ناعم، كثيف ورطب، كان ملمس الظلال، ظلال الليل السائلة تغلف الغرفة وكل شئ، عدت إلي غرفتي مرهقا في تلك الليلة، وقد قطعت الكهرباء .
القيت بنفسي متهالكا في أحضان السرير، تنفست بعمق، وأخذت أفكر في الليل .. مازال هو الليل.. يتسلل ويسود، تملأ قبعته الثقوب،..والوطن..مازال هو الوطن .. مستمرا في الهبوط إلي الحضيض..وأنا..هل ما زلت أنا؟
لست حزين ولست سعيد، لا أحب أحدا ولا أكره أحد، لا أملك شيء ولا أرغب بشدة في شيء، روحي خاوية، كبئر جافة، تفوح منها رائحة الأتربة،..يردد صوت هامس قرب أذني:بئر..بئر،..شعرت بالنعاس..أنصت للصوت: بئر ..أتربة..،يتسلل بنعومة كدقات الزمن، يتسلل النوم إلي عيني.
وفي الحلم، كان هناك ظلام كثيف، ومن مكان عال جدا، فتحت نافذة، أطل منها كافكا وقال متبرما:و مازال هذا الليل ليلا أكثر مما يجب!.
وهناك في الاسفل كان يقف رجل ينظر حيث فتحت النافذة،كان الرجل درويش فصرخ يقول:
يأيها البرق أوضح لنا الليل أوضح قليلا!.
ثم خفض رأسه، وأخذ ينظر الي رجل جالس على كرسي بقربه، كان الطيب صالح يقول في شرود وذهول:من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل-من هم هؤلاء الناس؟.