برواية اخرى عن الامبراطور تيبيريوس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

برواية اخرى عن الامبراطور تيبيريوس

  نشر في 04 شتنبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 04 شتنبر 2023 .

وبرواية اخرى عن

عصر الإمبراطور الروماني تيبيريوس الرهيب في (14م – 37م)

ويشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: سياسة الإمبراطور تيبيريوس الداخلية، ويشتمل على خمسة مطالب:

المطلب الأول: نظام الحكم ويشتمل على فرعين:

الفرع الأول: الولاة أسمائهم وأماكنهم.

الفرع الثاني: مركزي.

المطلب الثاني: رجالات السياسة.

المطلب الثالث: مجلس الشيوخ.

المطلب الرابع: الحرس البريتوري.

المطلب الخامس: علاقة الرومان مع اليهود خلال عهد تيبيريوس.

المبحث الثاني: أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس، ويشتمل على ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: السياسية والعسكرية.

المطلب الثاني: الإدارية والتشريعية.

المطلب الثالث: الاقتصادية والاجتماعية.

الفصل الثاني

عصر الإمبراطور الروماني تيبيريوس الرهيب في (42 ق. م – 37م)

مقدمة:

يعد الإمبراطور الروماني تيبيريوس Tiberiusثاني أباطرة الرومان كان طاغيةً منحرفًا، سفاكًا للدماء، اتضح ذلك من نشأته كما درسنا في الفصل السابق، لكن كان له السبق في ازدهار الإمبراطورية الرومانية، واستقرت في عهده الإمبراطورية، رغم أنه لم يكن الوضع السياسي الداخلي في روما سلميًا. كما كان في المائة عام الماضية، كانت هناك عدة حروب. نظرًا لأن الجيش كان مطلوبًا للخدمة في حملات كاملة، فبغض النظر عن طول المدة، غادر الجنود في أغلب الأحيان مزارعهم في أيدي زوجات وأطفال. غالبًا ما أفلست المزارع الصغيرة في هذا الوضع وتم شراؤها من قبل الطبقة العليا الغنية، لتشكيل عقارات خاصة ضخمة. علاوة على ذلك، انتهى الأمر ببعض الأراضي التي استولت عليها الدولة في الحرب، سواء في إيطاليا أو في أماكن أخرى. ببيع أو استئجار الكثير من هذه الأراضي المحتلّة لأعضاء مختلفين من السكان. تم منح جزء كبير من هذه الأرض لعدد قليل فقط من المزارعين الذين لديهم بعد ذلك مساحات كبيرة من الأراضي كانت أكثر ربحية من المزارع الأصغر. كان المزارعون الذين لديهم مزارع كبيرة يعملون على أرضهم من قبل العبيد ولم يؤدوا العمل بأنفسهم، على عكس ملاك الأراضي في المزارع الأصغر.

وعندما مر تيبيريوس في طريقه إلى نومانتيا عبر إتروريا ووجد البلاد خالية من السكان واستورد زوجها ورعاة العبيد البربريين، فكر أولاً في السياسة التي كانت هي مصدر العلل التي لا حصر لها لنفسه ولأخيه ".

عندما عاد الجنود من الجحافل، لم يكن لديهم مكان يذهبون إليه، لذا ذهبوا إلى روما للانضمام إلى الآلاف من العاطلين عن العمل الذين تجولوا في المدينة. ونظراً لأن الرجال الذين يملكون ممتلكات فقط هم المسموح لهم بالتسجيل في الجيش، فإن عدد الرجال المؤهلين للخدمة في الجيش يتقلص؛ وبالتالي القوة العسكرية لروما.

قال تيبيريوس: "إن الوحوش البرية التي تجول على إيطاليا لها أوكارها، ولكل منها مكان للراحة واللجوء. لكن الرجال الذين يقاتلون ويموتون من أجل إيطاليا لا يتمتعون إلا بالهواء والضوء؛ المنزل أو المنزل الذي يتجولون فيه مع زوجاتهم وأطفالهم ".

إن الإمبراطورية الرومانية التي نجحت أن تفرض سلطانها لعدة قرون على مساحة هائلة من الأرض من الفرات شرقا إلى بريطانيا غربا، فهي تستحق منا الدراسة والتأمل خاصة الإمبراطور الروماني الرهيب تيبيريوس .Tiberius

يتناول الفصل الثاني عصر الإمبراطور الروماني تيبيريوس الرهيب في (42 ق. م – 37م) والذي يشتمل على مبحثين:

- المبحث الأول: سياسية الإمبراطور تيبيريوس الداخلية.

- المبحث الثاني: أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس.

المبحث الأول

سياسة الإمبراطور تيبيريوس الداخلية

يتناول المبحث الأول سياسة الإمبراطور الداخلية، والذي يشتمل على خمسة مطالب وهي:

المطلب الأول: نظام الحكم.

المطلب الثاني: رجالات السياسة.

المطلب الثالث: مجلس الشيوخ.

المطلب الرابع: الحرس البريتوري.

المطلب الخامس: علاقة الرومان مع اليهود خلال عهد تيبيريوس.

المطلب الأول

نظام الحكم

يتناول المطلب الأول نظام الحكم والذي يشتمل على فرعين هما:

- الفرع الأول: الولاة أسمائهم وأماكنهم.

- الفرع الثاني: مركزي.

الفرع الأول

الولاة أسمائهم وأماكنهم.

في إثر موت الإمبراطور أغسطس عام 14م تولى الحكم بعده أربعة أباطرة من داخل أسرته وآل بيته، ولما كان هؤلاء الأباطرة الخلفاء من تيبيريوس حتى تيرون ينتمون نسبًا إما إلى آل يوليوس وهى عشيرة أغسطس أو إلأى آل كلاوديوس نسبة إلى أحفاد أبناء الإمبراطورة ليفيا الذين أنجبتهم من زوجها الأول كلاوديوس نيرون وهو رجل من أعالي الأسرة الشريفة الرومانية وعن طريق تشجيع أغسطس الزواج داخل الأسرة أصبح هناك جيلاً يجرى في عروقه دماء العشيرتين حكم بعضهم الإمبراطورية ومن ثم فقد آثر المؤرخون أن يطلقوا على شجرة هذه العائلة اسم الأسرة اليوليوكلاودية( ).

ولقد تمكن الإمبراطور أوكتافيوس الذي أنعم عليه السيناتور بلقب أغسطس المعروف في اليونانية بـ Scbastos سنة 27ق.م من القضاء على النظام الجمهوري وإعلان الإمبراطورية عقب انتصاره على خصمه أنطونيوس وخليفته كليوباترا في موقعة أكتيوم البحرية سنة 31 ق.م. لقد بدأت الإمبراطورية الرومانية تتسع رويدا رويدا فضمت بين جنباتها مواطن الحضارة القديمة إلى جانب سيطرتها على أهم مناطق في الشرق وهما مصر وشمالي أفريقيا اللتان كانتا تمدانهما بالغلال. ولقد تمكن الاباطرة الرومان من إحكام سيطرتهم على هذه الأمم المتباينة الأصول واللغات والحضارات والديانات وكان للنظم الرومانية الادارية والتشريعية والعسكرية أكبر الأثر في رسوخ الحكم في الولايات وإجبار أهلها على احترام التقاليد الرومانية، كما استطاع أغسطس بإدارته الحازمة أن ييسر شئون الدولة جيداً وبكفاءة منقطعة النظير سواء في روما أو في الولايات، ولذا أحبه الشعب الروماني بكافة طبقاته( ).

لقد كان الوالي موظفا لديه السلطة وكان يتغير بتغير الإمبراطور الذي تم تعيينه، وكان ملتزم بتطبيق القواعد التي تنص عليها الدساتير الإمبراطورية، كما أن لديه الصلاحيات في قيادة الجيوش ولديه سلطة الفصل في القضايا الجنائية وإصدار الأوامر( ).

كما أن الوالي لديه إمكانية الفصل في المنازعات وحسم الخلافات، وكل هذه الصلاحيات لا يتم تنفيذها في وجود الإمبراطور، بل الإمبراطور هو الذي يقوم بالنظر في القضايا وإصدار الأحكام( ).

ومن الناحية النظرية كان حكم أغسطس يعتمد على قوة مجلس السناتور التشريعية والدستورية، وبالتالي فقد كان من المفترض أن يعين السناتور خليفة أغسطس، إلا أن أغسطس خشي من عودة الصراع الحزبي والتنافس على العرش، فحرص أن يعين هو بنفسه خليفته. وسلك أغسطس في ذلك مسلك يوليوس قيصر فتبنى ابن أخته أوكتافيا واسمه ماركوس ماركيللوس وأخذ يعده لخلافته، إلا أن ماركيللوس توفى قبل موت أغسطس فأخذ أغسطس يرتب الأمور لصديقه ورفيق كفاحه الجنرال أجريبا إلا أنه يموت هو الآخر قبل أغسطس، فلم يجد أغسطس أمامه إلا ابن زوجته جوليا، وكان يسمى تيبيريوس فتبناه وأخذ يعده لخلافته.

وبعد موت أغسطس تولى الحكم أربعة أباطرة من أسرته في الفترة من 14م – إلى 68م، وأخذوا اسم الأباطرة اليوليوكلاوديين نسبة إلى يوليوس وهى عشيرة أغسطس، وكلاوديوس الذي تنتسب إليه الإمبراطورية لفيا وهم: تيبيريوس – كاليجولا – وكلاوديوس – نيرون، ولم يحدث في توليهم للعرش أي نزاع أو خلافات حربية لأن أغسطس كان قد وضع أسس نظام تولى العرش، إلا أن هذه الأسس أخذت تضعف مع مرور الوقت حتى انهارت مع نهاية هذه الأسرة، ففي عام 69م يظهر فسباسيانوس وينصب نفسه امبراطورا بقوة السلاح بعد اغتيال نيرون أو انتحاره، ويؤسس بذلك أسرة جديدة هي الأسرة القلافية( ).

لقد دخل أوكتافيوس وجيوشه المنتصرة إلى الاسكندرية سنة 30 ق.م وانتحر ماركوس أنطونيوس ثم كليوباترا وأصبحت مصر رسمياً تحت الحكم الروماني. وأعلن الإمبراطور أغسطس ضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية.

وكانت مصر تتمتع بموقع جغرافي هام وثروة طائلة خاصة بالنسبة لروما التي كانت تعيش على قمح مصر من وقت طويل. لذلك رأى الإمبراطور أغسطس أن يضع لمصر نظاما خاصا متميزا عن الولايات الأخرى فكانت تتبع الإمبراطورية مباشرة وليس للسناتور. كما أن حاكمها كان ذو مرتبة أرفع من باقي حكام الولايات.

وقد ظل الاباطرة الرومان يحرصون على القواعد التي وضعها أغسطس ولكن ثورات أهل مصر المتتالية في القرون الثلاثة الأولى للحكم الروماني كانت تعبر عن عدم رضاء الشعب لحكامه الجدد واحتجاجا منهم على نظام الضرائب المرتفعة ولم يكن لهذه الثورات أثر فعال اللهم أنه عمت الفوضى انحاء مصر في النصف الثاني من القرن الثالث.

وفى سنة 284ميلادية اعتلى عرش الإمبراطورية (دقلديانوس) فحاول إدخال بعض الاصلاحات بإدماج ولايات وتقسيم ولايات أخرى. وقسمت مصر التي كانت حتى ذلك الوقت ولاية واحدة إلى ثلاثة أقسام يحكم كل قسم حاكم مدني. أما السلطة العسكرية فقد وضعت في يد قائد يسمى (دوق مصر).

وكان عصر دقلديانوس نقطة تحول في التاريخ القديم من عصر الإمبراطورية الرومانية إلى العصر البيزنطى. وفى هذه الحقبة تعاقب على الإمبراطورية الرومانية 27 امبراطورا وتولى حكم مصر من خلالهم 86 واليا رومانيا وهم زمن الإمبراطور أغسطس .

- كورنيليوس جالوس (30ق. م).

- كورنيليوس جالوس (26 ق. م).

- تبرونيوس (مرة ثانية) (24 ق. م).

- روبريوس بارياروس (13ق. م).

- تورانيوس (7 ق. م).

- أوكتافيوس (1ق. م).

- أكيلا (7).

- زمن الإمبراطور تيبريوس (14-37).

- فيتراسيوس بوليو (16 – 17).

- جاليريوس (21(.

- فيتراسيوس بوليو (مرة ثانية) (31).

- افيليوس فلاكوس (32- 37).

- اميليوس ركتوس

- سبوس سترابو

زمن الإمبراطور كاليجولا 37-42 تولى ولاية مصر

ناقبوس سرتوريوس ماكرو (عين ولم يتول)

فتراسيوس بوليو( ).

ولقد كانت الإمبراطورية الرومانية هي أزهى عصورها وهى الفترة الواقعة بين قيام أغسطس سنة (27 ق. م) ووفاة كاركوس أورليوس 180م تمثل بناءً اجتماعيًا سليمًا مترابط البنيان، ذلك أنها كانت في نظر الطبقات العليا تعبر عن نظام إداري امتاز بالكفاية الدقة في حين اعتقدت الطبقات الدنيا أن الحكومة الرومانية تقوم بحماية الممتلكات والأرواح في ظل قانون عادل دون أن تحاول التدخل في حياة الناس اليومية أو تعمل على تغيير لغاتهم أو معتقداتهم أو نظمهم الاجتماعية( ).

الفرع الثاني

مركزي

وقد أفرض الإمبراطور أدواته بشكل لا حدود له على كل ما تحدثه نفسه التمرد، وقد استخدم الإمبراطور هذا الحق لحفظ النظام ولصالح المجتمع فعلا، أم المجتمع الروماني من ناحية فقد قدم النظام السياسي على الحرية السياسية وهو موقف ذهبي وعملي استمر حتى بعد انتهاء العصر الملكي وقيام النظام الجمهوري، وقد كان هذا وبصرف النظر عن تقييمه من الناحية النظرية فارقاً أساسياً بين الذهبية العملية للمجتمع. ولقد حظى الجيش بعناية فائقة في عصر الإمبراطورية الرومانية؛ لأن الادارة الرومانية اعتمدت اعتماداً كبيراً على قواتها المسلحة في احكام سيطرتها على الولايات في الشرق والغرب، لذا قام بتقوية الوحدات المترابطة على الحدود وأعطى لهم أرض ليتعيشوا منها، وأوجد وحدات متحركة لاستخدامها في البطش بأية محاولة للقيام بفتن داخلية ومواجهة الاخطار الخارجية، كما أكثر من إدخال البرابرة الجرمان في الجيش، كما يلاحظ أن أهمية فرق الخيالة أخذت أعدادها في الازدياد أيضاً( ).

والواقع أن الإمبراطورية الرومانية كانت أعم وحدة حضارية وسياسية عرفها التاريخ إذا لم يقدر لإمبراطورية أخرى في تاريخ البشر القديم أو الحديث أن تبلغ ما فعلته الإمبراطورية الرومانية من قوة واتساع، ذلك أن الإمبراطورية ضمت بين حدودها جميع مراكز الحضارات القديمة – باستثناء فارس والهند – وذلك عندما بلغت أقصى اتساعها على عهد الإمبراطور تراجان (98-117). وقد امتدت الإمبراطورية الرومانية عندئذ من المحيط الأطلسي غربا حتى الفرات شرقا فشملت في الغرب البلاد المعروفة بأسماء بريطانيا وعليا وأيبريا فضلا عن شمال افريقيا من المحيط الأطلسي حتى طرابلس، في حين شمل الجزء الشرقي من الإمبراطورية البلقان وآسيا الصغرى وأعالي بلاد النهرين فضلا عن الشام ومصر وبرقة. هذا مع ملاحظة أن نفوذ روما امتد بعيدا إلى ما وراء حدودها السياسية حتى بلغ فارس والهند وتطرق إلى النوبة والسودان، ونفذ إلى جوف الصحراء الكبرى عبر جبال أطلس، كما بلغ الشعوب الجرمانية الضاربة في مجاهل أوروبا شرقي الراين وشمال الدانوب( ).

وكانت والدة تيبيريوس لديها خطط أكثر رفاهية لابنها، كتب المؤرخ كاسيوس ديو في عصر أغسطس كانت [ليفيا] تمتلك التأثير الأكبر، وكانت تعلن دائمًا أنها هي التي جعلت الإمبراطور تيبيريوس؛ وبالتالي لم تكن راضية عن الحكم على قدم المساواة معه، لكنها كانت ترغب في أن تكون له الأسبقية.

ولن يستمر تأثيرها المسيطر بعد أن أصبح تيبيريوس على مضض إمبراطورًا - يجادل المؤرخون بما إذا كانت ليفيا كانت لها يد في وفاة أغسطس أم لا - لقد تم إبعاد ليفيا تمامًا عن الشؤون العامة ومنعت حتى من إقامة مأدبة في ذاكرة أغسطس. امتنع طبريا عن الاتصال بها في المستقبل عندما توفيت في 29 م في عمر 86( ).

ولقد بدأ الإمبراطور الشاب جايوس كاليجولا حكمه بإطلاق سراح المسجونين السياسيين، وألغى نظام المخبرين وخفض الضرائب، وكان محباً للمسرح والمهرجانات والرياضة بعكس تبيريوس، وبالتالي فقد أصبح معبوداً لجماهير الرومان في أوائل حكمه ولم يمض على توليه العرش ستة أشهر حتى مرض كاليجولا مرضا شديدا يبدو أنه قد أثر على قواه العقلية، فبدأ يتحدث عن اللاحدود في الحكم المطلق، ويدعو الرومان إلى عبادته كإله، وقد تم اتهامه بأنه قد حاول تقليد البطالمة في زواجه من أبنته، كما عاد فجلس السناتو وأعاد نظام المخبرين مرة أخرى بعد أن كان قد ألغاه، وبلغ به احتقار مجلس السناتو وجماهير الرومان أن أعلن أنه عين حصانه نبيلا وعضوا بالسناتو، وكان ينوى تعيينه قنصلا وشريكا له في الحكم وبخاصة بعد حادثة زيارة أجريبا للإسكندرية، وقد تم قتله على يد أحد ضباط الحرس الرايتورى بعد أن أهان هذا الضابط، ويتولى العرش من بعده عمه كلاوديوس( ).

أما نيرون فقد تولى الحكم بعد موت كلاوديوس مسموما، حيث أنه وعد الحرس البريتورى بمكافأة ضخمة، وكان محبا للفنون وتلميذا للفيلسوف والأديب الروماني سيكا، ولكن سيطرت عليه أمه والتي اضطر لقتلها حتى ينفرد بالحكم، ولقد كان محبا لحياة البذخ والترف الخرافي حتى أفلس الخزانة العامة للدولة، حيث قام بتخفيض قيمة العملة الرومانية كما اضطر إلى عمليات المصادرة لتعويض الإفلاس( ).

وترجع عظمة الإمبراطورية الرومانية إلى السلطة المركزية فيها استطاعت أن تحكم سيطرتها على المساحات الجغرافية المترامية الأطراف، وعلى تلك الشعوب والأمم المترامية الأصول والحضارات، الأمر الذي تطلب من الحكومة الرومانية إصدار قوانين وتشريعات تناسب ذلك العدد الضخم من الشعوب التي اختلفت بعضها عن بعض في تراثها التاريخي وحضاراتها ولغاتها ودياناتها وليس هذا وحده هو مصدر عظمة الإمبراطورية الرومانية ومثار الإعجاب بها، وإنما تبدو هذه العظمة واضحة جلية في مقدرة إمبراطورية الرومان على استيعاب شعوب عريقة ذات حضارات قديمة كالمصريين واليونانيين، جنبا إلى جنب مع شعوب أخرى حديثة المولد، وما زالت في فجر تاريخها مثل الغاليين والرومان. وهنا نلاحظ أن امتداد الإمبراطورية الرومانية على شواطئ البحر المتوسط، جعل من هذا البحر شرياناً رئيسياً يربط مختلف أجزائها، في حين ساعدت الأنهار الداخلية على الربط بين أطراف الولايات، هذا فضلاً عن الطرق المعدة التي اشتهرت بها حضارة الرومان، والتي أقاموا منها شبكة واسعة مترامية ليس لها نظير في التاريخ.

