بالأمس قد بدأت قصة جديدة مع الفقد.... بقلمي: إيمـان فايد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بالأمس قد بدأت قصة جديدة مع الفقد.... بقلمي: إيمـان فايد

  نشر في 06 نونبر 2020 .

بالأمس توفي خالي العزيز .. ولقد كانت معزته مثل أبي تماما..

قبلها بأسبوع واحد قد زارنا في بيتنا وتناول الغذاء وقد أعددت له بيدي الشاي ..

جلس معنا لوقت طويل جدا ولم تكن عادته أبدا لأن يغيب هكذا وتحدث معنا كثيرا ..

شعرت براحة غريبة في الكلام ..ووقتها أيضا انتابني شعور غريب بداخلي لم أفصح عنه .. هنالك شئ أشبه بوداع لنا ربما ...

ولكني تجاوزت هذا وقلت لا ..ربما أنا من يبالغ بهذا .. وأن الأمر عادي ...

حتي صباح الأمس حينما أتانا الخبر ..

تأتينا الأحزان ووقتها نشعر فقط بصدمة الذهول واللا تصديق ...

ويمر الوقت كأنه ساعة واحدة من الصدمة واللامبالاة ..وما أن تفيق من غفوتك تجد أن الصدمة حقيقة وواقعا .. وأن لامفر ولا محيص من النسيان ..

وتبدأ قصة جديدة مع التذكر.. فلا تتذكر شخص واحد بل تتوالي عليك أحزانك السابقة أيضا...

ذهبنا إلي منزل جدي الواسع ..بعدت قليلا عن جميعهم وأخذت أتجول بربوع المنزل ربعا ربعا...

لفت أنظاري كيف صارت جدرانه قديمة باهتة كمثل قلوبنا ...منطفئة كذكرياتنا ..حزينة كمثلنا...

و في شرفته العلوية الواسعة وجدتني وحدي.. فجلست أبكي .. أبكي ولا أدري من منهم حقا أبكي ...

أأبكي أبي.. أم خالي ..أم بن خالي.. أم زوجة خالي أم من تحديدا .....؟!

لقد كنت حينها ذات الحادية عشر من عمري حينما اجتمعنا ها هنا أنا وأطفال العائلة وبن خالي الراحل الذي هو يصغرني بعام واحد ... وقد رحل هو الآخر...

جلست أتذكر كيف كانت الأيام.. وكيف صارت ..

وشرعت أتجول في بقية أرجاء المنزل وغرفه الكثيرة وكيف صارت جدرانه باهتة حزينة منطفئة .. إنها أيضا تحزن وتبكي لأجل الراحلين ...

وفي شرفته السفلية تذكرت كيف كانت زوجة خالي الراحلة تعد لنا سندوتشات العشاء و الشاي..

ولقد كانت تشكو لأمي بأنني أشرب الشاي مرا عن بقية أطفال العائلة وقد كان تعودا لأن أشرب الشاي قليل السكر وذلك قبل أن أمنعه تماما حينما كبرت ...

لقد كان المنزل مزدحما جدا بأناس لا أعرفهم ولكني كنت أشعر بالأمان .. الآن المنازل مغلقة ولا تشعر أمان الماضي مهما فعلت ...

هنالك أشياء لن تعاد أبدا ..هنالك ذكريات مؤلمة جدا بقدر جمالها ...

هنا بقيت أتذكر أنا ومرت الأيام وتركتني مع عناء التذكر من جديد بكل فقد جديد...

هنا ذكريات لا تنسي وقد رحل أبطالها وبقيت الذكري..وبقيت الأماكن شاهدة علي الأصوات ونفس المشاهد تعاد أمامك بحذافيرها ...

لقد تذكرت أيام الطفولة ..إنها بعيدة ولا زالت عالقة بي أم أنني أنا لازالت عالقة هناك في ماضي مضي عليه أكثر من خمسة عشر عاما ...لا أدري...

هنا لهونا كثيرا .. وهنا صوت ضحاتنا العالية..

وهنا كنا نأكل.. وهنا كنا نتسامر ..ونحن نلهو بلا هم أو إدراك لمعني الحياة الثقيلة ودون أن يزورنا الفقد أو حتي أن نعرف لمعني الحزن طريقا ...

لقد كان شعور الحزن وقتها مقصورا علي عقاب أمي لي بكلمة أو بفعل علي شئ خطأ قد اقترفته..

أو أكبر أحزاني حينها حينما يؤذيني أحدهم فأعود لأشكيه لأبي فيدعمني بكلماته ويعطيني قوة ...

الآن صار معني الحزن أكبر وأعمق من أن يحكي ..الآن لم تعد تغضبنا كلمات أحدهم بالشكل الذي يجعلنا نثور فننفجر بكاء ...

الآن أحزاننا مخفية لا ملموسة لم تعد ما

مجردة ..لم تعد تشملها الكلمات ....

إنها تتمثل في ذكري جميلة ماضية لن تعود أبدا ..وفي أناس اليوم حولك وغدا لن تجدهم...

لقد صار شعور الفقد كبيرا بداخلي ويتزايد بمرور الوقت ...

مشكلتي ومعاناتي بأنني لا أجيد النسيان فلا أحزن لأجل شخص راحل واحد... إنما أتذكر كل الراحلين مرة واحدة ..وفجأة أشعر بحالة من الهروب من العالم الخارجي إلي عالم آخر يملأه الموتي والراحلين والذكري ..ليتني لم أعرف للتذكر طريقا ....

بالأمس قد بدأت قصة جديدة نحو فقد جديد ..وحزن وتذكر ..وإحساس باللامبالاة ...

هكذا بدايات القصص الجميلة ..قصص الطفولة البريئة وهكذا نهاياتها الحزينة بالفقد .. التي لم ولن تنسي .. والمواقف خير من يذكرك...

والذكريات خير من يبكيك ...

والاماكن أكثر ما ينطق بالكلمات

القديمة...

الأشياء تحزن كمثلنا تماما ..والأماكن أيضا ...

وأتساءل .. هل سأظل هكذا لأتذكر .. شئ مؤلم جدا بأن تعيش فقط لتتذكر الماضي بكل حسرة... فالحاضر يصير ناقصا.. والأماكن تصبح فارغة أكثر وأكثر كلما مضي العمر ..ليتني لم أكبر قط وبقيت هكذا عالقة في طفولتي ...

ما أسوأ الكبر وما أسوأ مرور العمر وما أقسي الذكري رغم جمالها ..

بالأمس قد بدأت قصة جديدة مع الفقد ..

والقلب مازال يحزن ...والعين تدمع وإنا لفراقكم جميعا والله لمحزونون.....

بقلمي: إيمـان فايد

طبيبة امتياز..مستشفي جامعة طنطا

الجمعة : 6 نوفمبر 2020



  • Eman Fayed
    5Th Year Medical Student..Faculty Of Medicine ..Tanta University..Egypt writtting..reading❤️❤️ Article Writter..veto gate..
   نشر في 06 نونبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا