بيت جدي يتداعى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيت جدي يتداعى

ذكريات للبيع

  نشر في 27 أكتوبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

لحية بيضاء ناصعة،عينين عميقتين تبوحان بكل شيء اذا ما دققت النظر اليهما ،تهيمان بك في زمن الشباب اين الكد والجد ولى ولم يبقى سوى المرض الذي انهك جسمه النحيل، ومع ذلك فهو لا ينبس ببنت شفة بل بالعكس تحسبه سليما في زمن تشابهت فيه علل الابدان ،كلما سالته عن حالته يبادر بجوابه المعتاد الحمد لله دائما وابدا ،جليسه كتابه ذو الغلاف الاخضر يتهجاه كلمة كلمة ولايمكن ان يمر يوما بدون ان يقرا صفحة او اكثر ،رغم ان بصره قد ضعف الا انه لايتهاون فهو يعلم جيدا ان ماسيبقى معه في دار الاخرة هو زاده.

ولدت في كنف جدي، صاحب الوجه الملائكي اتذكر انني كنت كلما شعرت بالخوف ركضت نحوه وبمجرد تمعني لملامحه تعتريني موجة اطمئنان تريحني وتعزز ثقتي بنفسي، منه تعلمت حنكة التعامل بالمنطق وتحكيم العقل، والصبر عند المحن والشدائد كانت كلما اصابتنا مصيبة لجأ الى الواحد الاحد ’’’فما تحكم الا وتفرج’’’ على حد قوله،بيت جدي شهد ولادتنا جميعا نحن الاحفاد وتم الاحتفال بنا جميعا ، كل زاوية فيه تشهد ذكرى سواءا كانت مفرحة او مؤلمة، لمتنا في الاعياد والاعراس وحتى الجنائز، حكايات مابعد منتصف الليل، عشاؤنا المتاخر، دعاؤنا المرفوع الى السماء في وقت مبكر، ضحكاتنا وحتى بكاؤنا، خطوات جدي المثقلة جراء قسوة سنين لم ترحم كبره، وهو يتجه للمسجد كي يلتحق بركب مصلي الفجر،طاقيته البيضاء قميصه البنفسجي المفضل، برنوسه الابيض العتيق ،ذكريات حرب التحرير ،وايام المعاناة اين قضى شبابه وهو يفترش الارض كي يوفر لقمة عيش حلال لاولاده، جدي الرجل الطيب الحنون الجاد اذا استلزمه الامر، غادرني دون وداع، حزم امتعته وعبر دون ان يلتفت نحوي رحل ورحلت روحي معه مخبئة ضمن حاجياته،جرح جدي عميق لايندمل عزائي الوحيد هو حبي اللامتناهي لكبار السن امثاله فهم يذكرونني به،رحل جدي ورحلت معه الافراح ،بيت جدي الذي جمعنا يوما ردم ليبني مالكه الجديد بيتا جديدا سيحتوي افرادا بذكريات جديدة ،البارحة مررت بحطام ذكرياتنا ولم اتمالك نفسي خيل الى بانه يئن في صمت كل طوبة فيه تطالب باكرام دفن يليق بمقام ماحملته طوال سنين مضت،ذكريات حملناها داخل قلوبنا فيم تم الاجهاز على مكان حدوثها ،انقذناها وفرطنا بالبيت .

لا احد يعوض مكان احد، ان تفقد احد جديك او كليهما يعني انك تيتمت وحرمت من شعور الحفيد المفضل، جدي وبيته الندبة العميقة التي لن تشفى، رحم الله اياما جمعتني بك اذ كنت جد محظوظة انني سامرتك واستمعت لحكاياك ذات سنين ،  جدي يا ألما ينهكني ويا روحا تسكنني ويا دعوة تنتشلني من عفن هذا العالم لتبقي داخلي نقيا ..رحمك الله 

 