وكانت الإمبراطورية الرومانية في أزهى عصورها وهى الفترة الواقعة بين قيانم أغسطس سنة 27 ق.م ووفاة ماركوس أورليوس 180م تمثل بناء اجتماعيا سليما مترابط البنيان، ذلك أنها كانت في نظر الطبقات العليا تعبر عن نظام ادارى امتاز بالكفاية والدقة، في حين اعتقدت الطبقات الدنيا أن الحكومة الرومانية تقوم بحماية الممتلكات والأرواح في ظل قانون عادل دون أن تحاول التدخل في حياة الناس اليومية أو تعمل على تغيير لغاتهم أو معتقداتهم أو نظمهم الاجتماعية( ).

ورغما عن القواعد التي أرساها أغسطس للجيش من أن الإمبراطورية يجب أن تحتفظ بحدودها إلا أنه قد أضيفت حدود أخرى من وقت آخر مثل بريطانيا وداكيا وأرابيا (بلاد العرب) وكذلك زيدت عدن الكتائب مثلما حدث في عهد تراجان، وانتقل مركز القوى والاهتمام من الراين إلى الدانوب، وأنشأت حامية جديدة في بريطانيا وكيادوكيا، وسحبت معظم الكتائب من إسبانيا عدا واحدة بعد ما أصبحت ولاية هادئة وكذلك القال. أما بالنسبة لتبريوس فقد اضطر لزيادة العطايا والهبات للجنود لضمان ولاء الجيش له خاصة في بانونيا جرمانيا، أما كلوديوس فقد ذهب لاحتلال بريطانيا وحفز جنوده للنشاط وبنى الطرق والكباري وقت السلم وفاز برضا الكثيرين كإمبراطور مثلما كان أغسطس( ).

وفى عام 27 ق.م غير حاكم روما لقبه تغييرا مختارا بعناية فلم يعد أوكتافيوس وإنما أصبح يدعى أغسطس، وبذلك كان الأول من سلسلة الحكام نفس اللقب ونطلق عليهم اصطلاحا الأباطرة الرومان.

ولك تتغير نظرة المصريين إلى حاكمهم الأعلى البعيد ومدى تدخله في حياتهم، لقد نظروا إليه في العصر الروماني كما نظروا إلى الملوك البطالمة من قبل بل والملوك الفرس أيضاً باعتبارهم أسرا جديدة من الفراعنة الغرباء. ومن ثم استمر بناء المعابد وزخرفتها على الطراز المصري خلال الثلاثة قرون التي حكمها الرومان مثل الاباطرة على الجدران بالجلسة التقليدية للفراعنة، تحيط بهم رموز الملكية المصرية كالتاج الفرعوني والخرطوس الذي يحمل داخله اسم الحاكم بالهيروغليفية ونصوص هيروغليفية إضافية تكرر ألقاب الفرعون باعتباره ابنا لرع والمحبوب من بتاح وإيزيس( ).

وكان الإمبراطور هو السلطة القضائية العليا في الإمبراطورية الرومانية وكان الحاكم هو السلطة العليا في كل ولاية وكان للمواطنين الرومان في سائر أرجاء الإمبراطورية الحق في الاستئناف أمام الإمبراطور( ).

وكان تيبريوس قد أوصى بأن يعين جايوس الابن الوحيد المتبقي من أبناء جرمانيكوس الذي فتك بهم، كذلك حفيدة تيبريوس جاميللوس وهو ابن ابنة دروسوس ورثه على ممتلكاته الخاصة، ولما عرض الأمر على السيناتور لاختيار أحدهما رجحت كفة جايوس لأن كراهية الإمبراطور الراحل داخل مدرجات السيناتور كانت واضحة، إذ رفض الأعضاء الانعام عليه بشرف التالية بعد الموت وكان من الطبيعي أن يفضلوا ابن جرمانيكوس المحبوب على حفيد الإمبراطور بل أن جايوس كان يتمتع بثقة ماكرو، وكان هذا الأخير من أبرز الشخصيات التي أثرت على الرأي العام داخل مدرجات السيناتور حتى اختير جايوس امبراطورا، ومن ثم أنعم السيناتور عليه بالأميريوم والسلطة التربيونية مدى الحياة، وكان جايوس وقتذاك لم يتعد الخامية والعشرين ربيعاً( ).

المطلب الثاني

رجالات السياسة

بعد وفاة أغسطس اعتلى تيبيريوس عرش الإمبراطورية الرومانية (14 – 37م) فرأى أن يسير على نهج سلفه فيما يتعلق بحدود الإمبراطورية بعد كارثة فاروس ووطد العزم على عدم التورط في أية حرب قدر الإمكان، ورغم ذلك لم يخلو عصره من حروب خارجية، ففي عام 14، 15 م كان القائد الروماني العظيم جرمانيكوس ابن دروسوس يقوم بمهمة عسكرية تستهدف تأكيد نفوذ الإمبراطورية على جبهة الراين بعدما عانته من جراء هزيمة فاروس من ناحية والقضاء على القلاقل الثورات الناشبة من قبل بعض الفرق العسكرية من ناحية أخرى، غير أن ما كان يحتمل في ذهن جرمانيكوس من أفكار لم يكن بإمكان الإمبراطورية إيقافها، إذ طغت على جرمانيكوس فكرة احراز مجد عسكري، ولذلك قام بثلاث حملات مكثفة لاستعادة الاقاليم الشمالية الغربية (بين الراين والويزر) من أيدى الجرمان، وقد أسفرت جهوده المضنية عن إحراز عدة انتصارات كلفت الإمبراطورية الجهد والمال والارواح، واضطرت الإمبراطورية إلى اصدار أوامره باستدعاء قائده وإنهاء الحرب مع الجرمان مع إخلاء المناطق التي استولى عليها وتثبيت حدود الإمبراطورية عند الراين( ).

ولقد وصلت روما لقمة عظمتها لا بواسطة الفلاسفة ولا العلماء ولكن بواسطة السياسة الحكيمة والفتوحات العسكرية، لذا كان الجيش الروماني دائماً واحدا من العوامل الهامة لعظمة روما في الايام الأولى كان الجيش من المواطنين والفلاحين والذين تركوا زراعة الأرض من أجل أن يحملوا السيف لخدمة وطنهم، ولكن نتيجة لامتداد الإمبراطورية خارج ايطاليا، فإن حياة الطوارئ لم تعد مناسبة لهذه المرحلة التي أصبحت فيها الحاجة ملحة للاحتفاظ بالجيوش في حالة استعداد دائم للاشتراك في الحملات المتتالية دون انقطاع، ووجد الزراع أنه من الصعوبة أن يقسموا حياتهم بين المزارع والمعسكرات، وكان الحل الوحيد عندما أمد الجيش بالمتطوعين دون النظر لوظيفتهم، ولقد قام بوضع نظام كان بالفعل يلجأ إليه في بعض الحالات الخاصة. وخلال هذه الفترة امتلأ الجيش بمثل هؤلاء المتطوعين من مختلف طبقات المجتمع الإمبراطورية مخلصين لقادتهم وينتظرون منهم العطايا والهدايا بعد كل حملة وكان مشكوكاً في اخلاصهم للبلاد.

لقد مر الجيش الروماني بثلاث مراحل الأولى كانت فيه حدود الإمبراطورية لا تعرف فيه حدوداً تقف عندها وكان الجيش هو درع الفتوحات والغزوات، ولكنه مع ذلك كان عباً ماليا ثقيلاً، كما كان مصدر خطر نظرا لأطماع القواد وانتصاراتهم والتي هددت كيان الإمبراطورية نفسه. ولقد نمت الإمبراطورية خلال الفترة الى اعقبت موت أغسطس بشكل كبير حتى ضمت منطقة الدانوب والجزائر ومراكش وحالف الرومان التوفيق في احتلال بريطانيا وكذا ضم تراجان واديت وأرمينيا وبلاد ما بين النهرين( ).

المطلب الثالث

مجلس الشيوخ

ولقد ظل مجلس الشيوخ وهو عصب الطبقة الارستقراطية الرومانية السيطرة على مصير التنظيم السياسي للدولة الرومانية حقيقة لقد ظهر بين أن أواخر من المتكلمين بلسان العامة من وقف في وجه مجلس الشيوخ الاخر، كما فعل تايبريوس جراكوس الذي نجح في تحدى سلطة مجلس الشيوخ عندما كان نقيبا للعامة، ولكن اعتماد هؤلاء لم يكن اعتمادا كاملاً على طبقة العامة، بل ارتكنوا إلى حد كبير على عوامل أخرى منها إغراء الايطاليين بمنحهم حقوق المواطن الرومانية ومنها محاولة جمع شتات العامة حول كسب مشترك تمثل في إسهام الدولة في تخفيض ثمن القمح اللازم للخبز اليومي، في ذلك الوقت ولكن حتى في حالة هذين الأخوين نجح مجلس الشيوخ في أن يقضى على معارضتهما بل نجح في اغتيال أحدهما ودفع الآخر إلى الانتحار( ).

وقد نجحت محاولات الأخوين جراكوس والمحاولات المماثلة دون شك في زعزعة سلطة مجلس الشيوخ ولكن هذا لم يؤد إلى تقوية مركز العامة أو تحسين وضعهم السياسي، إذا أن نفوذ الطبقة الارستقراطية لم يضمحل إلا ليحل محله نفوذ طبقتين أخريين كانت تحت تصرفيهما الامكانيات الكافية لتمسكها بقيادة الأمور في روما ولتدخلا طبقة العامة في تبعيتهما( ).

تبيريوس 14 -37م: بعد وفاة أغسطس ورثه تبيريوس فأصبح يسمى تبيريوس أغسطس قيصر وتولى الحكم بدءاً من 14 م وهو في سن الخامسة والخمسين كان إجمالا إمبراطوريا قادرًا وكفئًا رغم تمسكه بالقديم ورفضه الأفكار الجديدة وعدم رغبته في التجديد والتطوير ولذا لم يغتصب الكثير من سلطات السيناتور مما فعل أغسطس من قبل، وبشكل عام لم يشهد عصر تبيريوس أحداثا مؤثرة إذا كانت الأمور قد استتبت في عصر أغسطس، ما عدا تمرد بعض القوات الرومانية على ضفاف نهر الراين مقبل موته أوصى بأن يؤل العرش إلى جايوس كاليجولا الابن الوحيد المتبقي من أبناء أخيه جرمانيكوس( ).

الإمبراطور كقائد عسكري: لقد كان الأباطرة الرومان قادة عسكريون دائما استطاعوا بمقدرتهم العسكرية قيادة الجنود الذين كانوا ولائهم لشخص الإمبراطور، لقد كانت مهمة تنظيم الجيش تنقسم إلى توظيف سلاح المشاة الثقيلة والخفيفة( ).

وفي 31 م دون إذن أعلن الزوجان خطيبتهما. والدة ليفيلا - أنتونيا مينور، كتبت إلي الإمبراطور وأبلغته عن نيتها لقتله وشاب كاليجولا. سارع تيبيريوس إلى روما ومثُل أمام مجلس الشيوخ، وتم إغراء سيجانوس بمجلس الشيوخ تحت ذرائع زائفة وأجبر على الرد على هذه الاتهامات. مع القليل من النقاش وجد أنه مذنب وحكم عليه بالإعدام. تعرض للخنق وتمزيقه من أطرافه من قبل مجموعة من الغوغاء، وترك بقاياه للكلاب. كما تم إعدام أبنائه وأتباعه في حين جنت ليفيليا حتى الموت تحت المراقبة الدقيقة لأمها( ).

وفي السنوات الأخيرة من حكمه، نما تيبيريوس بجنون العظمة وفرض عددًا متزايدًا من محاكمات الخيانة. أصبح أكثر انفتاحًا، حيث ظل في كابري حيث توفي في عام 37 م عن عمر 77 عامًا (من المفترض أن يكون على يد محافظ الحرس البريتوري، نيفيس سوتوريوس ماكور، بمساعدة خليفة تيبريوس النهائي كاليجولا). وعند سماع وفاته، صرخ الناس، وفقًا لسويتونيوس، "إلى التيبر مع طبريا". قال كاسيوس ديو: "وهكذا، طبر طبريوس، الذي كان يمتلك العديد من الفضائل، والعديد من الرذائل، واتبع كل مجموعة بدوره إذا كان الآخر غير موجود، توفي في اليوم السادس والعشرين من شهر مارس "( ).

ويرى الباحث أنه مما هو جدير بالذكر أن أغسطس لم ينجب غير ابنة واحدة (يوليا) وكان مهموما بوراثة العرش، عندما تزوج ليفيا عام 38 ق.م كان لها من زوجها السابق ابن يبلغ من العمر الرابعة عشر من عمره وهو تيبيريوس، ولم تلبث أن وضعت ابنها الثاني بعد أيام قليلة من زواجها بأغسطس اطلق عليه اسم (روسوس) ولم يقع اختيار أغسطس على واحدة من أبناء زوجته لكى يكون خليفة له، ولكن النكبات التي حلت به، إثر وفاة من وقع عليهم اختياره واحداً تلو الآخر، اضطر صاغرا إلى تبنى الابن الأكبر لزوجته، وقام بتزويجه من ابنته التي سبق لها الزواج أكثر من مرة، لذا فإن تيبيريوس ينتمى في الأصل إلى عائلة والده الحقيقي وهى العائلة الكلودية كما ينتمى في نفس الوقت إلى عائلة أبيه بالتبني أو العائلة البولية.

وبعد وفاة الإمبراطور أغسطس في عام 14م تولى بدلا منه ابن أخته ليفيا الثاني (تيبيريوس) وقد كان تيبيريوس المرشح الثالث لحكم روما بعد أخوته ليكيوس وجايوس أولاد أغسطس بالتبني من أخته ليفيا. من هنا نجد أن تيبيريوس شارك خاله أغسطس في الحكم منذ عام 4 م ولكنه تولى منفردا في عام 14م وكان عمره آناك 46 عاما ولقد تولى تيبيريوس الحكم من عام 14 م وحتى 37م وكانت تلك الفترة لا تزال تنعم بالإطار الأغسطس ي في كافة جوانبها، وعلى الرغم من أن الشخصية القوية وسياسة الحزم التي اتبعها تيبيريوس في إدارة البلاد إلا أنه كان يفتقد دائما لدرب أغسطس في أحكام السيطرة والخضوع الكامل للجميع، ولكنه كان تقليديا رافضا للأفكار الجديدة والتطوير، إلا أنه تعامل مع مجلس السيناتو في ضوء القواعد التي وضعها أغسطس ، لذلك لم يشهد عصره خلافات سياسية بينه وبين مجلس السيناتو.

ومن الطبيعي أن ينال تيبيريوس قسطا من خبرات خاله أغسطس مكنته من حسن إدارة الإمبراطورية بشكل منتظم، وربما يرجع ذلك أيضا إلى خبراته المتعددة ففي عام 24 ق.م وعمره سبعة عشر عاما منح تيبيريوس حق الترشيح للانتخابات كقاض وتنصل في مجلس السيناتو، وظل منذ تلك الفترة يتقلد العديد من المناصب المختلفة السياسية والعسكرية التي شكلت المقدمات الشخصية له حتى تولى العرش وعمره 46 عام تقريبا، وتبدو الخبرة العسكرية لديه واضحة في إخماده لحركات التمرد التي اندلعت في أرمينيا عام 17م وهو الانتصار الذي قربه من الشعب الروماني الذي كان لا يزال يحيا في الحلم الأغسطس ي( ).

ويمكن للباحث القول بأن جنود الكتائب كانت إيطاليا هي عمادهم بشكل طبيعي، كما أن المواطنين الرومان من الولايات قد تطوعوا للخدمة فترة عشرين أو خمس وعشرين سنة، ونال أبنائهم المواطنة والامتيازات وعن طريق الخدمة العسكرية حصلت جنود الفرق المساعدة على المواطنة الرومانية لهم ولأولادهم، كما كان يحق لأبنائهم الالتحاق بالكتائب. أما المعسكرات القريبة من الحدود فقد جذبت المدنيين، ومن ثم نمت الضواحي وأقيمت المكاتب الإدارية، ولقد كان لمثل هذه المعسكرات تأثيرات حضارية بالغة، فقد كان الجندي الروماني أكثر من مجرد جندي ففي الحقيقة لقد كانت أدواته التي حملها أثقل من تلك التي عرفها العالم الحديث.

وكانت حقيقة أن تيبيريوس لم يكن يريد أن يصبح إمبراطورًا واضحًا، لقد تفوق دائما خارج الساحة السياسية. لقد كان جنرالًا ممتازًا، وخدم بامتياز في ألمانيا وكان يشغل منصب حاكم بلاد الغال. ومع ذلك في 6 قبل الميلاد ذهب فجأة إلى المنفى الذاتي في جزيرة رودس (ربما للهروب من جوليا)، وليس العودة إلى روما حتى 2 م - كان عليه أن يطلب إذنًا من أغسطس للعودة. وفي الواقعكان يشار إليه في كثير من الأحيان باسم "المنفى".

في 14 م توفي أغسطس، مما سمح لتيبيريوس أن يصبح إمبراطورًا جديدًا للإمبراطورية الرومانية. كما هو الحال مع العديد من الذين تبعوه، سارت سنواته الأولى كإمبراطور على ما يرام. لقد ابتعد عن كثير من المسابقات التي تلت صعوده مع مراعاة سلطة مجلس الشيوخ. كتب كاسيوس ديو، "كان طبريا أروعًا في التعليم الجيد (كان يتحدث اليونانية بطلاقة) ولكن كان له طبيعة غريبة للغاية. "نظر إليه على أنه البخيل من قبل البعض ومتواضع، فقد بدأ لكنه لم يكمل العديد من مشاريع الأشغال العامة (تم إنجاز معظمها في وقت لاحق من قبل كاليجولا). وفي ذهنه تم تهديد توليه العرش الإمبراطوري من قبل آخر: جرمانيكوس يوليوس قيصر كلوديانوس، الابن الذي تبناه تيبيريوس (بناءً على طلب أغسطس) والاختيار الحقيقي للعديد من الجنرالات. غير أن جيرمانياك أسكت هؤلاء المعارضين الصريحين لتيبيريوس وأبدى تأييده للإمبراطور الجديد( ).

وقد تم تشكيل محكمة غير عادية لمحاكمة كل من بقي على قيد الحياة من أنصار تيبيريوس، وقد كانت تعليمات السناتور للمحكمة بالة الصرامة. وعلى الرغم من أن المحكمة لم تذهب في تفسير هذه التعليمات إلى حد إعدام الذين أدينوا صلباً أو جلداً، فإنها أعدمت أكثر أنصار تيبيريوس بأساليب وحشية مختلفة، وقضت دون محاكمة بنفي كل من تمكنوا من الفرار قبل إلقاء القبض عليهم، ولا أول على أبغال هذه المحاكمة في معاقبة أنصار تيبيريوس من أنه لم ينج بحياته من بين كل الذين حوكموا سوى يلوسيوس استاذتيريوس إلا أنه رأى من الحكمة ألا يبقى في إيطاليا فرحل إلى آسيا، حيث انتحر بعد عامين أو ثلاثة.

وهكذا بسفك الدماء أولى الأمر سفكا سافراً لا مبرر له إلا شريعة الغاب، ثم بسفك الدماء ثانية سفكا سافراً مقنعا تحت ستار من الشرعية الزائفة بمحاكمات تعسفية، رد السناتور ردا جذريا مخضبا بالدماء على تحدى سيطرته، ومما له دلالته أن ناسيقا مدير وقائد الهجوم المسلح الذي أودى بحياة تيبيريوس و300 من أنصاره كان أحد أعضاء المحكمة الخاصة التي تكلمت بأغلب البقية الباقية من أنصار تيبيريوس.

وبعد أن أدى ناسيقا دوره مرتين في القضاء على حركة تيبيريوس، كان وجود هذا النبيل الكريه المتطرف بين ظهراني أعضاء السناتور في روما يسبب لهم حرجا غير قليل. ومرد هذا الحرج إلى أنه لم يفت خصومهم أن يرددوا كيف أن حفظة النظام القائمين المدافعين عن الدستور وهم الذين أعدموا أنصار تيبيريوس بتهمة استخدام العنف يسمحون بأن يبقى في صفوفهم رجل قاد المذبحة التي أزهقت روح رجل انتخبه الشعب وكانت تحمى حياته حصانة عقوبة الاعتداء عليها هي الاعدام، وقد وجد السناتور مخرجا يخلصه من هذا الحرج، وفى الوقت نفسه بقى هذا الرجل النعس من المحاكمة على جرمه بأن عينه عضوا في البعثة التي أنفذها شئون الولاية، حيث توفى بعد ذلك ببضع سنين( ).

أن الحكم كان في قبضة السناتو، ولم يكن أعضاء السناتور متساويين في النفوذ أو المرتبة وكان ممن يدير السناتو قلة من النبلاء، وهم الذين كان يتولى منهم وظيفة القنصلية وهذا يعتبر نجاحا لما يتمته به من امتيازات سواء لنفسه أو لأسرته وسلالته من بعده( ).

ولقد استولى ماكرو على قيادة الحرس الجمهوري في 18 أكتوبر عام 21م وقرأ على السناتو نص رسالة الإمبراطور ذات المقدمات الغامضة ثم في نهاية الخطاب أعلن الإمبراطور نبذه لسلوك سينانوس وإدانته، ولم يستغرق السناتو وقتا طويلا في محاكمته واعدامه ومثلت الجماهير بجثته ثلاثة أيام . بل وأعدمت أسرته معه في نفس اليوم، بل أن زوجته السابقة قتلت نفسها بعد أن كتبت إلى الإمبراطور اعترافا بأن زوجها السابق كان على علاقة بليفيا زوجة دروسوس وأنهما دبرا معا موت دروسوس بدس السم له. كل هذه المشاكل والمؤمرات أضعفت من مكانة الإمبراطور وزادت من شكوكه وانطوائه وراح يطبق بعنف عقوبة الخيانة العظمى، كما زاد الشقاق بين الإمبراطور ومجلس السناتو حيث عاش أعضائه في رعب خوفا من الوشاة والمخبرين، وبلغ بهم الرعب أنهم كانوا على استعداد لإدانة رفاقهم إذا ما أرضى الإمبراطور ذلك، ولم يخف السناتو ارتياحه العميق عندما استقبل نبأ الإمبراطور في السادس عشر من مارس عام 37 ميلادية بعد بلوغه العام الثامن والسبعين( ).

ولك يخرج تيبيريوس عن سياسة أغسطس في شيء سوى مد صلاحية مندوبي الإمبراطورية لحكم الولايات وربما لم يكن ذلك تراضيا وإهمالا من الإمبراطور بقدر ما كان أمرا مقصودا بسبب أزمة الثقة التي قامت بين الإمبراطور وبين معظم الشخصيات البارزة خاصة أعضاء السناتو.

أما فيما يختص بالسياسة المالية والاقتصادية فقد كان تيبيريوس شحيحا إذا خفض النفقات العامة مثل التي كانت تخصص للإنفاق على التسلية والمهرجانات الرياضية والتي اعتاد الشعب الروماني عليها والتي كان حريصا في منح الهبات العامة مما جعله غير محبوب بين الناس في عصر كانت شعبية الحاكم تقاس بمدى إنفاقاته العامة، وكان نتيجة سياسة الحرص المالي أن تضخمت المدخرات في الخزانة العامة حتى بلغت ألفين مليون ستركيس روماني.

ولم يكن تيبيريوس على وفاق مع السناتو فبعكس أغسطس الذي كان ذكيا فيها ومن السناتو بينما راح يحركه في الخفاء ومتخذا منه مخلب القط لمأربه وأغراضه، وهاجر تيبيريوس السناتو علنا ورفض في بعض الأحيان أن يجتمع به بل ضاق ذرعا بتصرف بعض زعمائه من أمثال أرونتيوس وغريمه أسينيوس جاللوس بل أن غموض الإمبراطور وانطوائه على نفسه بث الرعب والخوف في قلوب بعض زعماء السناتو( ).

ولقد كان الاصلاح والتجديد الذي تم أبان حكم أغسطس الطويل قد غير من أجهزة الدولة تقريبا ما عدا مجلس الشيوخ الذي استمر في القيام بمهامه بل وأغدق عليه كل تبجيل واحترام، وبالمقابل جدد المجلس السلطات التي منحها للرئيس (اليرينكس أغسطس) لفترة تتراوح بين خمس أو عشر سنوات ثم أيد وضع تيبيريوس كخليفة لأغسطس.

وقد حاولت الجمهورية الرومانية من قبل أن تحكم العالم الروماني بقوانين دولة المدنية ولهذا فشلت أما في ظل حكم أغسطس فقد تم وضع الخطوط الرئيسية لطريقة الحكم الجديدة، وتحديد كل الوظائف المدنية والعسكرية في الإمبراطورية، وأنشئ عدد كبير من المصالح الحكومية في روما وايطاليا، وأهمها إدارة القمح، وبالنسبة للجيش فمن المعروف أن الجمهورية لم يكن لديها أبدًا جيش منظم، بل كانت هناك حملات تعبئ من أجل عرض معين، ولكن أغسطس غير هذه الأوضاع ونظم الجيش الجديد وأنشأ فرقاً جديدة وأصبحت قوة الجيش الروماني في عصر أغسطس تصل إلى (300،000) رجل، كما أعاد أغسطس تنظيم البحرية وكان الهدف الرئيس منها أن تكون قوة دفاعية ضد أعمال القرصنة( ).

وعندما توفي جيرمانيكوس فجأة بعد مرض قصير في عام 18 م، عادت أرملته أجريبينا الأكبر إلى روما، معتقدين أن تيبيريوس قد أمر جانيوس بيسو الحاكم السابق لسوريا بقتل جيرمانيتشوس. وكان الجنرال الشاب مسؤولاً عن إقالة بيسو كحاكم. وتم استدعاء بيسو إلى روما للرد على الاتهامات الموجهة إليه؛ ومع ذلكعلى الرغم من مناشدة الإمبراطور فقد أجبر على الانتحار. اعتقدت أجريبينا أيضًا أن أبنائها - نيرو قيصر، ودروس قيصر، وجايوس يوليوس قيصر (كاليجولا) - يجب اعتبارهما في خط العرش؛ ومع ذلك كان هذا أبدا لن يكون. فقط كاليجولا سوف ينجو ويصبح إمبراطورًا. وتم تجويع درسوس حتى الموت واغتيل نيرو (تم نفي اجربينا نفسها وفي النهاية تموت جوعًا). عاش كاليجولا وأخواته الذين كان ينظر إليهم على أنهم صغار السن وليسوا تهديدًا مع طبرية على كابري( ).

ويرى الباحث أن المصادر عن تيبيريوس متناقضة فقد صورته المصادر السناتورية التي اعتمد عليها تاكيتوس كديكتاتور سفاكا للدماء وعبقرية شعر كبرى، بينما كتب بعضهم سيرته بصورة أبولوجيا تبرر سلوكه فتبين فضائله الحميدة وخدماته التي أداها للإمبراطورية وإصلاحاته التي قام بها في الولايات ولقد كان تيبيريوس شحيحا في النفقات العامة وقد جعله هذا مكروها لدى جماهير العاصمة بينما اعتبره سكان الولايات الرومانية مصلحًا ومنقذًا لهم من استغلال كبار الموظفين.

المطلب الرابع

الحرس البريتوري

لقد حرصت خطط الدفاع الرومانية منذ البداية على أن تجنى أعظم الفائدة من استخدام الطرق الداخلية وطرق المواصلات البحرية بالبحر المتوسط الذي تم تطهيره من القراصنة، ونظرًا لأن مهمة اقامة جيش كبير تتطلب تكاليف باهظة، فقد رأى أغسطس أن يكتفى بأقل عدد من القوات بالقدر الذي لا يعرض سلامة الدولة للخطر، وكان عدد الفرق الرومانية أول الأمر ثمانية وعشرون فرقة زيدت إلى اثنين وثلاثين فرقة ووصلت في عهد سيفيزوس إلى خمسة وثلاثين فرقة.

أن الحرس البريتورى كان صفوة الأسلحة بالجيش وهى التسع كتائب للحرس البرايتورى والذى كان يمثل حرس الشرف الملازم للإمبراطور، ولقد روعي في اختيارهم القوة والولاء وكانت هذه الفرق تقوم بالحراسة ليلا ونهارا على قصر الإمبراطورية، وقد واجه الأباطرة نفس مشاكل الحماية الشخصية التي يواجهها معظم الحكام في العصر الحديث سواء وقت السلم أو وقت الأزمات والتمرد العسكري، والتي قد يكون فيها الإمبراطور معرضا لمحاولات القتل بواسطة قادة التمرد، لذا فقد تحمل الحرس البرايتورى مسئولية حماية الإمبراطور من الايذاء، ولقد فصل الحرس عن بقية أجزاء الجيش، ويبدو أن أهم أوجه الفرق بينهم وبين العناصر الأخرى بالجيش كانت الرواتب. فقد نال الحرس البرايتورى زمن أغسطس قدر ما يناله الجندي العادي ثلاثة أضعاف، ولقد اختيروا من عليه الفرسان. وفى عهد كاركلا تسلمت الكتائب حوالى (3،000) سيستريكين في السنة، في حين تسلم رجال الحرس البرايتورى حوالى (10،000)، كما أنهم كانوا ينالون نصيبا وافرا من العطايا والهبات( ).

أن طابع الحكومة الرومانية في أوائل عصر الإمبراطورية أي حتى الاصلاحات العظيمة التي أدخلها دقلديانوس في أواخر القرن الثالث فيلاحظ أن هذه الحكومة كانت ملكية مع احتفاظها بكثير من مظاهر العصر الجمهوري السابق، أو ربما كان من الأدق القول بأنها ظلت جمهورية مع ظهور رأس للدولة وللجيش الروماني يتمتع بمنصبه طوال حياته، وهكذا ظل السناتو يباشر سلطاته الواسعة، واستمرت المناصب العليا في الدولة بأيدي الارستقراطية من كبار ملاك الأراضي، كما بقى المواطنون الرومان يمثلون طبقة ممتازة وإن فقدوا كثيرا من أهميتهم السياسية. ولذلك يبدو من الخطأ أن ننظر إلى هذه الحكومات على انها كانت عسكرية بحتة أو استبدادية مطلقة حقيقة أنها لم تكن ملكية دستورية، ولكنها امتازت ولاسيما في العصر الأول للإمبراطورية بسيادة العرف والتقاليد والقانون، كما تمسكت بكثير من مظاهر العصر الجمهوري مما أكسب الحكومة الرومانية عندئذ مظهرا دستوريا واضحا( ).

ومما لا شك فيه أن الإمبراطور أغسطس وضع مجموعة من المقومات الشخصية المثالية في أغلب الأحيان لشخصية الإمبراطور، تلك المقومات تتلخص في ضرورة توافر الخبرة العسكرية والحنكة السياسية والطابع الديني وحماية الآلهة، واحترام المواطن الروماني له، ولكن أهم تلك المقومات الشخصية التي وضعها أغسطس وتعامل معها باقتدار كان تعامله المستنير مع مجلس السناتو مما أكسب المجلس شرعية كبرى في الحكم وأخذ يدافع عهنا فترات طويلة فيما بعد، ويمكن القول أنه كان ازدهار الإمبراطور وعصره مرتبط ارتباطا طبيرا بدرجة تعاونه وانسجامه مع مجلس السيناتو، وبالتالي فإن أغسطس حقق حلما صعبا على خلفائه، فأصبحوا يحلمون في الوصول إلى درجة كمال تلك المقومات معا. ولا يمكن أن ننكر أن بعضهم كاد أن يصل إلى هذا الحلم ولكنه كان يفتقد لبعض تلك المقومات مثل تراجان. ولكن بصفة عامة فإن أغسطس حدد أيديولوجية سياسية لخلفائه في إدارة تلك الأراضي الشاسعة والمجتمعات المختلفة للإمبراطورية، الأمر الذي جعلها بمثابة حلم يصعب الوصول إليه أو تحقيقه( ).

ويجئ الحرس الإمبراطوري (الحرس البرايتورى) بعد القوات النظامية أو الفرق الرومانية، وبعد القوات المساعدة من حيث العدد والكفاءة القتالية، ولكنها لعبت دوراً كبيراً وهاماً في مجرى الأحداث السياسية التي شهدتها الإمبراطورية فقد كانت هذه القوات في الأصل قوات تساعد الإمبراطور بصفته القائد العام لقوات الجيوش الإمبراطورية، وكانت مشابهة في تنظيماتها لقوات الحراسة في القيادات العليا المختلفة للجيش الروماني ، ولما كانت هذه القوات لا تخرج من ايطاليا أو على وجه التحديد من العاصمة، فقد كان تأثيرها في السياسة أقوى من القوات النظامية المرابطة في مختلف الولايات البعيدة.

ولقد قسم أغسطس قوات الحرس البرايتورى إلى تسع وحدات من الفرسان يتكون كل منها من ألف راكب وكان يقود قوات الحرس نقيبان من طبقة الفرسان وكان جنود الحرس البرايتورى يختارون خصيصا من الايطاليين ويتمتعون برواتب عالية ومدة خدمتهم أقصر من زملائهم من الجنود الآخرين. كما كان الإمبراطور يشرف على قوات الأمن وفرق إطفاء النيران والحرائق، وكانت تخضع للجيش في نظامها وتمريناتها وتخضع لقيادة الإمبراطور العليا.

وكانت سياسة الإمبراطور أن يضمن ولاء الجيش له ولآل بيته، وحرص دائما على ارضاء الجند اتقاء لشرهم، فأدخل نظام المكافأة المالية بدلا من منح الجندي المسرح قطعة أرض معينة، كما حدد مدة الخدمة بستة عشر عاما لجنود الحرس البرايتورى وعشرون عاما لجنود القوات النظامية، وخمس وعشرين عاما لجنود الفرق المساعدة وكان جندي الحرس البرايتورى يتسلم عند تسريحه من الخدمة مكافأة قدرها خمسة آلاف دينار روماني (أي ما يعادل 600 دولار أمريكي) إلى جانب قطع من الأرض الزراعية، وكانت الجنود المسرحة توطن في المستوطنات المنتشرة في الولايات التابعة للإمبراطورية، كما تم إنشاء الخزانة العسكرية كي تتولى دفع الرواتب والمكافآت للجنود، وكانت تستمد أموالها مما يتبرع به للإمبراطور من أمواله الخاصة، ومن دخل ضريبتان فرضتا على المواطنين هما ضريبة الإرث ومقدارها 5% من كل تركة وتفرض على المواطنين الرومان بلا استثناء والأخرى ضريبة البيع ومقدارها 1% من قيمة الأشياء المباعة، وقد قصد الإمبراطور من إنشاء هذه الخزانة إحساس الجندي الروماني بأنه ينظر إلى الدولة وليس إلى قائد من أجل المكافأة، ولكى يحارب للدولة وليس لجنراله الذي كان يعده في الماضي بالمكافأة إذا ما انتصر( ).

وكانت قسوة إدارة إمبراطورية إلى جانب تدخل ليفيا، أكثر من اللازم بالنسبة إلى طبريا، وانتقل إلى جزيرة كابري في عام 26 م، تاركًا الروتين اليومي لمستشاره ومحافظ الحرس البريتوري، لوسيوس أيليوس سيانوس ومع مرور الوقت بدأ تيبريوس يعتمد أكثر فأكثر على نصيحته، وبدأ ساجانوس في اعتبار نفسه الإمبراطور الحقيقي، حتى ارتكب خطأً فادحًا: تزوج ابن تيبريوس من قبل امرأة (تم تسميتها فعليًا باسم ليفيا). أما سيجانوس الذي رأى درسوس كمنافس وبدأ وجود علاقة غرامية مع زوجته. وفي النهاية، أدى هذا إلى وفاة درسوس في 23 م بالتسمم. بناء على إصرار ليفيليا، طلق سيجانوس زوجته وترك أطفاله؛ ناشد الزوجان تيبيريوس في 25 م للحصول على إذن الزواج، لكن تيبيريوس رفض الطلب. بحلول هذا الوقت بنى سيجانوس الحرس البرايتوري ليصبح قوة كبيرة تبلغ 12000. بعد ذلك شرع في سلسلة من محاكمات الخيانة للتخلص من أي معارضة محتملة؛ عاش الكثير من الرومان في خوف( ).

ولقد كان الحرس البريتورى يحصل بين الحين والآخر على المنح من الإمبراطور، حيث كان يحصل الجندى على راتب معين بينما الحرس البريتورى يأخذ أضعاف ما يأخذه الجندي العادى( ).

كان الإمبراطور هو الذي يبلغ كلمة السر إلى قواد وفرق الحرس البرايتورى بالقصر الإمبراطوري أو المعسكر، وكان الحرس البرايتورى يخضع في الأصل لقيادة ضابطين برتبة بريفكتس وكان يتدربون على أعنف ما تقضى به تقاليد الحرب الرومانية وأصبح الحرس البرايتورى خلال القرنين الأول والثاني بمثابة ورشة أولية لتخريج الضباط. ولقد كان للشخص الذي يصل لدرجة قائد الحرس البرايتورى أن يتمتع بثقة الإمبراطور وصداقته، وأن يكون له قدرات خاصة تمكنه من قيادة رجال الحرس، ويبدو أن قائد الحرس البرايتورى (لهدريانوس) ويدعى ماكرينوس تربو – كان من هذه النوعية، ومن المؤكد أن قادة الحرس البرايتورى كان لهم شأن عظيم وقت الأزمات والتمرد. فقد كان لهم يد في تغير وقتل وتعيين أباطرة كثيرين، فقد قام رجال الحرس البرايتورى بقتل كومودوس وقت الحرب الأهلية. كما أن كاركلا قتل وسط جنوده الذين أحبهم كثيرا وبواسطة قائد الماة واثنان تريبونان ومعهم قائد حرسه البرايتورى ماركينوس. كما أنه من المؤكد أن عملية اغتيال دومينانوس وجايوس وكومودس قد تمت خارج القصر وفى وقت ومكان كان فيه الاباطرة دون حماية، وكان قائد الحرس البرايتورى قد حرص أن يحفظ الحرس البرايتورى بعيد، وقد ظهر جليا أن فضل الثلاثة كان بواسطة أعضاء من الحرس نفسه، ولقد حرض سيفيروس على تغيير الحرس البرايتورى وقام باختيار حرسه من جنود بالدانوب وقليلون من ايطاليا وحتى وقت ماركوس أوريليوس فإن قائد الحرس البرايتورى كان يقود الجنود في ساحة الحرب في بعض الحالات، وكان وجود هؤلاء القادة بساحة الحرب راجع لرأى الإمبراطور فيهم ومقدرة القواد الآخرين في حماية الإمبراطور، ويبدو أن قادة الحرس البرايتورى كانوا يتحملون مسئوليات خاصة وقت ماركوس أوريليوس نظرا لأن الإمبراطور كان دائم الاشتراك في الحملات، وكان يواجه مواقف صعبة عديدة تطلبت وجود قادة من الذين يثق فيهم.

