المؤلفات التاريخية في الحضارة الإسلامية
الكتابة التاريخية عند المسلمين من التأسيس إلى الذروة والاكتمال
نشر في 25 شتنبر 2022 وآخر تعديل بتاريخ 12 أكتوبر 2022 .
تاريخ ابن خلدون ،تاريخ الطبري ،البداية والنهاية لابن كثير ،الكامل لابن أثير ،سير أعلام النبلاء للذهبي ،وفيات الأعيان لابن خلكان قد تكون هذه أبرز عناوين الكتب التاريخية التي أرخت للمسلمين والعرب اليوم عند كل مهتم بالتاريخ بشكل عام التاريخ الإسلامي على وجه الخصوص ،لكن هذه الكتب ليست أول ما ألفه المسلمون في التاريخ بل سبقتها كتب عديدة في القرون الأولى ،أما هذه الكتب المذكورة أعلاه التي ألفت في زمن متأخر نسبيا تمثل المرحلة الأخيرة في تطور التاريخ عند المسلمين والشكل الأخير من الكتب التاريخية التي عرفها المسلمون ،وفي هذا المقال توضيح لتطور التاريخ والكتابة التاريخية عند المسلمين وأبرز المواضيع التي اهتمت بها وتضمنتها الكتب.
• ظهور الكتابة التاريخية عند المسلمين وجذورها
ترجع أولى الكتابات التاريخية عند المسلمين إلى الإخباريين الذين انصب تركيزهم في ميدان الكتابة التاريخية على سيرة رسول الله صلى عليه وسلم حفظا لها امتثالا لأمر القرآن في تتبعه والاقتداء به ،فألفت كتب في المغازي شكلت نواة كتب السيرة منها ما كتبه أبان بن عثمان بن عفان وسميت بالمغازي لأنها ركزت وجعلت غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعها الأساسي ،ويرجع البعض ومنهم الأستاذ عبد العزيز الدوري تركيز مؤلفات الإخباريين على الغزوات إلى بقاء تأثير أدب الأيام الذي عرفه العرب في الجاهلية ساريا وكان الغرض منه عرضه للتفاخر والتباهي والأنس والسمر كما نجد مؤلفات لعروة بن الزبير ووهب بن منبه تناولت السيرة ومن أشهر ما ألف فيها سيرة ابن اسحاق التي اختصرها تلميذه ابن هشام وما تزال السيرتان باقيتان إلى اليوم.
• مدارس التاريخ عند المسلمين
شكلت الأحداث التاريخية التي وقعت في عهد الخلفاء الراشدين فرصة لإحداث نقلة في نوعية المؤلفات التاريخية إذ لم تعد الكتابة التاريخية مقتصرة على كتب السيرة والمغازي بل تعدتها إلى كتب الفتوح والردة والقضاء والفتنة الكبرى وأخبار الخلفاء مهدتا لظهور مدرستين متمايزتين قادتا علم التاريخ عند المسلمين هما :
مدرسة المدينة المعروفة بمدرسة أهل الحديث والزهري في نظر المؤرخين هو مؤسسها وأبرز أعلامها ابن اسحاق وابن هشام والواقدي صاحب كتابي المغازي والفتوح.
مدرسة الكوفة التي عرفت بمدرسة أهل الرأي وعرفت بمعارضتها في مؤلفاتها للسلطة الأموية القائمة متأثرة بوضع العراق آنذاك ومن أبرز أعلامها أبو مخنف مصدر الطبري الرئيسي في الحديث عن الفتنة الكبرى وسيف بن عمر التيمي ونصر بن مزاحم صاحب كتابي موقعتي الجمل وصفين وابن الكلبي المهتم بتاريخ الأمويين.
• العصر الذهبي للتاريخ عند المسلمين العصر العباسي
وفي العصر العباسي فحدثت النقلة الكبرى فيه في الكتابة التاريخية وبلغ علم التاريخ عند المسلمين ذروته وعصره الذهبي حيث تعددت المواضيع ودخلت الكتابة التاريخية عهدا جديدا من التأريخ للمسلمين فقط إلى التأريخ للعالم كله ويفسر هذا بتعدد الشعوب والأمم المكونة للأمة الإسلامية ودعوة القرآن المسلمين إلى النظر في سير من سبقهم من الأمم والتدبر فيها والاعتبار منها فظهرت كتب عديدة تؤرخ للعالم أشهرها على الإطلاق تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري والكامل في التاريخ لابن أثير والبداية والنهاية لابن كثير وكتاب العبر لابن خلدون الذي أحدثت مقدمته ثورة في علم التاريخ سواء عند المسلمين أو غيرهم ،وكانت هذه تبدأ بالتأريخ للخلق والأنبياء ثم مجموعة من الأمم منها الفرس والروم ثم الكتابة في السيرة وتاريخ المسلمين بعدها متبعة في ذلك المنهج الحولي وشكلت الإسرائيليات مصدرا مهما لها بل مصدرها الرئيسي فيما تعلق بتاريخ الخلق والأنبياء ،وظهر في هذا العصر أيضا نوع آخر من الكتب كتب اختصت بالتأريخ لإقليم دون آخر أو منطقة دون أخرى يرجع بعض المؤرخين سبب ظهورها إلى حالة التشرذم السياسي التي عرفها المسلمون في العصر العباسي الثاني بينما يرجعها فريق آخر إلى وعي أصحابها بضرورة التأريخ لها لأن الكتب العامة المؤرخة للعالم أغفلت نقاطا مهمة في تاريخ تلك المناطق ،ومن أبرز هذه الكتب تاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي روض القرطاس في ذكر ملوك المغرب ومدينة فاس والبيان المغرب في ذكر ملوك الأندلس والمغرب إضافة إلى نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب والإحاطة في أخبار غرناطة ويفسر البعض ظهور هذا النوع من المؤلفات بالحركات الشعوبية والقومية خاصة عند الفرس.
• التاريخ الثقافي في مؤلفات المسلمين التاريخية
و عبرت كتب السير والتراجم عن اهتمام المؤرخين المسلمين بالتاريخ الثقافي والحضاري عند المسلمين وقد عرفت هذه الكتب أيضا تطورا فقد خصصت في البداية لعلماء الحديث بهدف الحكم على موضوعية الرواة ومدر صدقهم في نقلهم فكانت تركز على رحلات الرواة والعلماء سعيا في طلب العلم وأبرز الشيوخ الذين تلقوا عنهم وتضعيفهم وتوثيقهم ،ثم تطورت وشملت ميادين عديدة مثل الشعر الذي يوجد فيه كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة الدينوري ومنها ما اختص بالخلفاء وحده كتاريخ الخلفاء السيوطي ومنها ما كان عاما جامعا كسير أعلام النبلاء للذهبي وابن خلكان ومعجم البلدان لياقوت الحموي واعتمد فيها على الترتيب وفق الطبقات أو الترتيب الألفبائي.
مواضيع الكتابة التاريخية عند المسلمين
أما المواضيع التي تضمنتها الكتب التاريخية فتمثلت في السياسة التي شكلت المادة الأساسية لها والأنساب فهي توضح تطور شعب محدد وتؤرخ للقبائل وتظهر نسب الخلفاء والوزراء والقادة إضافة إلى الجغرافيا التي ضمنت في بعض كتب التاريخ مثل مروج الذهب للمسعودي وظهرت أيضا كتب خاصة بها مثل تاريخ البلدان لليعقوبي ومعجم البلدان لياقوت الحموي والمسالك والممالك للبكري كما تضمنت نصائح للملوك والسلاطين وبعضا من الآداب السلطانية إضافة إلى شيء من الفلسفة والتنجيم.
• المراجع المعتمد عليها
_ فرانز روزنتال ،علم التأريخ عند المسلمين
_ عبد العزيز الدوري ،نشأة علم التاريخ عند العرب
_ إبراهيم بيضون مسائل المنهج في الكتابة التاريخية عند المسلمين
_ https://arrabiaa.net/%d9%85%d8