لطالما توقعت أن تحصل أسوء الامور في القرن الحادي والعشرين، كحرب عالمية او حرب أهلية او اي شيء من هذا القبيل لكن أن ينقلب العالم رأسًا على عقب، في أيام معدودة بسبب فيروس لا تشاهده العين، يقتحم بيوتنا ويتسلل إلى اسواقنا، ويسرق الغالي والعزيز منا. يدمر غير مبالٍ، يسجننا في بيوتنا غير مكترثٍ لجوعنا وحاجتنا لروتين أيامنا. يضرب الصغير والكبير، يدوس على الغني والفقير. يهدم تماثيل الشهرة. يزعزع الكيان فينا. هو أمر عجيب غريب.
لقد هجرنا منذ زمن بعيد مثل هذه السيناريوهات لمختلف الفيروسات والدمار الذي تخلفه ورائها، لسبب وحيد، أننا أبناء القرن الحادي والعشرين، هذا القرن الذي بلغ من التطور مالا يصدق، وأخرج من بين طياته التكنولوجيا التي جعلت حياتنا أسرع ونبض يومنا أسهل.وثقافتنا اقرب وأكثر إنسجاما.
الحقيقة، اننا اصبحنا نساعد العالم بجلوسنا في بيوتنا، نقدم العون بتطبيقنا لسياسة الحجر الصحي، نتابع الاخبار أولا بأول، دقات قلوبنا تتسارع بمجرد أن ترتفع حصيلة الوفيات. نخاف من ان يقترب هذا المزعج من بيوتنا المغلقة، ويقتحم مختبئنا في أي وقت بدون إسئذان.
توقفت الحياة بالنسبة لي، الضجر والممل أقلق راحتي. اصبحت اكرر اليوم بحذافيره، ابحث كل يوم عن شيء او نشاط او عمل او أكل جديد، يجدد روحي ويبعد عني روتين البقاء في المنزل. أستطيع أن اخرج وأتمشى حول البيت، لكن العودة إلى روتيني العادي أرحم.
بالرغم من أن مواقع الانترنت هي الأنيس الوحيد في هذا الحجر المنزلي، إلا أنها اصبحت مصدر للخمول والضجر. البعض يجد سعادة بالمكوث طوال الوقت متصل بالانترنت، ربما يلعب او يشاهد فيلما او مسلسلا من اربع أجزاء، او يتحدث مع شخص عزيز عليه أجبرته الظروف على عدم رؤيته في أرجاء المدينة. او يرسم الضحكة ويرفع المعنويات بفيدوهاته على تطبيق من تطبيقات الانترنات. هناك من يطمئن على أهله وجيرانه ويجري بثا مباشرا يتابعه الاحبة. المهم اننا وجدنا ضالتنا في مواقع التواص الاجتماعي. لكن كل هذا لا يستهويني فالحياة حياة وسلبت منا أحببنا او كرهنا.
إن المنعش في كل هذه الأحداث الأخيرة، أننا تفرغنا لمواهبنا، وجدنا الوقت لقراءة روايات طويلة وقصص قصيرة. كذلك أبدعنا في المطبخ، شربنا القهوة في كل وقت وبكل سعادة. والاهم تصالحنا مع انفسنا. عرفنا مكانتنا لدى البعض هناك من إتصل بنا وتواصل معنا، وهناك من تناسنا. وعلى كل النتيجة الوحيدة التي توصلت إليها،أن لا مهرب من كون هذه الاوقات كفيلة بتقوية العلاقات الاجتماعية او هدمها.
ايضا من أهم الأحداث الغريبة التي حصلت ان الحيوانات بمختلفها برية او أليفة، بحرية او جبلية، وجدت راحتها في التكاثر بدون إزعاج، وأخيرا أصبحت تنعم بالسلام، بل غزت المدن وتجولت في الطرق وجلست أمام البيوت آمنة غير خائفة. والفرحة الكبرى ان ثقب الأوزون حسب العلماء سينغلق في منتصف افريل، أي ان فيروسا غير مرئي قام بفعل ما عجزت عنه البشرية منذ قرن.
لا نعلم هل نفتخر لمواكبتنا مثل هذه الكوارث البيولوجية أم نحزن لأنها حصدت الأرواح. لكن من المؤكد ان الكون إسترجع توازنه.
-
راضية منصورمختصة بدارسة قانون سنة ثالثة دكتوراه