ويري الباحث أن الخوف أدى إلى مطالبة تيبيريوس بمطالبة مجلس الشيوخ بأي جزء في الإدارة بأنه قد يرضيهم بتكليفه، قائلًا إنه لا يمكن لأحد أن يتحمل العبء بالكامل دون زميل له، أو حتى عدة زملاء.

وهو قاض سيء في الشخصية: وهذا الازدراء المتبادل قاد طبرية إلى الذهاب إلى مكان آخر للحصول على المشورة. لكنه ذهب إلى المكان الخطأ، واختار سيجانوس، وهو ضابط سلاح الفرسان و "الغش بلدة صغيرة". لقد أعجب تيبريوس بسايانوس. وقد أثنى عليه باعتباره "شريكًا لجهودي" وأعطاه قيادة الحرس البرايتيوري، الذي كان يحمي الإمبراطور. أساء سيجانوس هذه الثقة وموقفه. وزادت قوته من خلال تركيز الحارس في معسكر واحد، وبدأ في اضطهاد المنافسين المحتملين. وقد حوكم الكثيرون بتهمة الخيانة وأعدموا. وفي وقت وفاته غادر تيبيريوس الإمبراطورية الرومانية الغنية ومستقرة، لكن الكتاب القدماء كانوا معاديين بشكل لا يصدق تجاهه. يروي الحالم القديم تاسيتوس كيف كان تيبيريوس حاكمًا بائسًا ومزعجًا كان مسؤولًا عن قتل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ وقضى حياة من الفجور والانحراف الجنسي بعد تقاعده إلى جزيرة كابري. لكن هذه السمعة السلبية ربما تكون مبالغ فيها من قبل الكتاب القدامى بأجندة تدفع بها( ).

وكان العامل في روما في بداية القرن الأول الميلادي يمكنه أن يكسب من (3 - 4) سيستريس في اليوم وإذا قلنا أن الجندي يصرف أكثر من (80%) مما يحصل عليه في أشياء أخرى غير الطعام لأدركنا أن راتبه قليلا للغاية هذه الفترة، وان امتاز بأن راتبه كان يعطى له بصفة دورية عكس العامل العادي الذي يمكنه أن يحصل على أجر يومي منتظم، كما أن الجندي كان يحصل من وقت لآخر على الهدايا والعطايا النقدية، وكان معفيا من دفع الضرائب وكلما كانت تزيد الهدايا كانت تزيد العطايا والهبات والمنح للجيش حتى وصلت زمن أغسطس إلى حوالى (15) مليون سيستريس أو من أجل توضيح ضخامة الرقم تستطيع أن تقول أنه عند نهاية عصر الجمهورية كان (4.8) مليون سيستريس كافيين لإطعام (10،000) أسرة سنويا، لقد أغدق بومبيوس على جنوده حوالى (6000) سيستريس في حين أعطى حوالى (1000) سيستريس لـ 120،000) سيستريس من جنوده القدامى، وأعطى (1000) لكل جندي من رجال الحرس البرايتورى، (500) سيستريس لجنود الكتائب المدنية (300) للكتائب الأساسية، واتبع تبيريوس نفس المنهاج( ).

ولقد وعد أوتو جنوده بـ (5000) سيستريس لحرسة البرايتورى وصلت إلى (1500) سيستريس عهد كلوديوس ونيرون، وربما أصبحت نموذجا للعطايا التي يعطيها الإمبراطور عند تولية العرش في حين زادت هذه المكافأة أو العطية إلى (2000) سيستريس للحرس البرايتورى، ولقد ادعى سيفيروس أنه أعطى أكثر العطايا لكتائبه في بانويا قبل وصوله لروما، وفى الحقيقة أنه قد أعطى حوالي (1000) لكل رجل رغم أن الجنود بلغت (10،000)، وفى عهد كراكلا وبعد موت جيتا وصلت العطايا إلى (10،000) سيستريس لكل جندي.

ولقد نال كراكلا انتقادات عديدة من علية القوم في روما لإغراقه الإمبراطورية بمشاكل مالية خطيرة، ولقد عانى ماكرنيوس من هذه الزيادة في المرتبات، ولم يستطيع ترتيب الالتزامات المقررة للجنود خاصة التي منحت منذ عهد سبتميوس سيفيروس( ).

أنه يوليوس قيصر هو من أعطى للجنود حق الوصايا وذلك دون أن يأخذ أي شكلا سواء قانوني أو شرعي وذلك لفترة محدودة، كما قام بذلك تيبيريوس بمنح هذه الرخصة مرة أخرى.

ويرى الباحث أنه عندما وجد أوكتافيانوس تحت يده حوالى أكثر من 60 كتيبة وجنود من النوعية التي يصعب أن تبقى دون حرب واحتار ماذا عساه أن يفعل تجاههم، فقد كان هناك الكثير من الجنود أكثر من الحاجة بحيث يجب أن يتقلص عددهم، وفى نفس الوقت يجب أن يحتفظ بالكثير منهم من أجل المحافظة على الحدود ومن أجل إقامة السلام في الولايات وفى بعض الحالات من أجل القيام بالهجوم وجاء الحل مناسبا فلقد يتنافى مع احتياجات الإمبراطورية وفى نفس الوقت دعم الجيش بواسطة الحلفاء من الولايات المختلفة، والتي شكلت فرقا مساعدة بعدد مساو للكتائب الأساسية، ولقد قامت مثل هذه الفرق بعقد معاهدة مع الإمبراطور بشكل مباشر، ويتبعون قاداتهم ويدينون لهم بالولاء ولكن تحت إمرة الإمبراطور نفسه، ولقد تأرجح عدد الجيش مرات عديدة وتساوى عدد الفرق المساعدة من الشعوب الحليفة مع الكتائب التي كانت تعسكر بالقرب من الحدود، ولم يكن في إيطاليا أو أروبا أو بعض الولايات الهادئة كتائب من الجيش، ولكن كان لا بد من الاحتفاظ بقوات في هذه المناطق، لذا فقد قام أغسطس بدعم الحرس البرايتورى( ).

المطلب الخامس

علاقة الرومان مع اليهود في عهد تيبيريوس

أن اليهود الذين رفعوا راية العداء في وجه المسيحية كانوا من شعوب الإمبراطورية الرومانية هم الشعب الوحيد الذي ظل محتفظا أشد الاحتفاظ بتقاليده وعقيدته الخاصة، وبداية كانت السلطات الرومانية متسامحة مع اليهود آلت على نفسها حماية ديانتهم وأعطتها ضمانات ترجع الى أيام يوليوس قيصر بموجبها زاولوا شعائرهم الدينية في حرية وأمن، كما اعطتهم الحق في اتباع تقاليدهم الدينية، إذ من المعروف أن اليهودي لا يعمل أيام السبت من كل أسبوع، حيث يتخذه يوم عبادة وراحة، كما لا يمكن مقاضاته في ذلك اليوم أيضا، وجرى اعفائه من الخدمة العسكرية، وسمح لليهود بإصدار عملة نقدية خاصة بهم، دون أن يطبع عليها صورة للإمبراطور، ورغم كل تلك الامتيازات التي منحتها روما لليهود، إلا أنهم قابلوها بروح انفصالية وتكتل قومي وتعصب ديني وانعزال عن المجتمع، الأمر الذي بعث في نفوس العناصر الأخرى الكراهية الشديدة لهم( ).

ولقد بدأ الخلاف واضحا بين اليهود والسلطات الرومانية عندما ارتقى كاليجولا عرش الإمبراطورية سنة 37م، فقد أمر جميع اتباع الديانات القائمة آنذاك أن يقدموا قربانا له، كما أمر رجاله في أورشليم أن يضعوا تمثال له في الهيكل، ولكن اليهود أظهروا نفورهم الشديد من وضع تمثال منحوت لإمبراطور وثنى في هيكلهم، مما أدى إلى بروز مشكلة حلها كاليجولا بموته.

ولقد ثار اليهود ضد السلطات الرومانية ثورة خطيرة في جودايا ولكن القائد الروماني تيتوس رد على تلك الثورة بالعنف، فقتل معظم من كان في أورشليم القدس من اليهود، واستباح أموالهم ودمر هيكلهم، حتى كاد تيتوس أن يقضى على كل أثر لهم، ومن المؤكد أن الضربة التي أصابتهم كانت من القوة، بحيث شتت شملهم وشردتهم في جميع أنحاء الجمهورية( ).

ولقد أقر القيصر المذكور في البردية، ولكنه لم يستجيب لكل مطالب اليهود ولكنه أقر لليهود حقوقهم القديمة، ولعله كان يرمى بذلك إلى ايجاد التوازن بين الاغريق واليهود حتى لا يطغى فريق على فريق عملا بالمبدأ الروماني المشهور (فرق تسد). ولقد اتجه أكتافيوس بعد ذلك إلى ممفيس (ميت رهينة) ووضع عند بابليون مصر القديمة فرقا رومانية أخرى، رآها استرابون ولكن اسمها لا يزال مجهولا. ولم ينس الفاتح الجديد أن جنوب الوادي مركز عبادة آمون كان معتقلا للحركات القومية ضد البطالمة، فبعث إليه بفرقة رومانية ثالثة، يرجح أنه فرقا قورينة الثالثة.

وتشير أقدم الوثائق الى وجود جانب منها في منطقة طيبة، وعززها بثلاث كتائب مساعدة رابطت على الحدود الاثيوبية النوبية عند سويتى اسوان، كما وزع أكتافيوس ثلاث كتائب أخرى مساعدة في بقية القطر. ومن العسير أن نتعرف على مراكزها على وجه التحديد( ).

لقد سقطت الاسكندرية في يد أكتافيوس في اليوم الثامن من شهر مسرى الموافق أول أغسطس عام 30 ق.م. ودخلت مصر في نطاق الإمبراطورية الرومانية وأصدر السناتو مجلس الشيوخ قرارا باعتبار هذا اليوم عيدا وطنيا في روما ونقطة بداية التقويم المحلى في مصر، غير أن حكم أكتافيوس لا يبدأ في الواقع إلا مع رأس السنة المصرية القديمة، أي في أول توت الموافق 29 أغسطس عام 30 ق.م.( ).

أن أغسطس قد أنهي حالة الحرب ونشر السلام في ربوع الإمبراطورية والعالم.

ولقد ظلم التاريخ تيبيريوس كثيرا فقد ظلت الفكرة عنه لقرون عديدة أنه كان شريرا بل أن خلفائه من أمثال كاليجولا ونيرون سلكوا مسلكه، وقد علل أحد علماء النفس التاريخي واسمه الدكتور مارانون في كتاب المشوق (تيبيريوس: دراسة الكراهية)، بأن مصدر هذه الكراهية هو التأثير الثقافي المسيحي الذي شكلت تفكير العصور الوسطى وطلائع العصر الحديث إذ ظلم المسيحيون تيبيريوس إذ قام السيد المسيح في عهده رسالته السماوية في فلسطين، ثم حدث له ما حدث في حضور يونتيوس بيلاطس الحاكم الروماني لبيت المقدس الذي لم يكن في قدرته أن يفعل شيئا ضد إلحاح الكهنة اليهود( ).

وعلى الرغم من أن الرواية اليهودية قد بالغت مبالغة واضحة في إظهار عطف أغسطس على اليهود إلا أنها صمتت صمتا عجيبا إزاء فرض ضريبة الرأس عليهم حتى أنه ليبدو أن المصادر الأدبية كانت تتعمد إخفاء هذه الحقيقة لكي لا تنتبه الأذهان إلى وضعهم الحقيقي، وقد حدا ذلك بتشير يكوفر إلى القول بأن اليهود أظهروا سخطهم على أغسطس من الإدارة الرومانية بقيام بعض دعائمهم بكتابة السفر الثالث من كتاب المكابيين الذي سجل فيه غضبة اليهود من جراء فرض هذه الضريبة عليهم ولا سيما أنها كشفت عن حقيقة وضعهم في المدينة.

وإذا سلمنا بوجهة نظر هذا المؤرخ ونحن نميل إلى الاخذ بها فإن معنى ذلك أن تاريخ هذا الكتاب لا يمكن أن يرجع إلى ما قبل عصر أغسطس، وأن اليهود قد ظهروا حقيقة مشاعرهم تجاه الحكومة الرومانية لكنهم كانوا أفطن من ذكرها بالذات فنسبوا الضريبة إلى بطليموس الرابع وصبوا عليه جام غضبهم فكانوا يجدون متنفسا لغيظهم عن الالتقاء في بيعهم لقراءة هذا الكتاب. وهكذا بينما كان اليهود في السر يلعنون الرومان كانوا في الجهر يسبحون بحمدهم ويظهرون الولاء لهم. وكان اليهود لا يكترثون بشعور جيرانهم بقدر ما يحرصون على إرضاء السلطة الممثلة في الوالى( ).

وهكذا عنى اليهود الأهوال والتشريد ما عانوا وحرم عليهم دخول المدينة المقدسة وتلفتوا حولهم خائفين، فاقدين الثقة في روما يراودهم الآمل في النجاة من العذاب الذي قاسوه على يد السلطات الرومانية وكانوا يبدو في نظر العديد من اليهود أن حكم روما جزء من انتصار الشر القصير الأجل الذي سيقضى عليهم إما بتدخل الله نفسه، أو أن يرسل الله إلى الأرض مخلصا أو مسيحا ليخلصوا من براثن الطغاة ويرفع عنهم نير الذل والعذاب. وتقول أسفار الرؤيا أن هذا المنقذ أو المخلص لن يكون غيابه وأنه حين ينتصر على الطغاة سيرتفع الى الجنة كل العادلين والفقراء والمظلومين، حتى من كان منهم في جوف القبور ليتمتعوا فيها بالنعيم الأبدي( ).

وبالنسبة لليهود فقد جرت سياسة الإمبراطور قبلهم على النحو التالي( ).

- تم إخضاع يهود الاسكندرية جميعا لضريبة الرأس يؤدونها كاملة غير منقوصة.

- اقر الامتيازات التي اكتسبتها جالية اليهود في الإسكندرية منذ عصر البطالمة.

- أقر حق اليهود في تطبيق قوانينهم شريعة موسى داخل جالياتهم.

- سمح لهم بتشكيل مجلس شيوخ.

وتبين للباحث أن الإمبراطور مساوى في المعاملة بين الفريقين بمعنى أنه اعترف بما لهما من الحقوق المكتسبة ثم اتخذ من الاجراءات ما يتمشى مع النتيجة المنطقية لهذا الوضع وما يكفل دعم السيادة الرومانية، فقد اعترف بما كان لليهود من حقوق وامتيازات وسمح لهم بتشكيل مجلس للشيوخ ليباشر تنظيم معاملاتهم وأحوالهم الشخصية، ولما كان اليهود لا يتمتعون بحقوق المواطنة فإنه تمشيا مع ذلك فرض عليهم ضريبة الرأس.

وقد اعترف كذلك بوضع الاغريق الممتاز فإنه بوصفهم مواطنين إسكندريين أعفاهم من ضريبة الرأس، ولكن بسبب ما اتصفوا به الميل إلى الثورات لم يسمح لهم مجلس الشيوخ، وإن سمح لهم ما سمح لليهود بمجلس الشيوخ، يبدو أنه لم تكن أي سلطات تشريعية واحتفظ في العاصمة بقوة عسكرية كبيرة لدعم الأمن والنظام والسيادة الرومانية.

وقام اليهود بثورة كبرى، حيث تقدمت هذه الثورة عدة اشتباكات بين اليهود والإغريق من ناحية وبين اليهود والرومان من ناحية أخرى، وكان اليهود قد ساد العلاقة بين اليهود والإسكندريين حوالي أربعين عاما بعد سقوط أورشليم، ولكنه كان هدوءً ظاهريًا كالرماد يختفي تحته جذوة متقدة، ولم يأت عام 110 أو 113م حتى اندلعت شرارة الفتنة من جديد. وإذا كنا لا نعرف شيئا عن أسبابها وتم نشوب معركة انتهت بانتصار الرومان، ويبدو أن الإسكندريين اغتنموا الفرصة وتحرشوا باليهود فتجددت الاشتباكات، وفى هذه المرة اشترك ضد اليهود عدد كبير من العبيد الذين حرضهم سادتهم من الإغريق ذوى النفوذ وقاومتهم اليهود كعادتهم وأصابوا بعضهم بجروح، وازداد قلق السلطات الرومانية من أن تنقلب المشاجرات إلى معارك دامية، وقد انصب غضبها على الإغريق لأنهم عكروا صفو الأمن الذي انقلب بعد هزيمة اليهود واخلادهم للسكينة، لذلك اتخذت اجراءات حازمة إن لم تكن صارمة ضد مثيري الشغب من العبيد وسادتهم، واحتج الاغريق وحازوا بالشكوى، وإذا صدق ما جاء في البردية فإن الإمبراطور أرسل قاضيا خاصا للتحقيق في الموضوع، غير أن البردية ممزقة كثيرة الفجوات ويكتنفها غموض شديد ترتب عليه تشعب كبير في الآراء.

ولعل هذه الاحتكاكات كانت مقدمات لثورة اليهود، فقد أخذت علاقة اليهود والرومان في التدهور السريع بعد ثورتهم في فلسطين عام 66م وتدمير معبدهم الرئيس بأورشليم عام 70م بإرغام اليهود على دفع ضريبة الدينارين لمعبد الإله جوبتير في روما بدلاً من دفعها لمعبد أورشليم، وقراره الآخر بتدمير معبد أويناس في لينتوبوليس بمصر، وهو قرار لم يتخذ بحذافيره وإغلاق ذلك المعبد نهائيا حتى عام 72م ومصادرة جميع ممتلكاته.

ومنذ ذلك الحين تغيرت سياسة الرومان إزاء اليهود بوجه عام وقلبوا لهم ظهر المجن وساء ظنهم فيهم باعتبارهم طائفة مثيرة للشغب، وكان الرومان من قبل يؤثرونهم بالعطف ويرعون حقوقهم ويكفلون لهم حرية العبادة وإن صدقت أعمال الاسكندريين فإن الحكومة الرومانية كانت تتخذ منهم مخالب للتنكيل بغيرهم من الطوائف( ).

وانتشرت الجاليات اليهودية في مصر وازدهرت فقد سمح لهم بأن يعيشوا وفقا لتعاليم دينهم ورغم أنهم استمروا في حياتهم التقليدية إلا أن اليهود لم يكونوا بعيدين عن تأثرات الحضارة( ).

ويرى الباحث أنه على الرغم من الصراع بين اليهود والمسيحيين، والذي انتصرت فيه المسيحية إلا أنهما يشتركان في إعلان كلمة التوحيد ولكن الديانة الأقدم هي اليهودية والتي ترتبط بالمكان وخاصة اندلاع الحرب مع الرومان أكثر من مرة.

وفى الحق أن سيرابيس كان مثل يهوه، رب اليهود على استعداد لنصرة قومه، فقد أظهر أية شد بها من أزر هرمايسكوس وكأنها كانت وعيدا بالانتقام الإلهي من روما، إن لم يستجيب الإمبراطور إلى الاسكندريين أو نذيرا بالثورة التي قام بها اليهود بعد سنوات قليلة أو نبوءة بتدمير معبد سيرابيس في الاسكندرية أثناء تلك الثورة( ).

لقد انتشر اليهود في بداية القرن الأول الميلادي من وطنهم في يهودا عبر البحر المتوسط وكانت هناك مجتمعات يهودية كبرى في سوريا ومصر واليونان. كانوا يمارسون دينًا مختلفًا تمامًا عن دين جيرانهم، وغالبًا ما كانوا غير محبوبين. نتيجة لذلك كانت المجتمعات اليهودية في كثير من الأحيان متماسكة لحماية أنفسهم وإيمانهم.

ويري الباحث انه اليهود كانوا يعيشون في روما منذ القرن الثاني قبل الميلاد. أيد يوليوس قيصر وأغسطس القوانين التي سمحت لحماية اليهود بالعبادة كما اختاروا. تم تصنيف المعابد على أنها كليات للالتفاف على القوانين الرومانية التي تحظر الجمعيات السرية، وتم السماح للمعابد بتحصيل الضريبة السنوية التي يدفعها جميع الرجال اليهود لصيانة المعبد. وكانت هناك اضطرابات: نفي اليهود من روما عام 139 قبل الميلاد، ومرة أخرى في 19 م وخلال عهد كلوديوس. ومع ذلك سُمح لهم قريبًا بالعودة ومواصلة وجودهم المستقل بموجب القانون الروماني.

على الرغم من أن كل طائفة يهودية كانت تعبد في كنيسها، إلا أن المعبد في القدس ظل المركز الروحي لعبادتهم. وتم إعادة بناء المعبد ثلاث مرات. الأول كان عندما تم تدميره في عام 587 قبل الميلاد من قبل نبوخذ نصر الثاني من بابل. والثاني كان عندما تم نهبه ودمره حكام يهودا الأجانب. في المرة الثالثة، قام هيرودس الكبير بإعادة بنائه في عام 20 ق.م. وكان لديه العديد من البوابات والغرف، بعضها مفتوح فقط للرجال، والبعض الآخر للنساء فقط، والبعض الآخر مخصص للكهنة.

وكان المعبد هو مكان التقاء المجلس اليهودي، المسمى سنهدرين. كما عقدت الكتب المقدسة اليهودية والوثائق. وفي الخارج كان ميدان المعبد - كان هذا سوقًا، حيث يمكن للحجاج شراء حيوانات الأضحية وتحويل العملات الأجنبية إلى عملات معدنية.

وعلى الرغم من أن يهودا كان يحكمها الرومان، إلا أن المحافظين هناك مارسوا نفس النوع من التسامح الديني الذي أظهره اليهود في روما [خبير]. ومع ذلك أدى اللا لبس الروماني وعدم الكفاءة إلى جانب المجاعات والنزاعات الداخلية إلى زيادة السخط اليهودي. وفي 66 ما نفجر هذا السخط في تمرد مفتوح، وبعد أربع سنوات سحق الجيش الروماني التمرد، لكنه دمر المعبد أيضًا. تم الاستيلاء على الكنوز المقدسة وعرضها في موكب في شوارع روما.

لقد أدى تدمير الهيكل إلى تغيير طبيعة اليهودية. تم دفع الضرائب التي كانت تدفع إلى المعبد إلى روما، وقد انتهى التقليد اليهودي المتمثل في العبادة في المعبد. مع بقاء الجدار الغربي فقط من المعبد في القدس، أصبحت المعابد المحلية الآن المراكز الجديدة للديانة اليهودية.وبالنسبة للناس العاديين في الوطن اليهودي، كانت روما نوعًا من العوامل السياسية المهيمنة. على الرغم من أنهم ربما لم يروا الرومان على أساس يومي، إلا أن فرض القوة الرومانية كان بالتأكيد هناك. في حالة المملكة العميلة، كانت يهودا وحكم هيرودس وقوات هيرودوس هي الكيان السياسي. لكن الجميع عرفوا أن روما كانت القوة وراء العرش. عرف الجميع أن روما كانت مصدر كل من الثروة وأيضا مصدر بعض المشاكل التي حدثت في الدولة اليهودية. لذلك كان الواقع السياسي اليوم هو وجود قوة مهيمنة تشرف على الحياة على أساس يومي ( ).

بعد عشر سنوات من وفاة هيرودس (4 ق.م.)، أصبحت يهودا تحت الإدارة الرومانية المباشرة. تزايد الغضب من القمع الروماني المتزايد للحياة اليهودية أدى إلى عنف متقطع اندمج في ثورة واسعة النطاق في 66 م. انتصرت القوات الرومانية العليا بقيادة تيتوس أخيرًا، حيث دمرت القدس على الأرض (70 م) وهزمت آخر موقع يهودي في مسعدة (73 م). وكان الدمار الشامل للقدس والمعبد كارثية بالنسبة للشعب اليهودي. وفقًا للمؤرخ المعاصر جوزيفوس فلافيوس، فقد مات مئات الآلاف من اليهود في حصار القدس وأماكن أخرى من البلاد، وتم بيع العديد من الآلاف إلى العبودية( ).

وتُعرف الجالية اليهودية في روما بأنها أقدم جالية يهودية في أوروبا، كما أنها واحدة من أقدم المستوطنات اليهودية المستمرة في العالم، والتي يعود تاريخها إلى عام 161 قبل الميلاد. عندما جاء جايسون بن العازار ويوبوليموس بن يوهان كمبعوثين ليهودا مكابي. تم إرسال وفود أخرى من قبل حكام الحسمونيين في (139، 150 ق. م). بعد أن غزا الرومان يهودا في (63 ق. م)، تم إحضار أسرى الحرب اليهود إلى روما كعبيد، وجاء المندوبون اليهود إلى روما في مهام دبلوماسية وسافر التجار اليهود إلى روما بحثًا عن فرص عمل. بقي العديد من الذين زاروا روما وبدأ السكان اليهود في النمو( ).

وعلى الرغم من أن معاملة الرومان لليهود في فلسطين كانت قاسية في أغلب الأحيان، كانت العلاقات مع الحكام في روما أفضل بشكل عام. يوليوس قيصر على سبيل المثال كان معروفًا بأنه صديق لليهود؛ سمح لهم بالاستقرار في أي مكان في الإمبراطورية الرومانية. وفقا للمؤرخين، عندما اغتيل قيصر من قبل بروتوس في 44 قبل الميلاد، أمضى اليهود الرومان ليلا ونهارا في قبر قيصر، البكاء على وفاته. تصرف خليفته أغسطس (آب) بشكل إيجابي تجاه اليهود، وحتى قرر توزيع الحبوب حتى لا يتعارض مع السبت اليهودي. تم تأسيس اثنين من المعابد من قبل العبيد الذين أطلق سراحهم من قبل أغسطس (14 م) وأغريبا (12 قبل الميلاد). وفي الفترة الكلاسيكية، تم نفي اليهود من روما، في 19 م وفي 49-50 م. ووقع النفي الأول بسبب الاحتيال على امرأة رومانية أرستقراطية فولفيا التي انجذبت إلى اليهودية. حدث النفي الثاني بسبب الاضطرابات الناجمة عن صعود المسيحية. ومع ذلك ليس من المؤكد أن هذه التدابير قد نفذت بالكامل أو أن فترة النفي استمرت فترة طويلة ( ).

ويؤكد الباحث انه في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، أصبحت الجالية اليهودية الرومانية راسخة. غالبية المجتمع كانوا من أصحاب المتاجر والحرفيين والباعة المتجولين، لكن اليهود الآخرين أصبحوا شعراء وأطباء وممثلين. صور الشعراء الساخرين في ذلك الوقت، مثل جوفينال ومارتيال، الأنشطة الشاقة التي قام بها الباعة المتجولون اليهود والمتسولون في شعرهم. تم العثور على أدلة على أن اثني عشر كنيسا كانوا يعملون خلال هذه الفترة (وإن لم يكن في نفس الوقت) لسوء الحظ، لم يتم الحفاظ على أي من هذه المعابد.

المبحث الثاني

أهم أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس

يتناول المبحث الثاني أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس، والذي يشتمل على ثلاثة مطالب وهي:

- المطلب الأول: أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس السياسية والعسكرية.

- المطلب الثاني: أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس الادارية والتشريعية.

- المطلب الثالث: أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس الاقتصادية والاجتماعية.

المطلب الأول

أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس السياسية والعسكرية

كان الإمبراطور هو السلطة القضائية العليا في الإمبراطورية الرومانية وكان الحاكم هو السلطة العليا في كل ولاية وكان للمواطنين الرومان في سائر ارجاء الإمبراطورية الحق في الاستئناف امام الإمبراطور( ).

ولقد ولد تيبيريوس نيرو في مدينة روما وسط مأساة ضخمة، وكانت مرحلة طفولته بعيدة عن كل الناس، حيث كان يحتقر الناس، كما انه كان يمارس القسوة في كل اعدائه بشتى انواع التعذيب الا انه كان حاكم بمعني الكلمة في مراعاة كل شكليات القانون. فلقد كان يبتكر الوسائل التي تساعده علي تنفيذ القانون طبقا لهواه، وكان يمارس شتي أنواع الظلم( ).

أن تيبيريوس كان محبا لسفك الدماء ومثال سيئ للانحراف، ورغم ذلك يعد عصره من أفضل عصور الأباطرة، حيث كان يعيش الإمبراطورية في سلام وأمان على النقيض من الاباطرة الاخرين الذين فعلوا العديد من المذابح الوحشية. ولقد اطلق عليه معلمه بان (طين معجون بالدماء) وكانت نبوءته حقيقة بعد ذلك( ).

وفي عام 32 قبل الميلاد قام تيبيريوس في سن التاسعة، بتسليم تأبين والده البيولوجي في الرسترا. وفي 29 ق.م. ركب عربة النصر مع والده بالتبني أوكتافيان احتفالا بهزيمة أنطوني وكليوباترا في أكتيوم.

وفي (2عام ق. م. أصيب الإمبراطور أغسطس بمرضٍ خطيرٍ، وهدد موته المحتمل بإغراق العالم الروماني في الفوضى مرة أخرى. ويتفق المؤرخون عمومًا على أنه خلال هذا الوقت أصبحت مسألة وريث أغسطس هي الأكثر حدة، وبينما بدا أن أغسطس يشير إلى أن أغريبا ومارسيلو سيواصلان منصبه في حالة وفاته، وأصبح غموض الخلافة هو أغسطس المشكلة الرئيسية.

وردًا على ذلك يبدو أنه تم اختيار سلسلة من الورثة المحتملين من بينهم تيبيريوس وشقيقه دروس. وفي 24 ق. م. في سن السابعة عشرة، دخل تيبيريوس السياسة تحت إشراف أغسطس، وحصل على منصب القائد، وحصل على الحق في الترشح للانتخابات كرئيس مجلس إدارة وقنصل قبل خمس سنوات من السن المطلوب بموجب القانون، وقد وضعت أحكام مماثلة لذلك.

وبعد وقت قصير بدأ تيبيريوس في الظهور أمام المحكمة كمحامٍ، وكان من المفترض في هذا الوقت أنه بدأ اهتمامه بالبلاغة اليونانية. وفي عام 20 قبل الميلاد تم إرسال تيبيريوس شرقًا تحت حكم ماركوس فيبسانيوس أغريبا. واستولت الإمبراطورية البارثية على معايير الجحافل تحت قيادة ماركوس ليسينيوس كراسوس (53 قبل الميلاد) (في معركة كارهاي)، ديسيديوس ساكسا (40 قبل الميلاد)، ومارك أنتوني (36 قبل الميلاد)( ).

ولقد تولي الحكم بعد الإمبراطور أغسطس عام 14 م أربعة حكام من داخل اسرته وأهل بيته ،ولما كان هؤلاء الأباطرة الخلفاء من تيبيريوس حتي نيرو ينتمون نسبًا إمّا إلي ال يوليوس وهي عشيرة أغسطس ، أو إلي كلاوديوس نسبة إلي ابناء واحفاد الإمبراطورة ليفيا الذين أنجبتهم من زوجها الأول كلاوديوس نيرون وهو رجل من علية الأسرة الشريفة الرومانية، وعن طريق تشجيع أغسطس الزواج داخل الأسرة أصبح هناك جيلًا يجري في عروقه العشيرتين حكم بعضهم الإمبراطورة، ومن ثم فقد اثر المؤرخون ان يطلقوا علي شجرة هذه العائلة اسم الأسرة اليوليوكلاودية( ).

ولقد كان اختيار أغسطس اتيريوس لخلافته علي عرش الإمبراطورية موفقا رغم اضطراره اليه بعد وفاة ورثته الشرعيين، حيث كان تيبيريوس ابن أغسطس بالتبني، وهو ابن زوجته ليفيا من زوجها الأول كاتوديوسنيرون، ولم يستقبل تيبريوس أمر توليه العرش بالفرح والسرور بل بالزهد وعدم الاكتراث، حيث كان يبلغ من العمر 55 عام، وقد كان متمرسا علي امور الحكم والادارة بفضل اعتماد أغسطس عليه قبل وفاته في كثير من المهام والمسئوليات( ).

ولقد حصل تيبريوس على قيادته للمرة الأول وعمره 25 عاما، ولم تكن تلك القيادة عسكرية بقدر ما كانت دبلوماسية، وكانت مهمته هي ان يستعيد الشعار الروماني الذي كانت إحدى الكتائب قد فقدته في معركة مع الجيش الفارسي.

وكان الجيش قد فاجأ تلك الكتيبة بهجوم كاسح، ولقد قتل كل رجال تلك الكتيبة، ولكن ذلك لم يكن هو أسوأ ما في الأمر، وإنما كانت الكارثة الكبرى هي فقد الشعار، وكانت شعارات الكتائب عبارة عن نسور برونزية مرفوعة على أعمدة، وكانت تقوم بنفس دور البيارق والأعلام في الحروب. وكان الدفاع عن النسر حتى آخر نفس هو الواجب المقدس الذي لا محيص عنه. وكان من المحتم أن يدافع عنه حامله حتى الموت، فإذا سقط قتيلا فإن أقرب جندي منه يجب أن يتناول النسر ويرفعه ويدافع عنه بحياته وهكذا.

وكانت الكتيبة التي تخر نسرها تخسر شرفها العسكري وتتعرض لأقسى العقوبات، وقد كان بعض الضباط يستغلون مشاعر الولاء للنسر والفداء من أجله، فيبادرون إذا بدت بوادر الهزيمة بين رجالهم بقذف النسر بين صفوف العدو فكان جنودهم يندفعون في استبسال جنوني ويشقون الصفوف نحوه وينتصرون على العدو.

وكانت مهمة تيبيريوس تستمد أهميتها من أن شعار النسر كان قد فقد في روما من ثلاثين سنة، ولكن المهمة لم تكن صعبة، فقد كان هناك في روما ثائرا فارسي كان قد قاد ثورة ضد ملك فترسي، وعندما فشلت الثورة لجأ إلى روما.

ولقد طلب الفارسيون رأس الثأر الهارب في مقابل النسر، وأبرم تيبيريوس الصفقة معهم وحصل علي شعار النسر وأرسل به روما( ).

وكان تيبيريوس يتقبل مثل ذلك المزاح بروح مرحة، وكان أيضا من القادة القلائل الذين ينتهبوا إلى أهمية علاج الجنود من المرض أو الجراح، فكان يصحب معه الأطباء والأدوية أينما ذهب وكان يأمر بحمل المصابين على المحفات والعربات.

وكان تيبيريوس ينتقل على ظهور الخيل ويأبى أن يستخدم المحفة التي يحملها العبيد، وكان يأكل كالجنود وهو جالس، بينما كان نبلاء الرومان يأكلون وهم مستلقون على بطونهم، وعاد إلى روما منتصرا أو مكللا بالغار ومعه العديد من الأسري والكثير من الغنائم، وفي روما استقبله الشعب بالهتاف وبالورود وبالاحتفالات والاستعراضات، وكانت تلك هي قمة ما حصل عليه من سعادة؛ لأنه بدا بعدها يفقد عناصر سعادته واحدًا بعد الآخر.

وتزوج تيبيريوس من فيبسانيا أغريبينا، ابنة صديق حميم وأغسطس، ماركوس فيبسانيوس أغريبا. وتم تعيينه في منصب مهم، وأُرسل مع جحافله لمساعدة شقيقه في الحملات التي شنت في الغرب. بينما ركز شقيقه قواته على طول الحدود الألمانية، وحارب تيبيريوس القبائل في جبال الألب وداخل ترانسبولين الغال وقهر أعدائه. وفي 15 ق.م. اكتشف مصادر نهر الدانوب، وبعد ذلك بوقت قصير منحنى المسار الأوسط. عند عودته إلى روما في 13 ق.م.، وتم تعيين تيبيريوس كقنصل، وفي نفس الوقت تقريبًا ولد ابنه دروس يوليوس قيصر( ).

فقد كان شقيقه دروسوس يقود جيشًا في ألمانيا وكان قد أنجب طفلين ولكنه كان مبتدئًا وكان لا يجيد فن القيادة، وكان كل ما نجح فيه هو يجعل نهر الألب فاصلًا بينه وبين أعدائه، ثم وقع من فوق الحصان فأصيب بنزيف داخلي قضي عليه. ولقد وصل النبأ إلي تيبريوس بسرعة أتاحت له أن يلحق به وهو في الاحتضار، حيث قطع في الطريق إليه أربعمائة ميل في أربعة أيام وهي فترة قياسية. وأعاد تيبيريوس جثة أخية إلي روما، وهكذا يكون قد فقد واحدًا من اثنين لم يكن يحب غيرهما أخيه وزوجته، ولم تتأخر الضربة الثانية عن الوقوع( ).

وبعد عام من المفاوضات، قاد تيبيريوس قوة كبيرة إلى أرمينيا، ويفترض أن هدفها هو تأسيسها كدولة عميلة رومانية وإنهاء التهديد الذي تشكله على الحدود الرومانية الفارسية. وتمكن أغسطس من الوصول إلى حل وسط تم بموجبه إعادة المعايير، وظلت أرمينيا منطقة محايدة بين القوتين( ).

لقد تم منح تيبيريوس ما يستحقه من التكريم لانتصاراته والتقدير لمواهبه وتم منحه رتبة تعطي صاحبة امتيازات جمة وحصانة من القانون لمدة سنة إلي 5 سنوات( ).

ثم راح يبحث عن مجد عسكري آخر ،حيث اتجه نحو البرابرة على الحدود فإلى الشمال من إيطاليا كانت توجد غابات الفال الأوربية والغابات الجرمانية وغابات البابويين، وكانت كلها تحفل بقبائل ملتحية تقاتل للقتال فقط، وكان رجال تلك القبائل يلتزمون بالزوجة الواحدة، ولم يكونوا يقيمون في مدن أو قرى، وإنما كان كل منهم يقيم بأسرته حيث يشاء، وكانوا يواجهون تكتيك الحرب النظامية الروماني بتكتيك حرب العصابات، فكان يظهرون فجأة ويختفون فجأة وكانوا يهددون الجيوش الرومانية دائمًا، وفي عام 12 ق.م طلب تيبيريوس لنفسه قيادة القوات المقاتلة في بانونيا وأجيبالي طلبه، وأصبح جنرال .

وكانت بانونيا تقع على الشاطئ الشرقي من البحر الأدرياتيك، حيث توجد يوغسلافيا وبلغاريا الآن، وكانت الحرب ضد البانونيين شبيهة بالحرب ضد الدخان، فقد كانوا يختفون في الغابات، وفجأة كانت تنطلق سهامهم فتجرح وتقتل بغير أن يستطيع أحد أن يحدد مصدرها أو يصل إلى رُماتها.

وللتغلب على البابويين كان علي القائد أن يكون حذرًا وجريئًا في آن واحد وأن يكون مَرِنًا وسريعًا في إصدار قرارته، وكان تيبيريوس كذلك، فقد كان في غاية الحذر من الكمائن والفخاخ، ولكنه كان سريعًا ومبادرًا في مطاردة العدو الهارب، وكان يكبح جماع قواته حتى تحين اللحظة المناسبة فيضرب بقوة على أوسع نطاق. وبذلك وَطَّد قواته مكانته كقائد عظيم. كما انه استطاع للمرة الوحيدة في حياته ان يكون محبوبًا. فقد كان يعيش حياته عيشة متواضعة بين جنوده ويشاركهم في متاعبهم ولا يميز نفسه عنهم بمظاهر الرفاهية التي كن يتمسك بها القواد والآخرون، وكان ضباطه يألفونه ويمازحونه، حتي أطلق عليه بعض الضباط الصغار لقب بيريوس ومعناه شارب النبيذ النقي الغير ممزوج بماء( ).

ودخل أوكتافيوس وجيوشه المنتصرة إلى الإسكندرية سنه 30 قزم وانتحر ماركوس أنطونيوس ثم كليوباترا وأصبحت مصر رسميًا تحت الحكم الروماني وأعلن الإمبراطور أغسطس ضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية.

وكان تيبيريوس أحد أعظم الجنرالات الرومان؛ قام بغزو بانونيا، دالماتيا، ريتيا، وأجزاء من ألمانيا، ووضع الأسس للحدود الشمالية. ومع ذلك أصبح تذكره كحاكم مظلم، منعزل وكئيب لم يرغب أبدًا في أن يكون إمبراطوراً؛ وصفه بليني الأكبر بأنه "أكثر الرجال كآبة". وبعد وفاة نجله دروسوس يوليوس قيصر في 23م، أصبح تيبيريوس أكثر عزلة وانعزالية. في عام 26 بعد الميلاد، وقام بنقل نفسه من روما، وترك الإدارة إلى حد كبير في أيدي محافظتي بريتي وريان عديمي الضمير لوسيوس أيليوس سيانوس وكينتس نيفيوس سوتوريوس ماكرو. وعندما توفي تيبيريوس، خلفه ابن أخيها واعتمد حفيده، كاليجولا( ).

وفي عام 6 قبل الميلاد كان على وشك قبول القيادة في الشرق ويصبح ثاني أقوى رجل في روما، وأعلن تيبيريوس فجأة انسحابه من السياسة وتقاعد إلى رودس. أن الدوافع المحددة لانسحاب تيبيريوس غير واضحة. وقد تكهن المؤرخون بعلاقة مع حقيقة أن أغسطس قد تبنى أبناء جوليا من قبل أغريبا، غايوس ولوسيوس، ويبدو أنهم كانوا يتحركون معهم على نفس المسار السياسي الذي طغى عليه تيبيريوس ودروس.

واجتمع مجلس الشيوخ في 18 سبتمبر، للتحقق من صحة موقف تيبيريوس كأمير من الأمراء، وكما فعل مع أغسطس من قبل، وسّع نطاق صلاحيات المنصب إليه. وهذه الإجراءات محسوبة بالكامل من قبل تاسيتوس. كان لدى تيبيريوس بالفعل السلطات الإدارية والسياسية للأمراء، فكل ما افتقر إليه هو الألقاب - أغسطس الذي أنقذ حياة المواطنين الرومانيين.

على أية حال، حاول تيبيريوس لعب نفس الدور الذي لعبه أغسطس: دور الموظف العمومي المتردد الذي لا يريد سوى خدمة الدولة. وانتهى الأمر بإلقاء الأمر برمته على الارتباك، وبدلاً من التواضع صادفه سخرية؛ وبدلاً من الظهور أنه يريد خدمة الدولة فقد بدى معيقًا. واستشهد بعمره كسبب لعدم تمكنه من التصرف كأمير، وقال إنه لا يرغب في هذا المنصب، ثم شرع في طلب جزء فقط من الولاية. وأخيرًا تبخّر تيبيريوس وقَبِل السلطات التي صوتت له، على الرغم من أنه طبقًا لتاسيتوس وسويتونيوس، فقد رفض تحمل ألقاب باتر باتريا، والإمبراطور، وأغسطس، ورفض أكثر الرموز صلابة للأمراء والتاج المدني والأعيان.

ومع أن تيبيريوس كان في السادسة والخمسين من عمره حين تولي العرش فإنه كان في أوج صحته وكان ما يزال محتفظًا بصفاته الأصلية؛ الصمت والانطواء والمشية البطيئة ورأسه منحني إلى الأمام، ولكنه كان هو الإمبراطور وكان هو قمة السلة ولم يكن فوقه أحد من البشر وكان يملك كل ما يحلم به الروماني من سلطة وثراء ومتعة.

وكان يحضر اجتماعات السناتو فقد كانت مظاهر النظام الجمهوري ما زالت باقية وكان الإمبراطور يعتبر سناتورًا وكان عليه أن يؤدي دوره في السناتو بهذه الصفة وكانت دار السناتو هي أيضًا دار القضاء فكان عليه أن يحضر المحاكمات وأن يراسها وأن يساهم فيها في أحياء أخري كمدافع أو مدعي( ).

ويبدو أن هذا الاجتماع قد حدد النغمة لقاعدة تيبيريوس بأكملها. ويبدو أنه تمنى لو أن مجلس الشيوخ والدولة يتصرفان ببساطة بدونه، وكانت أوامره غامضة إلى حدٍّ ما، مما ألهم النقاش حول ما يعنيه فعليًا أكثر من إقرار تشريعه. وفي السنوات القليلة الأولى من حياته، بدى أن تيبيريوس أراد أن يتصرف مجلس الشيوخ بمفرده، و بدلاً من أن يكون خادمًا لإرادته كما كان الحال في أغسطس. وفقا لتاسيتوس، سخر تيبيريوس من مجلس الشيوخ باعتباره "رجلا لائقا ليكونوا عبيدا"( ).

وجاءت سلالات الإمبراطورية الرومانية في التسلسل الزمني لها كما يلي( ):

- أغسطس 27 ق. م. - 14 م.

- تيبيريوس 14-37.

- كاليجولا 37- 41 ميلادي.

- كلوديوس41 - 54 ميلادي.

- نيرو54-68 ميلادي.

وقد قام بالعديد من الحملات فيما بين (1 ق. م.- 6 ق. م.) وفي 6 ق. م.، أطلق تيبيريوس حركة كماشة ضد ماركوماني عند الخروج من الشمال الغربي من كارنتونوم على نهر الدانوب بأربعة جحافل، ومرّ تيبيريوس عبر أراضي قاضي لغزو أراضي ماركوماني من الشرق. وفي هذه الأثناء كان الجنرال غايوس سينتوس ساتورنينوس يغادر الشرق من موغونتيكوم على نهر الراين مع اثنين أو ثلاثة جحافل، ويمر عبر أراضي هرمندوري التي تم ضمها حديثًا، ويهاجم الماركوماني من الغرب. لقد كانت الحملة ناجحة للغاية، ولكن لم يستطع تيبيريوس إخضاع ماركوماني؛ لأنه تم استدعاءه سريعًا إلى حدود رهيني لحماية غزوات روما الجديدة.

ولقد قام الإمبراطور تيبيريوس بسلسلة من الحملات الحربية الناجحة في أرجاء أروبا، كما شغل العديد من المناصب الإدارية في الحملات العسكرية، ورغم كل ذلك لم يكن سعيدًا في حياته، كما أنه لم يكون حاكم محبوب من المواطنين( ).

وعاد إلى روما وكان القنصل للمرة الثانية في 7 قبل الميلاد، وقد كان في 6 قبل الميلاد تم منح السلطة التريبونية والسيطرة في الشرق، وكلها تعكس المواقف التي شغلها سابقًا، وعلى الرغم من هذه النجاحات وعلى الرغم من تقدمه، لم يكن تيبيريوس سعيدًا( ).

وعلى يدي تيبيريوس بدى السلام الروماني فقد كانت الجمهورية قد دفعت بكتائب الليجيون غطن معظم حدود العالم المعروف وقتها، وكان يوليوس قيصر وأغسطس قد استأنفا الغزو حتى مناطق القبائل المتبربرة، كما أنهما اشتملا الكثير من الحروب الاهلية والمعارك الداخلية.

وقد وضع تيبيريوس نهاية لكل ذلك وأعلن أنه لا غزو ولا توسع بعد اليوم، ولم تكن أسباب ذلك القرار عسكري فقد كان تيبيريوس من الشجاعة ومن الدراية بفنون الحرب بحيث لم يكن يخشاها، وإنما كانت أسبابه اقتصادية فقد كان يريد لقوات الاحتلال الروماني أن تستقر في المستعمرات وأن تحمي عملية جباية الضرائب وتؤمنها، كما أن أي حروب جديدة كانت جديرة بأن تكلف الخزانة غالبا( ).

ولقد كان من أهم نتائج تنظيمات أغسطس سواء في الإمبراطورية الرومانية عامة أو مصر خاصة، بعد أن عم الهدوء والسلام في سائر الولايات وخاصة مصر، فرأى تيبيريوس عدم الحاجة إلى كل تلك القوات الرومانية في مصر، فقام بسحب إحدى الفرق الثلاثة المعسكرة في مصر عام 23 م.

ولما كان تيبيريوس يجمع جزية كبيرة من المصريين تزيد عن الجزية المقررة عليهم قائلا له: أنني أرسلتك لكي تَجِزَّ غنمي لا لكي تسلخها.

ولم يثق مجلس الشيوخ من حكم الإمبراطور تيبيريوس في السنوات الأولي من حكمه، حيث قام بالكثير من الإصلاحات وخاصة أن فترة حكمه كانت ملئ بالسلام والنجاح، وقد توفي وعمره 78 عام( ).

وبعد وفاته رفض مجلس الشيوخ التصويت على تيبيريوس على الألقاب الإلهية التي تم دفعها لأغسطس، وملأ الغوغاء الشوارع؛ حيث يتم عادةً رمي جثث المجرمين في النهر، بدلاً من دفنها أو حرقها. ومع ذلك تم إحراق الإمبراطور، ووضع رماده بهدوء في ضريح أغسطس.

ويأتي رأي الباحث في أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس السياسية والعسكرية:

ففي الحياة السياسية: في مسيرته المدنية المبكرة دافع تيبيريوس عن المحاكمة أمام مجلس الشيوخ ومحاكمته. تضمنت النجاحات التي حققتها في المحكمة تأمين تهمة الخيانة العظمى ضد فانيوس كايبيو وفارو مورينا. وقام بإعادة تنظيم إمدادات الحبوب، وحقق في مخالفات في ثكنات العبيد حيث تم احتجاز الأشخاص الأحرار بشكل غير صحيح وحيث تظاهر المتهربون من العبيد على أنهم عبيد. ارتفعت مهنة تيبيريوس السياسية: فقد أصبح محاميًا، ومديرًا، وقنصلًا في سن مبكرة، وتلقى سلطة منبر لمدة خمس سنوات( ).

وأما الإنجازات العسكرية المبكرة( ):

- كانت الحملة العسكرية الأولى التي قام بها طبريا ضد الكانتابريان.

- ذهب إلى أرمينيا حيث أعاد تيجران إلى العرش.

- جمع المعايير الرومانية المفقودة من محكمة بارثيان.

- تم إرسال تيبيريوس ليحكم بلاد الغال "ذات الشعر الطويل" وقاتلوا في جبال الألب وبانونيا وألمانيا.

- أخضع مختلف الشعوب الجرمانية وأخذ 40.000 منهم كأسرى. ثم استقر لهم في منازل في بلاد الغال.

- تلقى تيبيريوس ترحيبًا وانتصارًا في 9 و7 قبل الميلاد. وفي 6 قبل الميلاد، كان مستعدًا لقبول قيادة القوات الرومانية الشرقية، ولكن بدلاً من ذلك، على ما يبدو أنه في ذروة القوة، تقاعد فجأة إلى جزيرة رودس.

الإنجازات العسكرية في وقت لاحق والصعود إلى الإمبراطور( ):

- تم منح تيبريوس السلطة التجريبية لمدة 3 سنوات، وخلال هذه الفترة ستكون مسؤولياته تهدئة ألمانيا وقمع الثورة الإيليرية. وانتهت عملية التهدئة الألمانية بكارثة في معركة غابة تيوتوبورج (9 م)، وعندما قام تحالف من القبائل الجرمانية بتدمير ثلاثة جحافل رومانية ومساعديهم، بقيادة بوبليوس كوينكتيليوس فاروس.

- حقق تيبيريوس إخضاعًا كاملًا للإليريين، والذي تم انتصاره عليهم.

- قام بتأجيل الاحتفال بالانتصار بدافع الاحترام لكارثة فاروس في ألمانيا: ولكن بعد عامين آخرين في ألمانيا، قام بتسوية الأمور ووضع مأدبة فخمة مع 1000 طاولة مع بيع غنائمه، واستعاد معابد كونكورد وكاستور وبولكس.

ويؤكد الباحث علي أنه في عام12 م منح القناصل طبريا سيطرة مشتركة على المقاطعات (الأميرية المشتركة) مع أغسطس. وعندما توفي أغسطس قام تيبيريوس بصفته منبرًا بعقد مجلس الشيوخ حيث قرأ أحد الأحرار قرأ أغسطس "تيبيريوس ليصبح خليفة له. دعا تيبيريوس المديريين لتزويده حارس شخصي لكنه لم يأخذ لقب الإمبراطور على الفور ولا حتى لقبه الموروث في أغسطس.

ويري الباحث أنه لو توفي قبل 23 م، لكان قد تم الترحيب به كحاكم مثالي. على الرغم من التوصيف السلبي الغالب الذي تركه المؤرخون الرومان، ترك تيبيريوس الخزانة الإمبراطورية مع ما يقرب من 3 مليارات من الخُطافات عند وفاته. بدلاً من الشروع في حملات غزو مكلفة، واختار تعزيز الإمبراطورية الحالية من خلال بناء قواعد إضافية، باستخدام الدبلوماسية والتهديدات العسكرية، والامتناع عمومًا عن الانجذاب إلى صراعات صغيرة بين طغاة الحدود المتنافسين.

وأن الأكثر إثارة في رواياته هي أكثر أقسام السيرة شهرة في الخوض في العديد من الفجوات المزعومة التي قام تيبيريوس بها. ومع ذلك يتم الاحتفاظ أيضًا بالثناء على تصرفات تيبيريوس خلال فترة حكمه المبكرة، مشددًا على تواضعه.

وفى الواقع أن النظام السياسي الذي وضعه أغسطس (27 ق.م – 14م) يعتبر حلًا وسطًا بين النظامين الملكي الاستبدادي والجمهوري الدستوري، ذلك أنه كان أمام أغسطس أن يختار بين نظامين للحكم.

الأول: نظام قيصر الذي قام على أساس حكم عسكري يعترف فيه جميع الناس سواء في إيطاليا أو الولايات بالطاعة العمياء لسيدهم الأعلى.

والثاني: نظام الحكم الجمهوري الذي يقر أهمية المواطنين الرومان في إيطاليا والولايات إلى جانب الاعتراف بسلطة قائد القوات المسلحة في الدولة. وهنا لجأ أغسطس إلى التوفيق بين النظامين، أي بين الزعامة العسكرية التي ورثها عن أسلافه والتي أضحت ضرورية للمحافظة على سلامة الإمبراطورية وأمنها وصالحها العام، وبين رغبة المواطنين الرومان في الاحتفاظ بمكانتهم الممتازة على الأقل في الميدانين الاجتماعي والاقتصادي، وإن لم يكن في الميدان السياسي، وهكذا نبذ أغسطس حكم قيصر المطلق ولكنه ركز في يد الإمبراطور معظم السلطات التي إعتاد أن يباشرها كبار الموظفين في العصر الجمهوري، وبخاصة القيادة الحربية التي انتقلت من أيدى القناصل إلى يد الإمبراطور، وإذا كان السناتو قد ظل محتفظًا بهيبته ومكانته القديمة في ظل النظام الجديد، إلا أن سلطاته التشريعية والقضائية والإدارية تناقصت بصورة واضحة، كما أصبح يتألف من أعضاء يختارهم الإمبراطور من مختلف أنحاء الإمبراطورية على الإطلاق بعد أن كان في العصر الجمهوري يمثل أقلية ممتازة محدودة مما جعل الطبقة السناتورية تعتمد على أغسطس اعتمادا تاما( ).

ويرى الباحث أنه بعد تولى تيبيريوس الحكم منذ عام 14م وحتى 37م حيث كانت تلك الفترة لا تزال تنعم بالإطار الأغسطسي في كافة جوانبها، وعلى الرغم من الشخصية القوية وسياسة الحزم التي اتبعها تيبيريوس في إدارة البلاد إلا أنه كان يفتقد دائمًا لدرب أغسطس في إحكام السيطرة والخضوع الكامل للجميع.

لقد حكم الرومان مصر حوالى سبعة قرون بدأت في عام 30 ق.م بعد انتصارهم على كليوباترا في موقعة أكتيوم، وانتهت في عام 641م بعد هزيمتهم في موقعة حصن بابليون على يد عمرو بن العاص( ).

ويرى الباحث أن روما قد عمدت إلى قوتها العسكرية في كثير من المناسبات على الرغم من أن العلاقة بين روما وجيرانها كان يحكمها القانون أو بالأحرى العرف المبدئي الذي ترتبط فيه كل منطقة بألا تغير على جيرانها دون تبرير شكلي على الأقل ودون أن تعلنها بالكل في وقت مناسب.

ولقد تمتعت روما بمورد بشرى خصب يسمح لها بالتفوق العددي في القوة العسكرية على المدن الأخرى التي في مساحتها ومن باب أولى على المدن التي تقل عنها في المساحة.

المطلب الثاني

أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس الإدارية والتشريعية

لقد كان من الطبيعي أن يكتسب تيبيريوس الصبغة الدينية التي تمنحها روحانية دينية مثل أغسطس تقربه من المجتمعات الشرقية في الإمبراطورية، كما أنها تجعله في نظر المجتمع الروماني في حماية الآلهة ومثل تمثاله على هيئة كبير الآلهة جوبتير في وضعية تقترب من المواطن العادي الذي يرتدى التوجا بعيدًا عن الملابس العسكرية ويبدو أنها كانت بالفعل شخصية تيبيريوس البعيدة عن التقاليد الملكية( ).

التغيير في ثروات: عندما بدا سيجانوس جاهزًا للاستيلاء على السلطة لنفسه، فقد كان خطأً فظيعًا في 31 م، انقلب تيبيريوس ضده لصالح كاليجولا، الابن الوحيد الباقي للجرمانيكوس. وبعث برسالة سرية إلى مجلس الشيوخ يدين فيها سيانوس. قبضوا عليه وخنقوه وألقوا جثته في نهر التيبر.

ولم تتخذ الحكومة الرومانية أي اجراء تجاه حماية صاعة ايطاليا وحدها على حساب المراكز الصناعية في كل أنحاء الإمبراطورية، فكان كل فرد له حق تأييد أي صنعة وينسبها لنفسه دون أي قيد على ذلك، ولعل السبب في ذلك مرجحة أن الصناعة ما زالت محبوسه في داخل البيوتا والحوانيت الصغيرة، ولم تتخذ صورة الصناعة الكبرى التي لها نفوذ في مجال الحكم والسياسة، أو كما هو حادث في العصر الحالي.

ولم يكن لإيطاليا في ذلك الوقت خطط أو مناهج محددة بخصوص الاقتصاد، وإن تركوه وشأنه من حيث تطوره أو خضوعه للعوامل الطبيعية، وكانت الحالة الاقتصادية في روما وإيطاليا في ذلك الوقت سيئة من وجهة نظر علماء الاقتصاد، حيث كانت الصادرات أقل من الواردات بكثير جداً، واستوردوا كل شيء من جميع أنحاء المعمورة حتى من الصين، هذا إلى جانب النشاط الحركي بين ولايات الإمبراطورية ذاتها.

وعلى الرغم من الازدهار الاقتصادي التي ساد الإمبراطورية في القرن الأول الميلادي إلا أن التدهور الاقتصادي بدأ في إيطاليا وروما وبقية أنحاء الإمبراطورية تدريجيا منذ النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، وقد يكون السبب في ذلك هو أن الدولة رعت مصالحها على حساب مصلحة الأفراد، أي تراجع اهتمام الدولة بمصالح الأفراد وازدادت عليهم المسئولية المالية تجاه الدولة التي ضغطت ضغطًا عنيفًا مما أدى إلى الإهمال وتفشي التسيب وعدم الرغبة في الإنتاج( ).

