رسالة إلى الصديقة الراحلة
حين ترحل الأحلام
نشر في 11 يوليوز 2023 وآخر تعديل بتاريخ 31 يوليوز 2023 .
اعتدت منذ سنوات أن تختلط مشاعر الفرح عندي في العيد بالشوق إلى الأحبة الذين فارقونا وابتعدوا وعز لقاؤهم، فأصل من أستطيع الوصول إليه منهم بالسلام والكلام.
وفي هذا العيد وجدتني أذكر بشوق صديقة العمر وشريكة الأحلام والأفكار والطموحات، ورفيقة درب طويل وجميل في أروقة الكتب والمسائل العلمية والفكرية والنقاشات الطويلة، ثم صحبة أمومة دافئة وأهداف تربوية سامية، ومشاركة ومساندة في كل خطوة في الحياة الاجتماعية والعملية، أمر اليوم من المدينة التي التقينا فيها وكبرنا معا، أعانق الأماكن التي جلسنا فيها، وأحيِّ المكتبات التي درسنا فيها، وأتأمل الشوارع الي سرنا فيها معا، فأمسح عن نفسي بعض الحزن والحسرة بهذا البعاد.
أراسلها اليوم من غازي عنتاب إلى بريطانيا.
هكذا هي الحياة يا صديقتي
كثيرا من الأشياء التي أحببناها ولم يكن يفصلنا عنها سوى خيط رفيع في المكان، ويبعدنا عنها الزمان أعواما وسنوات، ولما انتظرنا الزمان يمضي ويأتينا بها، كان في الحقيقة يمضي بنا بعيدا عنها أكثر وأكثر، فما بعد الزمان بأقل رحمة من بعد المكان، ونحن بشر يا صديقتي لا يمكننا اختراق زمان ولا مكان.
لاحظي أن كل شيء في الحياة، سهل، قريب، ممكن، إلا ذاك الذي تمنيناه يوما، وحلمنا به، كل شيء ممكن الوقوع، متوقع الحدوث إلا الأشياء التي عشنا دهرا لنعيشها هي بذاتها، ومن أجلها، ظل حدوثها أضعف الاحتمالات، وفي لحظة تغدو حياتنا ملكا لغيرنا، أو على الأقل يصبح لنا شركاء في الأحلام والأيام، ثم تتعبنا العوائق والصعوبات بوجه الشراكة القديمة في أحلام لم نوقع عليها أي اتفاق أو معاهدة، سوى أنها كانت تحت وصاية عهدٍ قلبي، وفي ظل ضغوطات الحياة الجديدة لا نملك إلا أن نستسلم ونزهد بالكثير مما انعقد القلب عليه سابقا، لأننا حين لا نملك أن نصل إليها فإنها تظل تتغذى على أجسادنا وأرواحنا ولا طاقة لدينا تكفيها، ربما لأننا نعلم أن الطريق إليها ليس هو إلا أعمارنا، نعلم في قرارة أنفسنا أننا لسنا جبناء أو بخلاء في البذل من أجلها، فنحن مستعدون لبذل كل ما هو مستطاع، لكن ذلك لو كنا نؤمن حقا بإمكانها، حيث تأخذ خانة الممكنات في حياتنا تضيق وتضيق حتى لا نكاد نقدر على شيء، وإنما نحن بشر نطيق تحقيق الممكن ونسعى له سعيه ولا نطيق المستحيل، ولا نطيق معاندة الأقدار، فنرحل بسلام، ونبتعد، وتبتعد الأحلام بكل شبر نبتعده ذراعا، فأن نعود ونجلس جلسة ود وسمر وعلم نمتلئ بها طاقة تكفينا لأيام وشهور أصبح حلما بل ضربا من الخيال، أخبريني كيف نطوي الأرض من آسيا إلى أوروبا إلى أقصى الغرب وأقصى ما في الأرض من بلاد؟ إن كان بإمكانك طيها فافعلي، ولتأمريها بأن تأتي لنا بالأحبة من هنا وهناك ومن هذا البلد وذاك، وإلا فتجملي بالصبر الجميل، ولنتصبر على ما في الأقدار من حلو ومر، ونحتسب الدموع وآلام الفراق أجرا وذخرا، ونسلم للمولى، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
والسلام.
-
حنان حسن🍀ذاكرةُ البشرِ قصيرة والحرفُ يخلِّد الذكرى🌿
التعليقات
هي الحياة التي تشكلنا بالقالب الذي تريده ، لا مانريده نحن