خطاءون مُكابرون - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خطاءون مُكابرون

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 19 ماي 2023 .

خطاءون مُكابرون..

ما من شيء يُطلق شعور الفرح والعظمة الكامنة بالنفس مثل الرغبة بالعطاء، ومد يد العون ومساعدة الاخرين في محنهم، وعون من يكبو على النهوض، فقد خلق الإنسان بفطرته اجتماعيا يؤمن بالتكافل الاجتماعي لرأب نكبات بعضهم البعض، وعونهم على تجاوز محنهم بأمان..

لكن البشر يختلفون في احترام وتقدير أهل اليد الطولى بالخير التي انتشلتهم ساعة ضيق حال، تبعا لنوع أخلاقهم وما نشأوا عليه منذ طفولتهم، لأن تأثير البيئة راسخ بأعماقهم إلى أبد الآبدين.

بعض هؤلاء حرموا أنفسهم نعمة البصيرة، فصارت رؤياهم لشد هوانها منحرفة عن جادة الصواب، تصرفاتهم غير سوية، مكرروا ارتكابهم السوء، سريعوا التنكر للمعروف، يقابلون الإحسان بسوء التصرف والتنكر الذميم، يرتكبون الخطأ الجسيم كرد فعل سيء، فيما يفترض فيه أن يكون رداً حسناً للمعروف، يليق بمن أحسن إليهم وأعانهم في لحظة انكسارهم وجوعهم ومرضهم، فردوه نكرانا معيباً وتصرفاً مهينا.. على رأي المثل القائل ..

"اتقي شر من أحسنت إليه" .. فالإنسان لا يخلو من الخطيئة لأنه مفطور على الضعف وتقلب هوى النفس، وتزداد حالته سوءا حين ينشأ في بيئة غير سوية تعوده على هوان النفس وانحطاط قيمتها داخله، فيخسر محاولاته بالارتقاء الاجتماعي لأن طبيعته سرعان ما تطفوا على السطح وتفضح حقيقته، فتخرج أسوأ ما فيه، حتى تجاه من قدم له العون في لحظات ضيق حاله، فمثل هؤلاء يتساوى بطبعهم الداعم والممتنع عن الدعم، والنكران أسوء خلق ممكن ارتكابة بضمير ميت وقلب حقود حسود.

ولكي نتجنب أذى مثل هؤلاء ليس على المرء أن يستمر طويلا باحتمال سوء تصرفهم، لأنهم بهذا السوء لا يعكسون إلا مراحل تربوية لا ترقى لمستوى الجودة، فالإنسان ربيب بيئته يعكس أخلاق تشرَّبها مُبكرا، فما نشأ عليه يلازمه حتى الموت.. من نشأ على الأخلاق الحميده لا تتبدل حاله وسط أي بيئة مخالفة لبيئته، ومن نشأ في البيئة المتدنية لا يستطيع إلا أن يكون بتعامله متدنيا فنفسه لم تألف غير ذلك.

محزن ذلك الشخص الخطاء الذي إن تصرف لا يحسن التصرف، وإن قال وعبر كثرت أخطاءه وازدادت هولاً وبشاعة، وكثير الأخطاء في العادة شخص مُعاند لا يحسن التصرف ومتنكر للإعتراف بأخطائه، مثل هذا يعتبر شخص مهزوز ناقص الأهلية في العرف الشرعي، لأن الله ميز الإنسان العاقل بخُلقه وخَلقه، أن جعله ناطقا، ومدركا يملك عقلا متطوراً، مؤهلا لأن يميز بين الصالح والطالح، فالأذكياء يعرفون حدود القول فلا يتجاوزوه، ويدركون الصحيح من الغث فلا يقربوه، من يدرك أخطاءه ويتداركها بوعي الراشد يظل ما زال شخصا سويا تحت السيطرة، والمستقبل حتما سيكون تحت سيطرته فيخطو خطوات ثابتة ومتوازنة، فيما المدعي عدم الاهتمام لرأي الآخرين فيه على خلفية تصرفاته الغريبة، فاقد لحس الأمانة والكرامة، وأخلاقيات الذوق والوفاء والمصداقية.

لقد خلق الإنسان بطبعه خطاءا، فالله الذي أحكم خلقه وجعله مدركا عاقلا مفكرا متخيلا، في ذات الوقت جعل بالإنسان أيضا سوء الظن والتقدير في الحدود الضيقة للعاديين من البشر، تبعا لحجم أخطائهم.