لأن عمل الفلاح الإيطالي على رفع إنتاجية أرضه فكان يترك جزءًا من أرضه للشمس والهواء لتجديد الخصوبة، وكذلك عرفوا كيفية اختيار التقاوي وانتقائها وطريقة تخزينها حتى لا تفسد، وكذلك تعلم تطعيم أشجار الفاكهة مما أدى إلى تحسين أنواعها وجودة أصنافها. وفى هذا العصر الإمبراطوري استفادت زراعة إيطاليا من زراعة بقية الإمبراطورية، فلا شك أنهم استفادوا من الطرق الزراعية من مناطق متقدمة في الزراعة كمصر وغيرها، وكذلك نقلوا أنواع من الزراعات والفاكهة والخضر إلى إيطاليا كالمشمش والكرز والكرم والبرقوق والخوخ والجوز والبندق إلى بلادهم وبرعوا في زراعتها.

وكانت الصناعة في إيطاليا صناعة منزلية شأنها في ذلك شأن كل المجتمعات في هذه الأزمة واعتمدت الصناعة على ما تشبه الزراعة ويضعه الفلاح، كما ازدهرت صناعة الخزفيات والأدوات البرونزية والفضية( ).

لقد كان الرومان على دراية تامة بأهمية مصر السياسية والاقتصادية للإمبراطورية الرومانية، وذلك بسبب وفرة المنتجات الزراعية والأنشطة الاقتصادية الضخمة. حيث أن مصر كان لها الوضع السياسي المميز في المنطقة وذلك عن سائر الولايات الرومانية الأخرى. وربما كانت وظيفة حاكم الإقليم قديمة وبدأت مع تقسيم مصر إلى أقاليم يأخذ كل إقليم منها رمزًا مميزًا، ولكن اختلفت سلطة حاكم الإقليم عبر العصور المختلفة، كما تباينت سلطته في الأقاليم المختلفة( ).

وقد جمعت أعضاء هذه العائلة في أيديهم السلطات الدينية والعسكرية والإدارية خاصة في عهد الإمبراطور، حيث أصبحت الإمبراطورية تحت تأثير هذه العائلة( ).

ولوضع سياسة للإمبراطورية سليم وعادل أمر أغسطس بإجراء تعداد عام للسكان مع تقدير ممتلكاتهم في المناطق الجديدة، ومراجعة قوائم التعداد في كل ولايات الإمبراطورية، وكلف أجريبا بعمل هذا الاحصاء الشامل للإمبراطورية كلها.

وقد أعاد أغسطس توزيع الولايات السناتورية والإمبراطورية تبعا لمصلحة الإمبراطورية العامة، فنجد أنه يحكى عن بعض ولاياته مثل غالبة ناريوفنسيس وكذلك بايتيكا وسلمهما للسناتو في عام 2 ق.م؛ لأنه يرى أنها أصبحت جزءًا من إيطاليا، حيث تطورت تطورًا كبيرًا مثل إيطاليا ولقد تولى حكم الولايات الإمبراطورية مندوبين أو نوّاب عن أغسطس، وكان يختار أغسطس مندوبين للولايات الإمبراطورية المهمة، حيث يتواجد فيها حاميات من الفرق الرومانية من بين أعضاء مجلس الشيوخ، الذين سبق لهم تولى القنصلية أو البريتورية دون الالتزام بسنوات معينة بعد اعتزالهم العمل في روما، وقد سماهم جميعًا بلقب واحد وهو نائب أغسطس البريتوري، وكانت بعض حكام الولايات يختارون من بين طبقة الفرسان ويحملون لقب برايفكتوس ومن هذه الولايات مصر ومن بين هذه الموظفين ما يلى( ):

- قواد الفرق الرومانية.

- بروكوراتور أغسطس ويتولون الشئون المالية في الولايات ويختارون بواسطة الإمبراطور شخصيًا من بين طبقة الفرسان ولك يكونوا خاضعين لحكام الولايات بل كانوا رقباء عليهم.

أن حكام وموظفو الولايات الإمبراطورية ليس لهم مدة معينة للحكم وبقائهم مرتبط بأمر أغسطس شخصيًا وقد ينقلهم إلى مناصب أخرى وأصبح لحكام الولايات الإمبراطورية أجورًا ثابتة.

وكما سبق وتولى الإمبراطور توجيه السياسة الخارجية للدولة الرومانية وكان يبذل قصارى جهده للدفاع عن هذه الإمبراطورية وصيانة السلام. ولذلك نجده يدمج في الإمبراطورية مناطق متاخمة لحدود الإمبراطورية حماية لهذه الحدود، وقد يقيم دولا حاجزة يؤسسها بين الولايات الرومانية والشعوب المجاورة لتمنع اعتدائهم على حدود الإمبراطورية.

ويتولى حكم الولايات السناتورية بريتور سابق أو قنصل سابق على أن يكون قد مضى على ترك وظيفته القنصلية عشر سنوات وخمس سنوات على ترك البريتورية، وسواء كان المختار لحكم الولايات بريتور سابق أو قنصل سابق، فإنه كان يلقب بلقب بروقنصل، وكان يختارون القرعة، ولا تقل مدة حكمه عن عام، ولم يكن يتولى حكم ولايتي آسيا وأفريقيا سوى قنصل سابق تولى قليلا القنصلية فعلا( ).

ويرى الباحث أنه فالبداية احتقر تيبيريوس المحتقرون، وتدخلوا في شؤون الدولة للتحقق من التجاوزات والتجاوزات، وألغوا الطوائف المصرية واليهودية في روما، ونفى المنجمون. وقام بتوحيد الكوريين من أجل الكفاءة، وسحق أعمال الشغب في المدينة، وألغى حق الملجأ. ومع ذلك تحولت فترة حكمه إلى الحزن عندما اتهم المخبرون الرجال والنساء الرومانيين بالكثير، حتى الجرائم السخيفة التي أدت إلى عقوبة الإعدام ومصادرة ممتلكاتهم. في 26م، نفي تيبيريوس نفسه إلى كابري تاركًا الإمبراطورية.

وفي كابري توقف تيبيريوس عن الوفاء بالتزاماته المدنية ولكنه بدلاً من ذلك شارك في أعمال فظيعة. الأكثر شهرة هو تدريبه على الأولاد الصغار ليكون بمثابة غزال صغير أو "عازف"، لمطاردته عندما ذهب للسباحة في حمام السباحة الإمبراطوري، وقضم بين ساقيه. اشتعلت خط تيبيريوس المنتقم والانتقام من المقربين السابقين له سيانوس المتهم بالتآمر ضد الإمبراطور. وأعدم سيانوس بتهمة الخيانة في 31 م. حتى تم تدميره، وكان الناس يلومونه على تجاوزات الإمبراطور ولكن مع وفاته استند اللوم على تيبيريوس فقط. استمرت الإمبراطورية في العمل دون مساهمة مباشرة من الإمبراطور الذي بقي في كابري( ).

وفي عام 10 تم تعيينه مع أوجستس ولم يثر الحماس الشخصي الذي كان شاقًا وسريًا بطبيعته، وأهتم بالإهمال الذي سمح له والده بعلاجه، حتى وقت قريب وصفه المؤرخون بأنه طاغية دموي. خلال السنوات الستين الماضية فقط، تم الحكم عليه بشكل أكثر عدلاً، وفي الوقت الحالي بدأ الرأي يسود أنه كان رومانيًا حقيقيًا حاكمًا مخلصًا لواجباته، عادلًا، حكيمًا، بذاته. في سياساته الداخلية خاصة أنه أحد الأباطرة الرومان الأكثر تميزًا. مثل أغسطس قام بإصلاح وتحسين كل إدارة حكومية، وعزز في كل اتجاه ازدهار الإمبراطورية التي وضع أغسطس الأساس لها. ولقد طور القوة الإمبريالية من خلال رفضه لتجديد سلطته من وقت لآخر من قبل مجلس الشيوخ كما فعل أغسطس. وكانت المعارضة القوية التي نشبت ضده بسبب تصرفاته الضمنية والاستبدادية، وتأثير محافظ الحارس إليوس سيانوس الذي كان يمتلك وحده ثقته. اضطهاد وإعدام القساوسة التي ازدادت بسرعة خلال النصف الثاني من حكمه، والكآبة التي سادت روما دفعت طبريا إلى مغادرة العاصمة تمامًا في عام 26 والعيش جزئيًا في كامبانيا وجزئيًا في جزيرة كابري.

وقبل هذا التاريخ كان السؤال عن خلافة الإمبراطورية قد أدى إلى مأساة عائلية رهيبة عند زواجه الأول، كان لتيبيريوس ابن يدعى درسوس، في حين أن زواجه الثاني من جوليا غير الأخلاقي ابنة أغسطس، وكان بلا أطفال. بعد وفاة ابن أخته سيجانوس 19 م، والذي كان قد اضطر إلى اعتماده في أغسطس من أجل استبعاد ابنه، وأعرب عن أمله في تأمين الخلافة لدروس. تشكلت دسيسة منخفضة ضد هذه الخطة، التي شاركت فيها زوجة درسوس ليفيا، والتي كانت لها علاقات غير مشروعة مع سيجانوس. في العام 23 تسمم دروس من قبل سيجانوس. ومع ذلك عندما شكل سيانجوس مؤامرة في 31 من عمره لتأمين العرش لنفسه، تم تحذير تيبيريوس في اللحظة الأخيرة وإعدام سيانجوس. قضى تيبيريوس سنواته الأخيرة في ازدياد مستمر في العزلة والفساد والقسوة في جزيرة كابري، حيث يقال إنه تخلّى عن نفسه في حالة من الفوضى. ومع ذلك فإن هذه التقارير على الأقل مصبوغة بالتحامل ولم تثبت بشكل مرضي، كما أنه من غير المحتمل أن يكون طبرية قد قتل( ).

المطلب الثالث

أعمال ومنجزات الإمبراطور تيبيريوس الاقتصادية والاجتماعية

ولقد اقترح تيبيريوس مشروع قانون للأراضي والذي يتضمن النقاط الرئيسية التالية:

- ألا يحتفظ أحد من الأرض العامة التي استولى عليها عن طريق الحيازة بأكثر من 500 يوجرا مع السماح لكل ابن من أبنائه الثلاثة بحيازة نصف هذه المساحة، وتعويضًا لأصحاب أرض الحيازة عما تسترده الدولة منهم اقترح المشروع ألا يطرد الحائز مستقيلًا من أرضه وألا يدفع عنها إيجارًا للدولة. ومن الجائز أن المشروع كان يتضمن في صورته الأصلية نصًا خاصًا بدفع تعويض نظير الاصلاحات التي أدخلت على الأرض التي تستردها الدولة.

- وأن تسترد الدولة أرض الحيازة التي تزيد على الحد الوارد في البند الأول وتقسيمها إلى أنصبة صغيرة، تقوم بتوزيعها على فقراء المواطنين الرومان دون غيرهم بشرط ألا يبيعوها( ).

ولم يحدث في عصر أغسطس أي شيء من شأنه أن يعكر على اليهود صفو حياتهم وقد مر كذلك عصر خلفه الإمبراطور تيبيريوس بسلام على الرغم من أن الإمبراطور شن حملة اضطهاد عنيفة ضد اليهود في روما( ).

وقد حدثت فتنه في عهد الإمبراطور كاليجولا بين الإغريق والرومان( ).

لقد تركت الحياة الاقتصادية وشأنها من حيث تطورها وخضوعها للظروف الموضوعية، فلم تعد الإمبراطورية تدخل في شيء اقتصادي، مثلما حدث سابقا في عصر الإمبراطورية، فمنذ أواخر القرن الثاني ق.م ظهرت قوانين ترتبط بالأراضي وزراعتها، وازدهرت هذه القوانين في عهد الحروب الأهلية، وكانت هذه القوانين تهدف أصلا إلى توزيع الأراضي على المعدمين وزيادة عدد الفلاحين الصغار الاحرار، ثم أصبح لها هدف آخر في أثناء الحروب الاهلية، وهو رغبة قادة الجيوش استرضاء جنودهم المسرحين بقطع من الأراضي الزراعية، لكى يبقوا على ولائهم ويعضدوهم في آمالهم السياسية في روما، ولم يظهر مثل هذه القوانين منذ عام 27ق.م، حيث انتهت الحروب الأهلية وساد السلام الإمبراطورية الرومانية، ولم يفكر أغسطس في إصدار مثل هذه القوانين التي تعتبر ثورية، وذلك لسبب هام وواضح، وهو أن معظم هذه القوانين ارتبطت بالحروب الأهلية، فلم يضع أغسطس بالا عندما طالبوه بالتدخل عندما أخذت حالة الرئيس الإيطالي بالذات في التدهور( ).

بعد وفاة الإمبراطور أغسطس في عام 14 ميلادية تولى العرش ابنه بالتبني، قد تمرس تيبيريوس في الأعمال الإدارية قبل أن يتولى العرش وعرف بالشدة والحزم( ).

وتذكر المصادر أنه وقف موقفا حازما من الوالي في مصر، وهذا الوالي قد أراد أن يسترضى الإمبراطور فأرسل إلى روما مقدارا أكبر من الجزية كانت مفروضة على مسر، فغضب تيبيريوس وعنفه على هذا المسلك قائلا له: «أنني قلت لكي تجز غنمي لا لكي تسلخها».

وقد شهدت مصر في عهد تيبيريوس حالة من السلام والاستقرار. مثل سائر ولايات الإمبراطورية الرومانية التي نعمت جميعها الأغسطسى. لذلك فقد تقرر سحب واحدة من الفرق الرومانية التي ترابطت في مصر منذ عهد الإمبراطور أغسطس وظهرت بشائر الرخاء الاقتصادي بإصدار عملة جديدة في مصر.

إن أهم الأحداث التي شهدتها مصر في عهد الإمبراطور تيبيريوس هي زيارة الإسكندرية وكان ابن شقيق الإمبراطور تيبيريوس قد تبناه بعد وفاة والده، وكان ينظر إليه باعتباره وليا للعهد، وقد تمتع بحبه نظرًا لكفاءته العسكرية، ولقد أسند إليه الإمبراطور مهمة تنظيم شئون بعض الولايات. ومر في طريقه ببلاد اليونان، حيث استقبل بحفاوة بالغة وأحبه الناس لتواضعه وأقيمت تماثيله وسكت عملة تحمل الإمبراطور تيبيريوس وغيرته( ).

وبعد أن أنجز جرمانيكوس مهمته ترائى له أن يزور مصر لمشاهدة معالمها، فوصلها في عام 19 ميلادية، وقد برر قيامه بتلك الزيارة برغبته في معالجة أزمة اقتصادية كانت تمر بها بسبب انخفاض فيضان النيل في ذلك العام. ويذكر المؤرخ تاكيتوس أن جرمانيكوس أَقدَّ على زيارة مصر دون أن يستأذن الإمبراطور، مخالفًا بذلك القاعدة التي وضعها أغسطس، ولم يراعى جرمانيكوس أثناء وجوده في مصر التقاليد التي تكفل الحفاظ على هيبة البيت الحاكم، فسار بين الناس مرتديا الزى الإغريقي، وكان ينتعل صندل إغريقي، كما أمر بفتح صوامع الغلال وتوزيع القمح على الناس حتى يخفف من وطأة المجاعة، مما جعل الناس يحبونه، ويبالغون في إظهار تقديرهم له، وقد أثارت هذه المظاهر انزعاج الأمير الشاب، فأصدر عدة منشورات لكى ينهى الناس عن المبالغة في اسباغ مظاهر التكريم عليه ومناداته بالألقاب التي لا تليق إلا بأبي المنقذ الحقيقي للجنس البشرى، والمقصود بأبيه هو الإمبراطور تيبيريوس.

وقد قام جرمانيكوس برحلة نيلية بدأت من كانوب (جنوب أبى قير الحالية) حتى مدينة طيبة، ولفت نظره تمثال ممنون، ومما هو جدير بالذكر أن زيارة جرمانيكوس لمصر وما جرى خلالها أدت إلى غضب الإمبراطور تيبيريوس، مما دفعه إلى الشكوى إلى السناتو، وبعد انتهاء زيارته على مصر قد قرر جرمانيكوس العودة عن طريق سوريا وكان على خلاف مع واليها، وفي أثناء وجوده في مدينة أنطاكية توفى فجأة، واتهم هذا الوالي بدس السم للأمير في طعامه فصدر الحكم عليه بالإعدام، ولكن الشائعات وردت بأن الإمبراطور نفسه كان ضالعًا في المؤامرة التي أودت بحياة ابن شقيقه( ).

ويعد القمح من المحاصيل الزراعية التي نالت اهتماما كبيرا في الزراعة حتى في العصور السابقة للعهد الروماني وكانت مدينة روما كأغلب عواصم العالم القديم تعانى من التضخم السكاني، فعدد سكانها كان يزداد بسرعة وانتظام، حيث ارتفع عدد سكانها مع منتصف القرن الثاني قبل الميلاد إلى ربع مليون نسمه، أما في زمن الإمبراطور أغسطس فقد بلغ عددهم 800 ألف من المواطنين الرومان، ولقد قدر عددهم بحوالي 1،200،000 نسمة ولقد تتطلب ذلك توفير كميات كبيرة من القمح كغذاء للسكان، ولقد عجزت روما عن توفير هذه الكميات لسد حاجة السكان بها( ).

ولقد أثرت الفتوحات العسكرية الرومانية بشكل مباشر على مختلف نواحي الحياة في المجتمع الروماني وخاصة من الناحية الاقتصادية، حيث تم انتقال المجتمع الروماني من النظام الاقتصاد الزراعي إلى النظام الاقتصادي التجاري، وهذا يرجع إلى أن أغلب المزارعين وأرباب الحرف الزراعية تأثروا بالحروب المتواصلة، مما أدى إلى عدم وجود رغبة لديهم في الاستثمار الزراعي وخاصة أنه بعد إهمال الزراعة بها أصبحت غير صالحة للزراعة وأصبحت إعادة إصلاحها صعب للغاية( ).

ولقد خصص الإمبراطور قوة عسكرية كبيرة تفوق القدر اللازم لتأمين وسلامة الحكم الروماني( ).

وبالنسبة للحالة الاقتصادية فقد واكب فتوحات الإمبراطورية واتساع أملاكها في أيامها الأولى تدفق الثروات الهائلة عليها، وكان لذلك أثره على ميل الطبقات العليا في المجتمع الروماني إلى الترف والرفاهية والإسراف الشديد، والتطلع إلى الكماليات، وتكالب تلك الطبقات بصفة خاصة على معدني الذهب والفضة اللذين ظهرا في صورة أدوات للزينة أو أون وصحاف ولا شك أن استغلال الذهب والفضة بهذه الوسيلة أدى إلى تجميدها واستبعادها من سوق التداول.

وظل الوضع على ذلك حتى بعد أن تدفقت الفتوحات، وأضحى لزاما على الإمبراطورية أن تحافظ على حدودها ضد هجمات وغارات القبائل الجرمانية خلال القرن الثالث، وفى الوقت الذي قل فيه الذهب ونضب معدنه، ولم تحاول الحكومة البحث عن مصادر جديدة للمعادن الثمينة، تحل محل المصادر المألوفة في أيام الإمبراطورية الأولى( ).

ومن الواضح أن ما جرى من نفقات باهظة حملت الإمبراطورية فوق ما لا تطيق، وألقت على كاهل الخزانة عبئاً جسيماً فقصور الأباطرة الرائعة الضخمة البازخة والحشد الهائل من موظفي القصور. والخدم والحراس ونفقات الجيش وانتشار الرشوة والفساد وقسوة الموظفين على أهالي الولايات التابعة للإمبراطورية، وثقل الضرائب المفروضة وأعباء الحروب الأهلية، كل ذلك يفسر لنا أسباب المتاعب الاقتصادية التي كانت تعانيها الإمبراطورية إبان القرن الثالث، فأصيبت التجارة بالأضرار وتوقفت مسيرتها، ولم تعد طرق البحر المتوسط العظيمة تموج بالأساطيل التجارية الرومانية، بعد أن صارت وكرا يعج بقراصنة البحار، والطرق الرومانية البرية التي كانت داما دليلا على عظمة الرومان واعجازهم الهندسي، أضحت أطلالا غير آمنه، لا تخلو من قطاع الطرق وتبعث الأسى في النفس لمجتمع عرف تجارة عظيمة يوما ما( ).

