يقولون أن الحبيبين يقسوان بقدر حبهما، لكننا تجاوزنا حد القسوة منذ زمن بعيد.. لقد أدركتُ أننا بلغنا حد الإجرام؛ إذ لم تَرِفَّ عين أحدنا وهو يطعن الآخر بنصله المسموم.. لم يجد أحدنا حرجًا في بقر بطن حبيبه، وأخذ كبده، ومضغها نيئة، ثم بصقها في وجهه..
أهكذا يكون اللقاء بعد طول الفراق؟! أم أننا قد اعتدنا البُعد، وألِفناه، حتى صار هو النبع الفياض لحبِّنا، وأمسى اللقاء حدثًا بغيضًا، يقطع الإمداد الهائل لمُخدر الحُبِّ عن قلوبنا، ويلقيها في براثن الأعراض الانسحابية البغيضة، التي تكويها وتعتصرها، فما تبقى لها من باقية تُرى، إلا حطامًا، أو هشيمًا كهشيم المُحتظِر..
ارفعي عينيكِ في عينيّ وأخبريني.. أهذا هو اللقاء الذي كنا نعد الليالي حتى يجمعنا؟! أهذا هو اليوم الذي أعددنا له العُدة ساهرين على أضواء النجوم، ومستأنسين بالأهلة المتعاقبة؟!
أخبريني -إن كانت لديكِ الجرأة لتدافعي عن نفسكِ أصلًا- أهذه طريقتكِ في التعبير عن الشوق، وأسلوبكِ في إذابته؟! أم أنكِ منِّي قد تعلمتِ أن تجافي، وأن تعذبي، وأن تخفي لهفتكِ خلف عينين ثابتتين، ووجه مُتصلب، وثغر عابس؟!
أتعلمتِ منِّي أن تهربي من المواجهة؟! أم أنني قد استقيتُ منكِ هذه الخلة سابقًا؟! لعلها الثانية، فقد أدركتُ أنكِ دائمًا ماكنتِ تفرين مني.. تهربين وكأنكِ تخشين الحب كخشية الموت، أو أشد خشية..
ألا بربكِ خبِّريني.. ألستِ تذوقين الموت في كل لحظة تبعدكِ عني؟! لا تكذبي، وتوهميني بأنني الوحيد المُعذَّب هنا.. إن أكون آلم، فإنك تألمين كما آلم، وترجين من الله مالا أرجو.. أن يبعدني عنكِ، وأنا أدعوه ألا تكوني لسواي، ولو انطبقت السماء على الأرض، ولو دُكت الأرض والجبال، فلأرح ضحيتها، وأنا بين ذراعيكِ، ورأسي قد ثقل في حجركِ، ونمتُ نومتي الأخيرة، وأنشدتِ عند رأسي تهويدةً عذبة، تصحبني، بل تحمل مركبي، إلى مأواي الآخِر..
إنكِ الأسميرالدا الفاتنة، وأنا الأحدب القبيح القابع في ظلام نوتردام.. فلتكتبي معي قصة تُحكى على الألسنة من بعدنا قرونًا وقرونًا.. فلتلقي عنكِ كبريائكِ هذا، فقد أحرقتُ كبريائي، وتعالي يا جميلتي نتوب من إدمان الفراق، ونتعافى باللقاء، ونشفي قلوبنا بترياق الحب الذي جُعل شفاءً لكل الأسقام..
فيا تلك التي أدعوها خوف الوشاة "زهرةً" أو "روز"..
سواء قرأتِ تلك الرسالة، أو لم تقرأيها..
سواء امتثلتِ لصوت قلبي، أو تمنعتِ..
سواء أحببتِ، أو كرهتِ..
أنتِ خُلقتِ لي.. وأنا خُلقتُ لكِ..
الأمر محسوم مُسبقًا..
رُفعت الأقلام، وجفت الصحف..
-
أحمد كمال هلاليراحلون، وسيبقى الأثر