شعور غريب ينتابنا أحيانا و أفكار أغرب هي تلك التي تتسلل إلى أذهاننا بين الفينة و الأخرى،
نفكر في الرحيل ظنا منا أن الحل يكمن في الهروب من أنفسنا و التخلي عن ذواتنا،
نود لو كان بإمكاننا ترك كل شيء وراءنا و الذهاب بعيدا إلى مكان لا يعرفنا فيه أحد و لا نعرف فيه أحدا،
قد نجهل الوجهة،
قد نضل الطريق،
قد نتعب بحثا عن الاتجاه الصحيح و الاختيار الصائب،
كذلك قد نجد محطات عديدة للإستراحة،
بيد أن هم الوصول ينسينا كل التعب،
يأبى إلا أن يجعلنا نواصل الرحلة و إن طال بنا المسير، و إن بعدت المسافة،
بل حتى و إن كنا خط النهاية نجهل،...
في الواقع، كثير ممن يعاني تأنيب الضمير الذي يصاحبه شعور مزعج بالضيق و الضجر و عدم الرضا عن النفس، إما لذنب اقترف في لحظة ضعف، أو لتقصير أو فشل في عمل معين، أو ربما قد لا يدرك المرء أحيانا سبب نزوحه و ابتعاده عن الناس و عن عالمه و بيئته التي نشأ و ترعرع فيها و رغبته المطلقة في وضع قطيعة مع الماضي، حتى يتسنى له الانصهار في عالم جديد و داخل محيط مختلف يعيد له إحساسه بالأمن و شعوره بالطمأنينة و الراحة النفسية.
عندما أفكر في هذه الفئة التي ينظر في الغالب إلى أصحابها بنوع من الاشمئزاز و الانتقاص، أو حينما أستمع لقصص بعضهم، يتبادر إلى ذهني قوله عز و جل "حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم"، و أتساءل: كيف يكون ربنا رحيما بنا إلى أبعد الحدود، توابا على من تاب و عاد و طرق الباب، و هو الذي أخطأنا في حقه و خالفنا أوامره، ثم يعامل بعضنا البعض الآخر بهذه العجرفة و التكبر التي تنم عن عقليات مريضة يخال أصحابها أنفسهم ملائكة تمشي على الأرض متناسين عيوبهم و زلاتهم التي لولا عظيم ستر الله لبدت للبعيد قبل القريب .
على العموم، إذا ضاقت نفسك و ضاقت بك الدنيا و ضقت ذرعا بمن حولك، فتذكر أننا جميعنا معرضون للخطإ و النسيان و الجهالة و الحماقة و الوقوع في المعاصي و المحرمات، لأنه و ببساطة شديدة نحن بشر تغلب علينا ميولاتنا و شهواتنا و أهواؤنا، كما قال الحبيب صلوات ربي و سلامه عليه "كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون". تذكر أنه لازال بإمكانك الإلتحاق بقوافل التائبين المستغفرين، تذكر أن رحمة ربك وسعت كل شيء و أن لا ملجأ لك منه إلا إليه...
عد إليه،ارفع كفيك بالدعاء سائلا عفوه و طامعا في منه و كرمه، و ظن به خيرا لتنال سؤلك و يلبى طلبك.
في الأخير، لا تنسى أن تجدد علاقتك مع ربك في كل وقت و حين، خاصة إذا راودك ذلك الشعور بالضيق مرة أخرى، لا تبحث عن ضالتك في مكان آخر قد تحسبه بعيدا بينما هو أقرب إليك من حبل الوريد.
-
نورة العلميقال عليه الصلاة و السلام : "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"