وفى عهد تيبيريوس قد شهدت مصر حالة من السلام والاستقرار وذلك مثل حال باقي الولايات في الإمبراطورية الرومانية، كما ظهرت بشائر الرخاء الاقتصادي والتي تمثلت في إصدار عملة جديدة في مصر( ).

أما بالنسبة للحالة الاجتماعية فمن المعروف أن المجتمع الروماني كان مجتمعا طبقيا تفاوتت فيه الفوارق بشكل واضح وتناقض بالغ، فالطبقة العليا الثرية الارستقراطية التي تألفت من العائلات السناتورية الرومانية وكبار الموظفين وأصحاب الملكيات الزراعية الواسعة عاشت في المدن غير عابئة بالنظم والقوانين كان عليها دفع الضرائب للسلطات الرومانية أسوة ببقية الطبقات، ولكنها من الناحية العملية استطاعت التخلص أو التهرب من الكثير منها كذلك لم تتأثر الطبقة بالأزمات الاقتصادية التي ألمت بالإمبراطورية في القرن الثالث إذا امتلك أفرادها الثروات الضخمة، وعاشوا في قصورهم وسط أملاكهم الواسعة، يحيط بهم الخدم والعبيد، استأجر الكثير منهم حراسا خصوصيين غالبا من الجرمان لحمايتهم( ).

إن الطبقة الوسطى القديمة التي كانت عصب الحياة في المجتمع الروماني وقامت بدورها الرائع في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة خلال القرنين الأول والثاني، فقد قدر لها أن تنهار تحت وطأة الكوارث الاقتصادية التي ألمت بالإمبراطورية من ناحية وتحت عبء المطالب الباهظة التي فرضت عليها من ناحية أخرى، وبعد أن كانت تلك الطبقة تؤلف الغالبية العظمى من صغار الملاك، انتهى مصيرها إلى الاضمحلال، وأخذت أعدادها في النقصان تدريجيا وانحدر أفرادها إلى حالة من البؤس تزيد قليلا عن حالة الاقنان الذين يعملون في الضياع السنيورية، ومن المشاهد أن العديد من صغار الفلاحين الأحرار أثروا التخلي عن أراضيهم لكبار الملاك الزراعيين بغية التخلص من أعباء الضرائب أو الدفاع عن مساكنهم ضد الغزاة أو اللصوص، بعد أن طحنتهم متاعب القرن الثالث وأصبحوا أقنانا وجب على كل قن لديه قطعة من الأرض يتولى زراعتها، بعد أن منعته قوانين الإمبراطورية من ذلك( ).

وقد عمد الإمبراطور إلى إرهاب الإغريق بالمدينة وإشعارهم دائماً بسطوة وقوة روما، كما رفض الإمبراطور السماح لهم بتشكيل مجلس الشورى لهم( ).

ويرى الباحث أنه لكي نفهم أبعاد تلك الحياة الخصبة في كافة المجالات التي ميزت عصر أغسطس أن نلقى نظرة سريعة على جذور وأصول تلك المظاهر الاجتماعية والثقافية التي ربما عادت إلى زمن بعيد إلا أنها تظهر بوضوح خلال عصر الجمهورية وبالتحديد قرب نهايته. فالنسبة للناحية الاقتصادية فلا يوجد تقرير وافٍ عن الحياة الاقتصادية في إيطاليا خلال القرن الأخير من عصر الجمهورية، إذ لم يكن الرومان يحتفظون بإحصائيات رسمية وعلى هذا فمن الممكن إطلاق تعميمات معينة مثل الازدياد الهائل في الثروة لدى روما بعد غزو عالم البحر المتوسط كما تكونت ثروات كبيرة أخرى عن طريق الاعمال المصرفية وعمليات الإقراض والضرائب وتجارة الاستيراد والتصدير. ولقد أصبحت روما لأول مرة معتادة على اقتصاديات البذخ الفاحش وظهرت الفيلات الضخمة وما ترتب على ظهورها من حياة مترفة ذات مستوى معين، وزاد الانتاج الزراعي خاصة في زراعة الكروم والزيتون وازدهرت صناعة النبيذ الإيطالي. وقد عاد اتلنفع أيضا إلى حد ما على الحرف الصناعية من هذا الرخاء والرواج، فقد شهدت هذه الفترة بداية ازدهار صناعة الفخار الشهيرة.

كما يرى الباحث أن عدد السكان في روما يزداد بسرعة وانتظام وقد مدت قنوات جديدة لمواجهة الحاجة المتزايدة للماء، كما تمت عمليات توسيع الأسواق العامة وفرضت الرقابة على الموازين والمقاييس ونظمت عملية المرور في الشوارع، وحلت مشكلة الاسكان في روما بإنشاء مبانٍ من نوع رخيص يتراوح ارتفاعها من ستة إلى عشرة طوابق وكانت هي مساكن للفقراء في روما.

ويرى الباحث أنه إذا كان واجب الإنصاف يقتضي أن نقرر أن تيبيريوس كان صادق النية في الإصلاح، ولو أن السوابق والاتجاهات التي استحدثها تيبيريوس كانت عملية وكفيلة بحسن تيسير دفة الدولة ووضع الأمور في نصابها، لما كان عليه غبار ولكان مصلحا فذًا جديرًا بمكان مرموق في سجل التاريخ. بيد أننا نرى كيف أن مجرى الأحداث التالية قد أثبتت أن بدع تيبيروس كانت خطيرة العواقب، وأنه بسبب سوء تقديره للظروف الراهنة والعواقب ما أقدم عليه أفضت تصرفاته المنبثقة من رغبته الملحة في الإصلاح إلى إشعال لهيب ثورة اكتوى الجميع بنيرانها ولم يخمد أغوارها إلا بالقضاء على النظام الروماني.                                                                                                                      المصادر العربية و الاجنبية                                                           سيد أحمد الناصري: تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسي والحضاري، القاهرة، دار النهضة العربية، 1975م، ص 127.                                                                           عفاف سيد صبرة: الإمبراطوريتان البيزنطية والرومانية الغربية، زمن شارلمان، القاهرة، دار النهضة العربية، 1982، ص 5، 6.

( ) Stein A. : Acts of the Alexandrines، London، 2007، pp. 35-36.( ) Suetonius D.: ( ) حسنى الشيخ: دراسات في تاريخ وحضارة اليونان والرومان، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2016، ص 104.                                                                                         ( ) سعيد عبد الفتاح عاشور: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، بيروت، دار النهضة العربية، 1976، ص 10.                                                                                              ناصر الأنصاري: موسوعة حكام مصر من الفراعنة إلى اليوم مع صورهم وأعلامهم ورموزهم، القاهرة، دار الشروق، 1994، ص 42 – 44.                                                 Aegypten unter Roemischer Herrschaft، Paris، 2003، pp. 7-72.                           عفاف سيد صبرة: الإمبراطوريتان البيزنطية والرومانية الغربية زمن شارلمان، القاهرة، دار النهضة العربية، 1982، ص 10، 11.                                                                           ( ) سعيد عبد الفتاح عاشور: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، بيروت، دار النهضة العربية، 1973، ص 7، 8.                                                                                               ( ) Mark C: Tiberius, Vatican Museums, 2012, pp. 31-32( ) Barbara Levieck: The Government of the Roman Empire، pp. 15 -17.                                                           سعيد عبد الفتاح عاشور: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، بيروت، دار النهضة العربية، 1973، ص 8 – 10.

( ) حسين الشيخ: دراسات في تاريخ وحضارة اليونان والرومان، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2006، ص 115.                                                                                 ( ) J. Pirenne: Historie des institutions ct du droit prive de L'ancienne Egypt، Brasseles، Vol (3)، p.5.                                                                                               ( ) نفتالى لويس: مصر تحت الحكم الرومانى، ترجمة فوزى مكاوي، الاسكندرية، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، 1999، ص 25، 26.                                                      ( ) سيد أحمد على الناصري: تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسي والحضاري، مرجع سابق، ص 118.                                                                                                  ( ) محمود محمد الجويرى: رؤية في سقوط الامبراطورية الرومانية، القاهرة، دار المعارف، 1995، ص 99، 100.                                                                                        ( ) حسين الشيخ: دراسات في تاريخ وحضارة اليونان والرومان، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2006، ص 113.                                                                                ( ) لطفى عبد الوهاب يحيى: مقدمة في نظم الحكم عند اليونان والرومان، دراسة في حضارة البحر الأبيض، الإسكندرية، مطبعة دار نشر الثقافة، 1958، ص 31، 32.

( ) لطفى عبد الوهاب يحيى: مقدمة في نظم الحكم عند اليونان والرومان، دراسة في حضارة البحر الأبيض، مرجع سابق، ص 32.                                                                      ( ) Davies Penelofe: Death and the Emparor، Roman Imporial Funerary monuments from Augusts to Marcus Aurelius، Cambridge university press، 2000، p.14.

( ) حسين الشيخ: الرومان: الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، بدون تاريخ، ص 141.                                                                                                                                             Blonde a. :The life of Roman emperors private، Al-Jeri Press، 2008،pp،16-17 ( ) Boak، W. :A History of Rome to 565. AD MacMillan Co، 2006،pp.17-18                   ( ) محمد السيد محمد: تاريخ الرومان حتى نهاية العصر الجمهوري، الاسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص 36، 37.                                                                  ( ) سيد أحمد الناصري: تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسي والحضاري، مرجع سابق، ص 115 – 116.                                                                                                   ( ) ابراهيم نصحي: تاريخ الرومان، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 2010، ص 46.

 Clay M. : Roman History، Oxford university، 2006، pp. 71 – 72.                                                              Levi N.: Romanian Emperors، University of Chicago، 2014، pp. 45-47                                                                                                                         ( ) Mark F. : History of the Roman Empire، New York، 2004، pp. 42-43.                   ( ) سيد أحمد الناصري: تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسي والحضاري، مرجع سابق، ص 118.                                                                                                           ( ) حسين الشيخ: دراسات في تاريخ وحضارة اليونان والرومان، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2006، ص 110.                                                                                ( ) حسين الشيخ: دراسات في تاريخ وحضارة اليونان والرومان، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2006، ص 118 -119.                                                                        ( ) سعيد عبد الفتاح عاشور: تاريخ أوربا في العصور الوسطى، مرجع سابق، ص 10.     ( ) سعيد عبد الفتاح عاشور: تاريخ أوربا في العصور الوسطى، مرجع سابق، ص 10      ( ) محمد عبد الفتاح السيد: تاريخ الامبراطورية الرومانية، الواقع السياسي والمصدر الأثري، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2010، ص 37.                                                 ( ) محمد عبد الفتاح السيد: تاريخ الامبراطورية الرومانية، الواقع السياسي والمصدر الأثري، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2010م، 4/ 47.                                             ( (Denison M. : Empress of Rome، Martin Press، 2010،pp.43-44.

( ) Campbell A. : The Emperor And The Roman Army، 31 Bc- Ad، 235، pp. 101-102.                                                                                                                    محمد السيد محمد عبد الغنى: تاريخ الرومان حتى نهاية العصر الجمهوري، الاسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص 124.                                                      ( ) baker g. :Tiberius Caesar،2012،pp. 4- 6.                                                             ( ) محمد السيد محمد عبد الغنى: تاريخ الرومان حتى نهاية العصر الجمهوري، مرجع سابق، ص 124، 125.                                                                                                       ( ) حسين الشيخ: دراسة في تاريخ وحضارة اليونان والرومان، مرجع سابق، ص 115.( ) محمود محمد الحويري: رؤية في سقوط الامبراطورية الرومانية، القاهرة، دار المعارف، 1995، ص 55، 56.                                                                                          ( )محمود محمد الحويرى: رؤية في سقوط الامبراطورية الرومانية، مرجع سابق، ص 56، 57.

( )أبو اليسر فرج: تاريخ مصر في عصري البطالمة والرومان، بيروت، عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية، 2004، ص 44 -45                                                          ( ) عبد اللطيف أحمد على: حصر الامبراطورية الرومانية في ضوء الأوراق البردية، القاهرة، دار النهضة العربية، بدون تاريخ، ص 41.

( ) محمد السيد محمد عبد الغنى: تاريخ الرومان حتى نهاية العصر الجمهوري، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص 83.                                                  ( ) مصطفى كمال عبد العليم: اليهود في مصر في عصري البطالمة والرومان، مرجع سابق، ص 134، 144.

( ) محمود محمد الجويرى: رؤية في سقوط الامبراطورية الرومانية، مرجع سابق، ص 57.

( ) مصطفى كمال عبد العليم: اليهود في مصر في عصري البطالمة والرومان، مرجع سابق، ص 140- 142.                                                                                                   ( ) Gorman R. : The Jews of Egypt from Rameses to Emperor Hadrian، 1995، pp. 16 -17.                                                                                                                            ( ) عبد اللطيف أحمد على: مصر والإمبراطورية الرومانية في ضوء الأوراق البردية، القاهرة، دار النهضة العربية، ص 188، 189.                                                                       ( ) lee k.: Jews and the Roman Empire ،London،2012 ،pp. 7-8.

( ) Gary S .: La Bible hébraïque: de nouvelles visions، France، 2008، p. 14-15.                    ( ) عبد اللطيف أحمد على: مصر والإمبراطورية الرومانية في ضوء الأوراق البردية، مرجع سابق ،ص 187                                                                                      ( ) Thompson J. Histoire ancienne du peuple israélien، France، 2012، p. 3-4.

( ) j. pirenne: histoire des institutions et du droit prive de lancienne ،eygpte، brussel، vol3،pp.12-13 (Robin seager: Tiberius ،London، black well publishing،2005،pp. 7-9.   ( ) أرنست ماسون: الإمبراطور الرهيب تيبيريوس، تعريب جمال السيد: القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985م، ص 32- 35.                                                                 ( ) David c.: Augustus to Nero ،a source book on roman history 31 bc-ad68،new York، Rutledge revivals،2014،pp. 47-49.

( ) سيد أحمد الناصري: تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسي والحضاري، مرجع سابق، ص 127.

( ) سيد أحمد الناصري: تاريخ الإمبراطورية الرومانية السياسي والحضاري، مرجع سابق، ص 113- 118.                                                                                                    ( ) أرنست ماسون: الإمبراطور الرهيب تيبيريوس، مرجع سابق، ص 46-48.                ( ) Leivick، Barbara: The Life of the Twelfth Caesars، The Life of Tiberius، New York، 1999، pp. 56-58.

( ) أرنست ماسون: الإمبراطور الرهيب تيبيريوس، مرجع سابق، ص 50- 51.( ) Michae l S.: Introduction à l'histoire d'Israël et de Juda، France، 2006، p. 20-21.                                   ( (yarely j.& Anthony a.: the annals the reigns of Tiberius ،Claudius and Nero، oxford university bress،2008،pp.36-38.

( ) أرنست ماسون: الإمبراطور الرهيب تيبيريوس، مرجع سابق، ص 54.                            ( ) smith m.: roman history life, New York, 1999, pp. 180-182.                                  ( ) عزت زكي حامد: مواقع أثرية من العصرين اليوناني والروماني، بدون تاريخ، ص 79.                                                                                                                              ( ) أرنست ماسون: الإمبراطور الرهيب تيبيريوس، مرجع سابق، ص 48- 50.                      ( (Edward N: The Augustine Aristocracy، Oxford، 2006، pp. 83-87.

( ) Werner dahlias: geschichte der romischen kaiserzeht، olden bourag gmh ،munchen ،1989،pp.13-15.

( ) stuary m.: the date of the inscription of Claudius on the arch of ticinum ،American journal of archaeoly ،vol4،no3،1986،pp316-318.

( ) أرنست ماسون: الإمبراطور الرهيب تيبيريوس، مرجع سابق، ص 84.( ) Ann e.: the ( ) فوزي عبد الباري: التاريخ الروماني، الإسكندرية، بدون ناشر، 2011م، ص 23-24.( ) Kerrigan M. :History of Darkness: Roman Emperors، 2011،pp.43-44.

( ) Claude l.: Geography، and Politics in the Early Roman Empire،Oxford: Oxford University Press،2011،pp. 9-10.

( ) Donald L .: Tiberius، Chicago unversity. 2012، pp.22-23.imbecilities of the emperor Claudius ،oxford، university ،2002،pp.7-9.                                                    ( ) سعيد عبد الفتاح عاشور: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، مرجع سابق، ص 10، 11.( ) عبد الحليم محمد حسن: الألعاب والجوماسيا في مصر بين السياسة والدين في العصر الروماني، القاهرة، دار الثقافة العربية، 1995، ص 121.                                       ) محمد عبد الفتاح السيد: تاريخ الإمبراطورية الرومانية، الواقع السياسي والمصدر الأثري، مرجع سابق، ص 38.                                                                                       محمد فهمى عبد الباقي: محاضرات في تاريخ الرومان والعصر الإمبراطوري، القاهرة، 2005م، ص 144، 145.( ) محمد فهمى عبد الباقي: محاضرات في تاريخ الرومان والعصر الإمبراطوري، مرجع سابق، ص 142، 143.

( ) Ficher. H.G : Gaufurst، La ، col، p. 408.

( ) Szafranski Z. E. : Problem of Bower concentration in Hands of one family in Edfu at the time of Sobck hetep I v، Genealofical Tree – preliminary study، in 1 ( ) محمد فهمى عبد الباقي: محاضرات في تاريخ الرومان والعصر الإمبراطوري، مرجع سابق، ص 122، 127.Egyptology in 1979 Axes priortaires de Recherchés, Vol, perais, 1982، p. 173.محمد فهمى عبد الباقي: محاضرات في تاريخ الرومان والعصر الإمبراطوري، مرجع سابق، ص 127.

( )                                                                                                                                mary g.: Roman Empire (27 BC – 476 AD) ، oxford university، 2007،pp.  20  .( ) ( ) إبراهيم نصحي: تاريخ الرومان، مرجع سابق، ص 21، 22.

( ) Frank A. : the civilization of Roman، 2005، pp. 17 -18.

( ) Ferrill S. : A History and Descripion of Roman Political icsitutions، 2001، pp. 6 ( ) الحسين أحمد عبد الله: مصر في عصر الرومان، إصداء الاستغلال وأنشودة البقاء، دراسة في ضوء الوثائق البردية، بيروت، عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية، 2007، ص 129.

( ) آمال الروبي: مصر في عصر الرومان، بدون تاريخ، ص 73.-8.mary g.: Roman Empire (27 BC – 476 AD) ، oxford university، 2007،pp.18-19. ( ) أبو اليسر فرج: تاريخ مصر في عصر البطالمة والرومان، عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية، 2004، ص 174 – 176.( ) أبو اليسر فرج: تاريخ مصر في عصر البطالمة والرومان، مرجع سابق، ص 175، 176.

( ) حسين الشبح: الرومان، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2005، ص 171، 172 (بتصرف).

( ) عبد العزيز عبد الفتاح: روما وأفريقيا في نهاية الحرب اليونانية الثانية إلى عصر الإمبراطور أغسطس، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، 2007، ص 75.( ) Ogilivei D. : Early Rome and the Latins، 2006، pp. 29 -30.

( ) محمود محمد الجويرى: رؤية في سقوط الإمبراطورية الرومانية، القاهرة، دار المعارف، 1995، ص 15، 16.


  • 1

   نشر في 04 شتنبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 04 شتنبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا