أحسّ بأنّنا غرباء، نعيش في عالم غريب. ترى هل نحن من نجعل العالم غريبا أم أنّ غربة المكان أثّرت على أحاسيسنا؟ سؤال محيّر، فالإنسان أصبح غريبا. غريبا حتّى عن ذاته لا يعرفها و لا تعرفه. غريب عن روحه لا يحسّها. فحيرته عند الإختيار دليل ملموس عن هذه الغربة عن هذه القيود بل الحواجز الّتي تفصل بين وعيه و لا وعيه، بين عقله و قلبه. أظنّ أنّ هذه الحيرة أزليّة و شعور عاديّ بعض الشّيء لكنّ عمق الفجوة ليس بعاديّ بل مريب. ترى ماالّذي عمّق الفجوة و حوّل العاديّ إلى المريب. هل صمتنا هو السّبب هل خوفنا من الحوار هو السّبب هل خوفنا من مواجهة ذاتنا و محاسبتها هو السّبب؟ هل غياب القدوة هو السّبب؟ هل البعد عن الدّين هو السّبب؟ ربّما، بل أجزم من جهتي أنّ كلّ هذه الأسباب مجتمعة لتفرّقنا لتغريبنا. فغياب أدوات التّواصل و أسسه و غياب المرجع الدّيني هو ما غرّبنا عن ذاتنا وهو ما دفعنا إلى أن نتغرّب عن بعضنا البعض لتصنع عالما غريبا يحوينا بكلّ عقدنا لكنّه لا يستوعبنا. ليس الدّين أفيون الشّعوب كما قيل بل الدّين إعتقاد جازم بوجود حوار بين خالق لا يُرى و مخلوق يناشد الرّؤية. حوار بين ماهو منشود و ماهو موجود، حوار يرنو إلى الكمال. و هذا هو الحلّ، البحث عن الكمال. أظنّ أنّ البحث عن الكمال سبب كاف ليجعلنا نتحاور و نتواصل، فأنا أبحث عمّا يكمّلني عند هذا و هذه و ذاك و هؤلاء و أولئك، و أنتم نفس الشّيء. هذه الغاية تجعلني أبحث في ذاتي أوّلا، أبحث عن ما ينقصها ثمّ أبحث في العالم من حولي لأجد حلّا و تكملة لما ينقصني و بالتّالي يجتمع الغرباء ليصبحوا أصدقاء و يصبح العالم من حولنا بعيدا كلّ البعد عن الغربة الّتي تصنع التّشنّج و الصّراع و الحروب. بعيدا كلّ البعد عن إراقة الدّماء و التّدمير و التشتيت.
-
Dr. Marwa Mekni Toujaniأستاذة جامعيّة - مدونة مستقلة