  • 16

   نشر في 27 أكتوبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Dallash منذ 4 سنة
اكثر من رائع..سطرت تحفة بمدادك ...جزيت خيرا
3
ahmmed منذ 5 سنة
جميل جدا
2
رحمه الله ..و الله مقالك فتح تلك الآلام و الآهات المندسة في قلوبنا ..كلنا نشتاق إلى تلك الأيام التي جمعتنا بأعز الناس ..أجدادنا ...حقا لا يوجد في هذا العالم حب يقوى على حبنا لهم رحمة الله عليهم ....لكي منّي كل التحية على هذه الكلمات التي وحدتنا في إحساس واحد
3
مريم منذ 6 سنة
يالله ...آلمتنى كلماتك أيما ألم...تحرك الحنين لهم ..هؤلاء من رحلوا وقد كانو لنا الحياة.رحماك يارب بقلوب يمزقها الحنين الى ارواح باتت لديك وعزائنا انها تنعم فى جناتك بالنعيم.
2
creator writer منذ 6 سنة
ما زلت أطبع القبل على جبين من رحلو ،، والى اليوم أمسك الهاتف منتظرة ردا منه على رسالتي الأخيرة ،، لكن ،،،، لا رد ،،،، لا رد ،،،، بكل ألــــم وحسرةِ لم يرد ،،،
4
راوية وادي منذ 6 سنة
رائعة جداً يا سارة.لقد فتحت أبواب الذكريات الجميلة و نثرت في قلبى فرحاً و أيقظت الحكايات المنسية و التي شغلتني الحياة عنها ... عن حب و حكايات جدي و جدتي صدقيني كلماتك المرهفة الصادقة وجدت طريقها الى قلبي . لقد أهدتني كلماتك فرحاً و سعادة و أن تركت علي وجنتيّ دموع شوقي و حزني لفراقهما. اللهم أرحم أجدادنا و كل أموات المسلمين.
2
أحسنت سارة ، يتيتم من يفقد احد اجداده ، للجد او الجدة سيرة حب عميقة يعيشها مع الحفيد المدلل و غبي بل خاسر جدا من لم يحض بحب الجد او الجدة..رائعة أنت سارة حينما تكبرين عن سنك الحقيقي فجأة و تتمردين على قوانين الأمومة و الأبوة لتختاري حضن جدك ، اختيار رائع و صائب ،فحتى لو كنت مزاجية انا واثقة أن لديك رصيد معرفي و تجريبي من هذه العلاقة
صدقا رائعة هي الأيام مع الجد او الجدة و بفقد احدهما لا احد يعوضهما على الاطلاق حتى الوالدين...احترافية في الحب و صرامة في الاختيار ، و اقول لك : من حقك ذلك لأنك اخترت حبا مميزا فيه الكثير من العبر و التجارب و المعلومات.محظوظة أنت سارة.
2
سارة
شكرا جزيلا على هكذا مرور عطر ,وبكل فخر اعتبر نفسي محظوظة للغاية لأنني حظيت بهكذا جد وقد شاركتكم جزءا مما عشته في كنفه ذات 23 سنة مرة أخرى شكرا على كلماتك التي لامست وتيني .
عمرو يسري منذ 6 سنة
خاطرة رائعة مكتوبة بلغة جميلة .
رحم الله جدك و أجدادنا جميعا .
1
سارة
اللهم امين اجمعين ، شكرا جزيلا على مرورك العطر
بسمة منذ 6 سنة
اسلوب السرد سلس
ومفرداتك اللغوية جيده ،
وخاصة إستخدامك للوصف رائع ...
دام قلمك سارة ``
3
سارة
شكرا جزيلا عزيزتي ومنكم نتعلم ،اسعدني مرورك دمت
Salsabil Djaou منذ 6 سنة
انت كاتبة موهوبة ،قدرتك على نقل الشعور بالالم كبيرة ،حتى ان القارئ الجيد يستطيع تقمص شخصيتك،كلماتك رائعة بدون مجاملة (راجعي كتابة الهمزات في مقالك عشاؤنا المتأخر،دعاؤنا ،مخبأة)،بالتوفيق وتسرني جدا متابعتي لك
3
سارة
الشكر موصول لك على ذوقك الراقي سااخذ نصيحتك بعين الاعتبار والشرف الكبير لي كوني اقرا لك دمت

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا