تعرف مختلف ميادين الهندسة تطورا هائلا نتيجة التقدم التكنولوجي المتسارع ،حتى باتت اليوم العلاقة بين الهندسة والتكنولوجيا ،والانترنيت على الخصوص علاقة زواج كاثوليكي لاطلاق فيه ،فهي علاقة تبادلية في تطور نيبيري ،وبيت القصيد من هذا المقال هو العلاقة بين المهندس و التكوين الذاتي .
لا يخفى على القاريء العزيز تهالك المنظومات التعليمية بجل البلدان العربية، منظومات تتسم بالحشو و انعدام نظرة تعيد الانتاج المعرفي للمتلقي بصيغة التمحيص و التدقيق،والنقد و الابتكار وخاصة في ميادين الهندسة على وجه الخصوص ،دون ان ننسى الهوة العظمى بين التكوين و متطلبات سوق الشغل وكذلك الفارق الشاسع بين ما يدرس حاليا بمدارسنا و جامعاتنا وبين ماوصلت إليه العلوم و ميادين الهندسة، هذا النقص الجلي والعجز الذي يشهد لحكوماتنا بانعدام الرؤية المنطقية لمستقبل افضل ،لايمكنه ان يكون واقعا دون الرقي بالتعليم من جهة، من جهة اخرى هذا الخلل يغديه طلبة العلوم و الهندسة بالتقاعس ولوم الانظمة و المسؤولين،في إهانة واضحة لملكة العقل ،والتي من المفروض اليوم ان لا تكتفي بانتقاد الواقع فقط بل ان تتعداه الى العمل على قدم و ساق دون انتظار اي شيء من المسؤول فالنظرة الانتقادية دون فعل مواز لتعويض النقص لن يكون له مفعول على المسؤول سوى زيادة الامر سوء ا أكثر مما هو عليه اليوم .
لم يعد خيار اللوم و الانتقاد بمجتمعاتنا امرا مقبولا او منطقيا ،ولا يشفع هذا لفشل الانظمة في الرقي بالتعليم ،لكن ما تعجز عن الحكومات يمكن ان يصنعه الشباب ، ومن هنا يفرض التكوين الذاتي نفسه كضرورة وليس كاختيار ،فكونك مهندسا لا يعنيه حصولك على شهادة ان قارنتها بنظيراتها في الغرب وجدتها لا تسمن ولا تغني من جوع ،كبطاقة وهم تعطى للمرء ليعيش بها وضعا سرياليا لايعكس حقيقة الواقع، لكنه يعني ان تكون اداة بناء معرفي انطلاقا من ذاتك دون اتكال على أحد ،بداية من مختلف مراحل التكوين تجاوزا للشكل التقليدي لمدارسنا التي تجعل المدرس منبع المعرفة وليس هذا انتقاصا من قيمة المدرس بقدر ماهو دعوة للمرء ان يجتهد ولايكتفي بما يتلقاه ،كل المؤشرات اليوم لا تشفع لمنطق المنتقد الفارغ ،فالولوج اليوم الى المعلومة اصبح ايسر من شربة ماء في اي ميدان اراد المرء ان يدرس ،اعظم انتكاساتنا اننا نقدس الشواهد و النقط ولا نولي الاهتمام بالمعرفة كغاية في حد ذاتها .
عزيزي المهندس او الطالب ،لا تنتظر ان تأتيك المعرفة على طبق من ذهب ،كرمت بعقل يؤهلك للبحث هنا وهناك ،ان تتعلم ذاك دربك في الحياة ، فالمرء مايزال حيا حتى يتوقف عن التعلم! ان اردنا لبلداننا الخير العميم لا يكفينا الصياح والانتقاد بقدر ماهو عمل على خلق واقع افضل انطلاقا من واقع مصغر لانفسنا يتسع تدريجيا ليشمل المجتمع ، ليفرض قهرا على المسؤول الرقي في عمله ،اما القول بدون عمل والخطاب السياسي دون واقع فهو اشد تطبيعا مع الفساد والتخلف ،ان ترى ذاتك او مجتمعك في اسمى وارقى درجة معناه الا تنتظر من احد ان يرفعك لتلك الدرجة ما لم ترفع نفسك وليس الدرب سهلا بالطبع وفي ذلك تكمن متعة الانجاز ،ان يكون الدرب صعبا فهو الارض الخصبة للتقدم كما عودنا التاريخ ،دون انتظار مسؤول او حكومات .
التعليقات
تحياتي