلفين السود لرد الصاع للشرطة الأمريكية العنصرية، ففعلوا ذلك. لكن عدالة الله لم تفلته. خسر أو جي تقريباً كل شيء باستثناء حريته. انحسرت عنه الأضواء و ابتعد عنه المعلنون. أصدقاء الأمس أصبحوا يتسابقون لينفوا أي علاقة به. لم يسامحه المجتمع المخملي الأبيض أبداً. خسر دعوة قضائية مدنية ألزمته بدفع الملايين لعائلتي ضحيتيه. تبجح بوقاحة أمام الاعلام بسرد تفاصيل الجريمة بدقة مخيفة " كما لو كان هو من ارتكبها". انهارت محفظته المالية و لم يدفع حتى واحداً بالمائة من أتعاب محاميه الذين أنقذوا حياته، و الذين رغم ظهورهم في آلاف المقابلات الصحفية و التلفزيونية، لم يستطيعوا أبداً القول أنه برئ! فهم قبل غيرهم يعرفون انه مذنب. فجأةً تذكر أو جي أنه أمريكي أسود  و حاول الارتباط بجذوره، لكن الأوان كان قد فات. كان الزمن هو الحكم الحقيقي هنا. لم يستطع الصمود حراً لأكثر من عقدٍ من الزمن حتى عاد الى قفص الاتهام مرة أخرى بتهمة السرقة المسلحة، و هذه المرة لم يستطع أحد إنقاذه. لم يلخص شخص الحقيقة في هذا القضية المعقدة أكثر من رفيق درب أو جي و محاميه "روبرت كارداشيان "، و الذي توفي كمداً بسبب احساسه بالذنب لدفاعه عن صديقه المجرم. في مقابلته مع باربرا والترز، احتقنت عينا كارداشيان الكبير بالدموع و الندم و بح صوته و هو يجيب بصراحة عن أسئلة المذيعة الشهيرة بصرامتها. لقد كان يعرف جيدا ان أو جي هو من فعلها. بهندام راقٍ محترم ينم عن ذوق ارستقراطي رفيع ، و وجهٍ بهيٍ حدّث عن نعمة و كرم صاحبه، و صوت هادئ جميل، شرح كارداشيان ان علاقته بأو جي قد انتهت الى غير رجعة، و انه كان متأكدا من أن صديقه المحظوظ لم يكن أبداً ليرد له الدين و يسانده بالمثل. نظرة واحدة على وجه عراب اسرة كارداشيان أثناء النطق بحكم البراءة على أو جي كانت كفيلة برؤية ذهوله و خيبة أمله. لقد أراد الرجل حقاٍ ان يقضي أو جي بقية حياته في السجن. و لعل أفراد عائلة كارداشيان الآن قد يستفيدون شيئا من رؤية الصورة المحترمة الراقية التي عكسها والدهم أمام الاعلام. توفي اذاً أو جي سيمبسون أخيراً. لعل ذلك يجلب بعض السلام لعائلات نيكول و رون. سيكتشف أو جي الآن ان مشاكله أصبحت أكبر و أكثر تعقيداً بكثير، بلا محامين لامعين و لا لجنةٍ من المحلفين السذّج ليخدعهم، سيدرك اسطورة نادي "بافالو بيلز" - و للمرة الأخيرة - أنه لم يعد يملك أي أوراقٍ مخبأةٍ في كُمّه ليلعبها، و سيتمنى حقاً لو أن تلك القفازات المضرجة بالدم قد أرسلته الى غرفة الإعدام قبل تسعة و عشرين عاما! 



   نشر في 03 ماي 2024  وآخر تعديل بتاريخ 06 ماي 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا