وحيد منعزل سيئُ الشعور منفردٌ في الخطيئة حتى وصل لعمر العشر سنوات ..كان شديد القسوة و الغيرة مشاعره ما بين الفوز و الخسارة والغرور والوقاحة ..
حتى في وحدته كان يفتعل الخصام مع أشخاص وهميين وجل وقته كان منعزلاً كأنَّ حديثه لا يستوعبه أحد !
لا أذكر يوم ولادته ولكن كانت أمه بسخط تتمتم فوق رأسه الصغير ..وددتُ لو كنتَ كابوسا لأستيقظ منه !
فهو إبن لحظة ثقة ..هو إبن المتعة والخطيئة فأبوه مجهول للجميع وبالنسبة لها هو العريف "سكوفيلد "
كانت هذه العلاقة بالنسبة لها عابرة حتى غرقت به إلى عمق الحياة فلما علم سكوفيلد بالأمر كما هو متوقع أمرها بالسفر بعيدا فهو لن يتحمل عبء طفل ليس له !
فهو المنتظم في العبادة وصاحب سمعة طيبة أمام الجميع وكما قالت بحزن شديد قال لها وهو يشيح نظره عنها " لستِ المرأة التي أتغير من أجلها !"
كانت تلك اللحظة تشعر بالفراغ وتعاسة التي لم تتمكن من التعبير عنها سوى بعقاب إبنها فكلما تراه يسهل عليها فكرة هجرانه فتتراجع عن الأمر وهو يبدو لا حول له ولا قوة بوجهه الصغير الباهت الابيض ..
كان الطفل يكبر والحقد داخله يزين روحه وعيونه تتعثر في ملامح أمه عساه يجد بعضا من الحب فهذا الفقد يقوده نحو الجنون والكآبة فطفل بعمر العشر سنوات كأنه بعمر المائة !
بحكم أنها تسكن بجواري كان طفل معظم الوقت يجلس خلف المنزل فيبدو تارة هادئا وبعض المرات تجده يبحث بشكل يائس عن ونيس فاقدا الأمل فيها رغم أنها تبعد عنه بخطوات معدودة !
ناديته فكان يبدو عليه المرض فجلس منهكا بجانبي فقال متعثرا بكلماته :
إنني أتعفن مللاً ..
صدمتُ من كلماته التي تبدو باردة وليست ملائمة لسنه ثم نهض ودخل لمنزله كأنه عدو الحياة ..
مرت السنين واكبر الطفل فأصبح اكثر هدوءا فصمته مقلق بعض الأحيان ، كان ينتقل من مهنة لأخرى فعمل في تجارة الخشب وكان يغيب عن منزله لأيام طويلة ..
كانت أمه قد أصابها مرض زهايمر فكان يهتم بها وذات ليلة سمعت صراخهما
فدخلت عليهما فوجدتُه غاضبا ثم قال لها :
الا تعلمين كم ترعبني فكرة أنني أشعر بالغربة معكِ!
لا أشعر بالإنتماء إليكِ !
ردت عليه ببرود :
تشبه أباك سكوفيلد وقح أناني ..تريد هجرة إمرأة لأجل امرأة!
كان يبدو عليه الإستياء والغضب ثم قال وهو يهم بالمغادرة :
لا تخبريني بأنني أبالغ كعادتِكِ لكنني لم أتعرف على إمراة قبلها لم تضعي قبلتك على جسدي الصغير ..لم اراك امرأة قط كل ما كنتُ أراه كسرة النفس وحرقة القلب وخذلان الشعور ..سأقولها لكِ للمرة الأولى أمي تجاوزي أنكِ لم تكوني الإختيار !
إنتفضت من مكانها غضبا ثم قالت :
عجيب أمرك تفتح بوقاحة جروحا لا تُغلق ..فعلا أنت إبن الخطيئة !
إنفصلا تلك الليلة كأنها النهاية لهذه العلاقة ..الام والابن فجلستُ بجانبها كانت تتظاهر بأن كلماته لم تثقب قلبها المحطم قبل عشرون سنة مضت ..
إستوحشتُ المكان فهرعت لمنزلي لأستقطب بعضا من الهدوء لداخلي فهذا الصراع تمكن مني للحظة !
فقلت في نفسي ، كيف تمكنوا من العيش وكل منهما محطم فعمق مصيبتها أنها لم تتجاوز فمضت عشرون سنة من حياتها في تعب نفسي متواصل ..
بعد مضي شهور عِدَّة وجدتها امام بيت منزلها ممسكة برسالة فقالت لي :
لا حظ لي في رجال إختارهم قلبي ..
قرأت الرسالة التي كانت من إبنها فكتب على ما ذكر :
لقد وُلدت في عائلة لها ضلع مائل ..
ليس هينا على نفسي أن أبتلى بأم واب هم اكبر خسارة في حياتي ..
لا أذكر أنني رأيتها تبتسم فهذه العائلة الفرح فيها مبتور
أختارها هي بدلا عنكِ لأنني أيضا لم أكن الاختيار بالنسبة لكِ !
وها أنت تخسرين للمرة ثانية ..
لا أذكر أنني أخذتُ منكِ شيئا سوى الفراغ الهائل و الأكتاف الهشة !
أمي رغم كل الهدوء الذي كنتُ اتصنعه ما كنتُ ارغب سوى بقبلة منكِ او كلمة مطمئنة تزيل الخوف الذي يُثقل أكتافي الصغيرة !
هناك ضيق بصدري طوال العشرين سنة لأنني كنتُ وجعكِ الذي يكبر !
الآن أغادرك للأبد آملا أن تتجاوزي حزنك وتتجاوزي رجلا الخطيئة هي عقيدته !
نظرتُ لها فوجدتها تبكي فقالت وهيا مشيرة لصدرها :
هناك وجع لا يُطاق ..لا يُحتمل !
هرعتُ إليها طالبة منها الذهاب للطبيب فقالت وهيا منهكة :
كلماته كأنه يأكل كبدي نيئا ..سأخبركِ الحقيقة رغم قساوتي تجاهه ورغم ذنبي العظيم وددتُ لو لم يكن بيننا نقاش حاد وددت لو حضنته حتى المشيب ولكن روحي بعض الاحيان لا تكترث له !!
هل تحبينه نيابة عني ..أكتبي له أنني لن أنسى أنه تحمل متاهاتي النفسية وأنني رغم قساوتي كنت أنظر إليه بعين الرحمة في بعض الليالي ..أكتبي له أن يتجاوز ما حصل بيننا كي أتجاوز أيضا!
بينما انا جالسة وجدتُ يدا تطبطب على كتفي فوجدته ينظر لي فقال :
تتحدثين لوحدك مرة أخرى..أمي تناولي دوائك !
أمسك بي ثم نظر لي وقال :
ألستُ الابن اللقيط في روايتك..متى تنصفينني ثم ضحك وغادر !
تجمدتُ مكاني فللحظة أدركت أنها هيا انا وأن هذا منزلي فضحكتُ ببكاء ووجدت أنني إنفتحتُ كليا لقصة بداخلي فعلمتُ أن عقلي لا يهدأ وأن قصتي لم تبدأ فوسط موج الكلمات خُلقتْ بداخلي أم عزباء وإبن بلا أب و مشاعرٌ كزقاق ضيق !
قصتي أسميتها وردُ المظالم ..
وجدت نفسي كتبت صفحات كثيرة نصفها بداخلي ونص الاخر على ورق ابيض يثبتُ أنني حاولت إخراج بعض الشخصيات للعلن فلأكمل يلزمني طاقة هائلة وإلتزام تجاه نفسي لأعبر بهم للعلن رغم انني شخصية مستغنية جدا ولكن لن أتخلى إن لزم الأمر أن أنزلق داخلهم لأكتب عنهم حتى يعود الفضل بينهم .
-
ابتسام الضاويكل كنوز الأرض لا تساوي راحة بالك