متوسعاً بأعمال الأذى متعظما بالأخطاء لمن ضاق بهم التفكير، وحل بهم سوء الظن والتقدير، إنما مقياس الخطأ والخطيئة عند أي إنسان يقاس بالكثرة أو بالقلة وبعظم الخطأ ومدى إضراره بالآخرين، فنقول للمقل المتدارك لأخطائه حكيماً، ونقول للمكثر المتعاقب بأخطائه أهوجاً ذليلاً، وللمتمادي بارتكاب الأخطاء بلا إحساس أحمقاً خبيثاً، والضائع المتردي بالتيه، السالك سبل التائهين في غابة من الذنوب عن سابق قصد وترصد بالمذنب الخسيئ، بحيث أن حالته تحول بينه وبين الوصول إلى مرحلة التوبة وطلب المغفرة، فهؤلاء هم الأفاكون والمتردون بالخضيض، لا أمل يرجى بشفائهم مما هم فيه من ضياع.

الحديث الشريف "كلنا خطاؤون وخير الخطائبن التوابون" .. رواه الترمذي

فالبشر يصيبون ويخطئون، يحسنون ويسيئون، يذنبون ويتوبون، يخربون ويصلحون، هذه طبيعة بشرية غير ضارة بحدودها الدنيا غير المضرة بالآخرين الضرر الفظيع، وغير المكررة والمتعمدة، فالتوبة النصوحة تقابل الخطأ وتصلحه، فلا يتخذ المرء هذه الخاصية لارتكاب الخطأ وتبريره لارتكاب المعصية، ومخالفة أمر الله ورسوله، فالمخطئ العفوي ليس كمثل المخطئ عن سابق قصد وترصد، والمسيء وهو يدرك سوء تصرفه ويستغفر الله، ثم يعود إلى سوء طبعه ويستغفر الله ثانية وثالثة، هو شخص كاذب ينافق الله ورسوله ولا يصدق فعله على التائبين.

يقول الله تعالى: "واستغفرُوا رَبَكم ثم توبُوا إليهِ إنَّ رَبي رَحيمٌ ودُود" سورة هود 90

فيما رسول الله عليه الصلاة والسلام فيقول: اتقِ الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن، فالدين أخلاق" الترمذي

لكن الله جلَّ وعلا ظلَّ يدعو للتوبة النصوح مُحذرا من انقطاع الأمل بالتوبة والقنوط من رحمته فيقول: " لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" يوسف 87

ويقول: "لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" الزمر 53

"إن الله لا يعذب قوما يسترون ذنوبهم" فالشاهد بالموضوع أن يكون الخطأ عفويا وغير مفضوحاً وضرره محدودا، والتزام الناس بشكل طوعي بحسن التصرف والتعاطي بأخلاق عالية، تنأى عن الإساءة لمن أحسنوا إليه، وأنقذوه في معترك ضائقته، في الوقت الذي تخلي عنه أقرب الناس إليه، غير مهتمين بضعف حاله.

فالإساءة اللفظية، ومعاملة السوء، والتلفظ أو الجهر بالفواحش، والكذب المتراكب، والتلفيق بما يخالف الحقيقة، والإهمال المقصود، والسب والقذف والتهديد، والاستغابة الضارة المسيئة لسمعة الناس، كلها تقع تحت طائلة الضرر المقصود الذي يحق عليه العقاب والتأديب، فغير الخائف من العقاب نتيجة تصرفاته هو شخص بليد، لا كرامة له ولا ضمير حي يثنيه، لا يملك قيماً ترده ولا أعرافا تصده، لأن المالك للضمير يًحاسب نفسه ويُثنيها عن الاستمرار بالغلط، فيعدل سلوكه على الفور، فيما المتكرر لارتكاب الخطأ هو غير قادر على تقدير مواقفه، واكتشاف حجم إساءته للغير، وبالتالي يظل يوهم نفسه بأن خطأه أبسط من أن يُحاسب عليه أو يُراجع نفسه فيه.

المجتمعات بحكم تنوُّع الناس، واختلاف طبائعها وتنافسها، وتنوع احتياجاتها من الطبيعي أن يعتريها مرتكبوا الأخطاء والذنوب والإساءات والجرائم، فكل المجتمعات معرضة لأن تكون مجمعات حيوية تتصارع فيها الأضداد، واختلاف الأفكار، وتنوع المزاجات، وبالتالي فهي محيط يختلط فيه الحابل بالنابل من أهل الطبائع على اختلاف طبائعها وميولها وقوة قيمها، وما وضعت الضوابط القانونية الإلزامية إلا لتحد من غريزة التنافس غير الأخلاقي، والطبائع المسكونة بالأمراض النفسية، والميول النفسي نحو الانحراف.

فالأخلاق ميزان النفس الأوابة، كما القوانين ميزان الضبط والعدالة، فلا يضبط الطبيعة الإنسانية إلا قيم دينية تحققها الكتب السماوية، وقوانين دنوية تحققها وتضبطها سلطة الأرضيين، وأعراف تتفق عليها المجتمعات لضبط النفس الخطاءة، وهذا ما جعل الإنسان يبتكر المُثل الأخلاقية، والأمثال الحكيمة لضبط قيم الاحتكاك المجتمعي.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 19 ماي 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا