السقاية العمومية ...شتان بين الأمس واليوم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

السقاية العمومية ...شتان بين الأمس واليوم

  نشر في 24 فبراير 2018 .


بين حامل لقارورات من الحجم الكبير، وآخر يمسك برميلا، وثالث يضع أمامه كومة من الثياب...، تجد نفسك في طابور انتظار دورك للحصول على شربة ماء من الساقية العمومية أو كما يحلو للبعض تسميتها "لعوينة".

بعد طول انتظار تسترقك لحظة تأمل واستغراب وتساؤل كأن لسان حالك يقول: ما الجدوى من بقاء مثل هذه المرافق في مدينة تعتبر الأكثر تحضرا في المغرب هي الدار البيضاء؟ سؤال باعثه الأساس سفر في تاريخ هذا المرفق الذي طالما قدم خدمات جليلة لساكنة أحياء الصفيح التي كانت "لعوينة" المصدر الوحيد والأوحد للماء بها.

كثيرة هي القصص والأحداث الطريفة والغريبة التي كانت ملتصقة بهذا الفضاء، فكم من صراع نشب بين مرتاديها، بين التسابق والتدافع نحو صنابيرها؟ غير أن هذا الأمر كان له ما يبرره، بيد أن الغرابة تبرز بجلاء عندما نجد التدافع قائما اليوم والاستعمال جاريا لمياهها حتى بعد تزويد الساكنة بالماء داخل منازلهم، وتبلغ الغرابة أعلى مراتبها عندما نجد إغفال السلطات العمومية هذا السلوك اليومي الذي يستنزف الثروة المائية، ويكشف عن افتقاد هؤلاء المستعملين لروح المسؤولية...

أثار انتباهنا تحول وظيفة السقاية من تزويد ساكنة أحياء الصفيح بالماء الشروب إلى وظائف أخرى أقل ما يقال عنها أنها هدر متعمد مع سبق الإصرار والترصد لهذه النعمة.

شكلت هذه نقطة بداية إعداد هذا التحقيق، إلا أن المفاجأة كانت أكبر عند إطلاعنا على دراسة حول استهلاك السقايات العمومية بجهة الدار البيضاء، ل 61% من فاتورة الماء المترتبة عن مجلس المدينة لشركة "ليدك" ، مما دفعنا إلى الاشتغال على هذا الموضوع، خاصة وأن مقاطعة سيدي مومن احتلت الصدارة ب 51% إلى جانب مقاطعة عين السبع ضمن نفس الدراسة.

لإماطة اللثام حول الظاهرة ارتأى الطاقم الصحفي الاشتغال على كل من "كريان سيدي مومن"و"كريان حي القرية"، المجاورين للثانوية التأهيلية ابن الهيثم، وأحد أهم روافدها، جولة سريعة واستقراء بسيط لأراء ساكنة الحيين الصفيحيين أبانت عن استعمال ماء السقايات لأغراض البناء والسقي والتصبين وغسل السيارات، والدراجات...لكن وعيا منا بأهمية توثيق هذه المعطيات ودراستها بشكل موضوعي بدأنا بتعميق البحث حول الظاهرة واستغوار دهاليزها.

بداية وبغرض ضبط المعطيات السوسيوديموغرافية والاقتصادية لمجال التحقيق ربطنا الاتصال بالقسم الاقتصادي للعمالة وبعد ذلك بمقدم "كريان سيدي مومن" الذي أكد أن ظهور الكريان يعود إلى ستينيات القرن الماضي نتيجة تدفق عدد كبير من المهاجرين للعمل بالدار البيضاء، مما يفسر تعدد الأصول الجغرافية لساكنته المقدرة ب 1670 سنة، موزعة عبر 18 زنقة.

ساقتنا دروب وأزقة كريان سيدي مومن عند عمي بوشعيب أحد معمري الحي، الذي تحدث إلينا بنبرة امتزج فيها الغضب عن أوضاع الحي مع الحنين لأيام الماضي، مما جاء فيها أن السكان في البداية عانوا كثيرا لتوفير الماء الشروب الذي تأخر حتى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، عند توفير السقاية الأولى، لكن نمو السكان بوثيرة سريعة تطلب إضافة ثانية مع بداية العقد التاسع من القرن العشرين، صادفت دردشتنا مع عمي بوشعيب لجوء أحد الأشخاص المزاول لمهنة الحدادة (صناعة العربات) بشكل غير قانوني إلى "لعوينة" بغية تبريد الأجزاء التي قام بتقطيعها ولحمها، فوجهنا نظر عمي بوشعيب نحو المشهد فلخص الموقف في عبارة "الذي لا يعرف المعاناة التي عانيناها لا يمكن أن ننتظر منه الحفاظ على نعمة الماء"

الزنقة عدد الأكواخ عدد الأسر

هيلتروب 9 21

19 6 6

20 6 10

21 9 16

نقلنا الأسئلة نفسها لرضوان "مقدم" "كريان حي القرية" الذي اعتبر الحي الصفيحي بمثابة ملحقة ل"كريان سيدي مومن" حيث أرقام الأزقة تبدأ من حيث تنتهي أزقة "كريان سيدي مومن" بساكنة تزيد عن 380 نسمة موزعة كالتالي:

عاودنا الانتقال مرة أخرى إلى"كريان سيدي مومن" بحثا عن عبد القادر الذي شغل حارس لعوينة عندما كانت المزود الوحيد للساكنة بالماء الشروب، الذي أكد أن استغلال "لعوينة" كان مقننا بشكل جيد، وفق فترات محددة بدقة، وبمقابل مادي، لكن مباشرة بعد تزويد الساكنة بعدادات الماء، تغير الوضع تماما، لكن المفارقة أن غالبية السكان تعتمد على مياه المنازل عند بداية ونهاية الشهر فقط، وتعمد إلى إيقاف العدادات فيما تبقى من الشهر، مما يفسر نتائج الدراسة التي أشرنا إليها في بداية هذا التحقيق.

يضيف عبد القادر: ما زاد الطين بلة هو اعتماد البعض على ماء السقاية لكسب قوتهم اليومي، فهذا ابن الحي هشام بائع الحلزون لا يستطيع حتى تخيل منعه من استعمال مائها معللا ذلك بقوله "نحن في حي شعبي هامش الربح ضئيل، وإذا اعتمدت على ماء منزلي فالربح سيتحول إلى خسارة" غير آبه بكميات الماء المهدرة في غسل الحلزون الذي يحتاج إلى أزيد من مرتين لغسله على الأقل، إضافة إلى ما يحتاجه عند مرحلة الطهي.

عاودنا الانتقال مرة أخرى إلى"كريان سيدي مومن" بحثا عن عبد القادر الذي شغل حارس لعوينة عندما كانت المزود الوحيد للساكنة بالماء الشروب، الذي أكد أن استغلال "لعوينة" كان مقننا بشكل جيد، وفق فترات محددة بدقة، وبمقابل مادي، لكن مباشرة بعد تزويد الساكنة بعدادات الماء، تغير الوضع تماما، لكن المفارقة أن غالبية السكان تعتمد على مياه المنازل عند بداية ونهاية الشهر فقط، وتعمد إلى إيقاف العدادات فيما تبقى من الشهر، مما يفسر نتائج الدراسة التي أشرنا إليها في بداية هذا التحقيق.

يضيف عبد القادر: ما زاد الطين بلة هو اعتماد البعض على ماء السقاية لكسب قوتهم اليومي، فهذا ابن الحي هشام بائع الحلزون لا يستطيع حتى تخيل منعه من استعمال مائها معللا ذلك بقوله "نحن في حي شعبي هامش الربح ضئيل، وإذا اعتمدت على ماء منزلي فالربح سيتحول إلى خسارة" غير آبه بكميات الماء المهدرة في غسل الحلزون الذي يحتاج إلى أزيد من مرتين لغسله على الأقل، إضافة إلى ما يحتاجه عند مرحلة الطهي.

الحال نفسه يتكرر بالضفة الأخرى ب"كريان حي القرية" فإلى جانب ما صار مألوفا - التصبين، غسل السيارات والزرابي...

وأحيانا أخرى ربط المنازل بشكل مباشر بمياه "لعوينة" بواسطة أنابيب... - بقوة التعود وتهاون السلطات الوصية على السهر على وقف استنزاف مياه السقاية دون وجه حق، يستقبلنا هاته المرة محمد بائع السمك، الذي يستهلك ما يزيد عن 20 لتر بشكل يومي، معتبرا الأمر حقا مكتسبا.

هذه المعطيات تطلبت منا وقفة تأملية للتساؤل عن المسؤول عن هذه الانزلاقات، بالتأكيد المسؤولية مشتركة بين أعوان السلطة وقسم البنيات التحتية، والمنتخبين المحليين الذي رضخوا لضغط السكان، الأمر طبيعي عندما نعلم أهمية ساكنة الصفيح في المحطات الانتخابية، هذه الساكنة التي تتحجج بالهشاشة وضيق العيش لتبرير سلوكاتها، كلها مجرد تبريرات واهية، لكن الأكيد أن تأخر اتخاذ إجراءات حازمة، سيؤثر لا محالة على استدامة الموارد المائية.



   نشر في 24 فبراير 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا