شغفها الرحيل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

شغفها الرحيل

في كل يوم

  نشر في 15 مارس 2019  وآخر تعديل بتاريخ 19 فبراير 2023 .

انتفضت من النوم مسرعة كالبرق بعد ليلة شرسة الملامح , بدت كأنها سنوات عجاف ,لا أعلم لماذا باتت أحلامي متصلة دوما بالأموات ,رهبة استثنائية تتملكني في تلك اللحظة, الخوف من الموت ∙∙∙كانت هذه الفكرة تضعني في زحام الأفكار اللامتناهية والتصورات المخيفة بأبشع الطرق وأشقاها, ثم تذوبني في دائرة من الفوضى والعشوائية واللامعقول ,نزعت عني تلك الأغطية الثقيلة ثم حملت نفسي إلى الحمام, حاولت أن أتجاهل مجددا تلك المرآة اللعينة ,لكن رغبتي كانت أشد إلحاحا بأن أفعل, نظرت إلى وجهي كمن أخبروها أن حبيبها عاد للتو من التجنيد العسكري ,رفعت رأسي متأملة وجهي بهدوء غير ابهة لتلك الدمعة المسكينة التي فرت تتجول على ملامحي الحنطية فجأة تذكرت تلك الاغنية التي كنت أرددها قديما:

مرايتي يامرايتي

رح احكي لك حكايتي

قولي لي انا مين؟

انتى انا وانا انتى

مهما كبرتى واتغيرتى

بعيونى انتي الستى

تفاقمت رغبتي في البكاء لحنين أرهق القلب واستعمرته الذكرى لكن،لكن ملامحي كانت في مكانها الصحيح, فقط دمعتي تلك كانت لأجل روحي الفارغة, روحي التي لطالما كانت شفافيتها ترسم على ملامحي ,روحي التي تنزلق مني ببطء رويدا رويدا دون أن الحقها , فتتركني هائمة في متاهة مظلمة تمتصني بلا هوادة ∙∙∙نَأَيْتُ بنفسي عن المرآة ,وتلك الملامح ذات السكون المزيف التي تحتلها ،فجأة سمعت صوتا حانقا يقول :جمعي غطاك ضياف غيجيو فقاش اديري عقلك ∙

قلت لها بغضب مصطنع الله يستر اشبغونا فهاد صباح ,وأنا عاجبني حالي هكذا ∙

قالت بغضب مخفية ضحكتها الجميلة : حسن عوان هاذ المسكين لغيديك ∙

قلت لها بابتسامة ماكرة :متأكدة انه سيعديني إليك في اول ليلة هيهه∙

كم كانت تضحكها هذه الجملة ,لأنها تعلم أنني ضد الزواج في سن مبكر ,في لحظة بدأت تتلاشى ابتسامتي مع تأملي لتجاعيد وجهها،كانت لحظة كونية وقفت فيها على حقيقة من نوع خاص, خاص جدا جدا ، حاولت نكرانها كثيرا،أحيانا كلما كانت رغبتنا أشد للمستقبل نتذكر إحتمال فقدان السند الكبير في حياتنا ، شعرت بحنين للمس وجهها كما كنت افعل حين كنت صغيرة ,لازالت تلك الأيام تعشعش في ركن جميل في ذاكرتي المتقلبة، كنت استفيق باكرا أجدها نائمة ببشرتها البيضاء فأضع بنصري الحنطي على بشرتها الملساء بعدها أتجه به إلى عينيها أفتح إحداهما فيجرفني لون العسل الصافي بعمقه اللامتناهي ،كان هذا قبل أن يسرقني العمر، وتتقاذفني الحياة بوحشيتها وتعقيداتها وبريقها المزيف ∙∙∙

جمعت غطائي ،ارتديت ملابسي ،جمعت مذكراتي ورسوماتي كلها،نظرت من وراء الباب إلى أمي وهي تقطع البصل ,قلت بهمس:

والله لا أرى رقة كرقتك يامهجة القلب، ولا حنانا كحنانك، لكن الأحلام طغت يا أمي وإن البعد والرحيل هو خلاصها ثم تنهدت بصوت العالي قائلة:

أنا راحلة ياأمي ولن أعود مجددا هذه المرة ,إبتسمت ونظرت لي بهدوئها المعتاد: لا تتأخري سأترك لك الغداء

لم أرد أن أجرحها واقول سأرحل لأنني لا أريد أن ينتهي بي المطاف وأنا اقطع البصل أو أنظف البيت ... لا أظن أني أستحق ذلك ولاهي تستحق, لكنها تفعل كل شيء لأجلنا وأنا غير مستعدة لفعل ذلك مع أبناء أرفض نهائيا أن يأتوا لهذا العالم المتوحش , هي امرأة محاربة ومعطاءة لكن روحي أنا مستنزفة, ومتصدعة, وهشة جدا رغم ما تظهره للآخرين لا تصلح لتقديم أي شيء فور خروجي لفحتني وريقات الخريف الشاحبة حملت إحداها وشعرت بالأسى على الوريقات الأخرى.

قلت في نفسي: هل أنا الوحيدة التي ترى في شحوبك جمال ما أيتها الوريقات ,من سيحملك ويحتفظ بك وسط سطور منبوذة كتبت للمكلومين فقط , حملت هاتفي رغبة مني في أخد صورة لكل هذه الأماكن التي تحيط بي ...الوريقات الشاحبة المتبقية .. محل العم سعيد ...شجرة الزيزفون الشامخة الشيء الأروع الذي يزين هذا الشارع الكئيب ...ثم تلك المرأة المتسولة التي كلما صادفتها نهشني ألم من نوع اخر وواقع أشد ألما ...ودعت كل شيء , ثم اتجهت الى محطة القطار.

تجمع الراحلون ,رحل من رحل ,ومع كل راكب كانت تفر دمعة من عيناي ...انتفضت على صوت السائق الذي سألني إن كنت سأركب ∙ لوهلة لاحت صورتها أمام عيني بملامحها البيضاء وتجاعيدها المرسومة بإتقان ,أجبته بالرفض وأنا سارحة في تجاعيد أجمل امرأة في الكون فقال مبتسما :

إنك تعذبين نفسك بالمجيء في كل مرة لرؤية الراحلين ,حلمك يتجدر في مقلتيك الهائمتين ,الرحيل يحتاج منا الشجاعة والقوة لمواجهة الحياة الجديدة التي نطمح لها، لا شيء يأتي سهلا ،عودي يا إبنتي بعد حين من الزمن سياتي وقتك وإذا ما أطال الله في عمري سأوصلك بنفسي حيث الحلم∙

عدت حاملة ثقل مشاعري المختلطة, وفجوة خيبتي تلك تلتهمني دون رحمة سمعت صوتها الحنون يقول: لقد تركت لك الغداء انه ساخن،لم أسمع باقي كلماتها فور أن وضعت رأسي على الوسادة تفاقمت رغبتي في البكاء فبكيت ∙∙∙بكيت ضعفي وخوفي وواقعي وانتمائي ومعتقداتي ∙∙∙


  • 4

  • ابتسام تغزاوي
    محبة للفنون.رسامة .معلقة صوتية .وكاتبة حاصلة على جائزتين في فن القصة القصيرة
   نشر في 15 مارس 2019  وآخر تعديل بتاريخ 19 فبراير 2023 .

التعليقات

الأجمل هو حوارك باللغة العامية، كان صادقاً ومفعماً بالواقعية
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا