متلازمة أمادو دياللو - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

متلازمة أمادو دياللو

القولبة النمطية

  نشر في 01 أبريل 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

أمادو دياللو مواطن أمريكي أسمر البشرة كان عائدا إلى منزله في وقت متأخر، وكانت عناصر الشرطة في الجوار، وبالتحديد أربعة من ضباط الشرطة البيض. رأوا دياللو وشكوا أنه مغتصب يبحثون عنه فاقتربوا منه لتأكدوا من ظنونهم. ولكنه عندما رآهم يقتربون شعر بالقلق وفر هاربا تجاه منزله، فزاد هذا من شكوكهم فركضوا خلفه، و عندما اقتربوا منه قام بوضع يده في جيبه و أخرج شيئا أسودا صلبا. ولم تتردد عناصر في أطلاق النار عليه. أطلقوا 41 رصاصة على دياللو، 19 منهم أصابوه فمات على الفور، وبعدما اقتربوا من مفارقته للحياة اقتربوا منه ليتعرفوا على كنه هذا الشيء الأسود الذي كان يمسك به وكانت المفاجأة مجرد حافظة نقود.

41 رصاصة من أجل حافظة نقود سوداء! أحدثت هذه الواقعة جدلا واسعا في أمريكا وقت حدوثها (1999)، وقامت الجماهير بالتظاهر ضد الشرطة التي قتلت مواطنا بريئا لأنه كان يحمل حافظة نقود سوداء في يده ولتبقى العديد من الأسئلة عالقة في الأذهان : هل لو كان دياللو أبيض البشرة هل كان سيلقى نفس المصير؟ هل لو كان دياللو أبيض البشرة هل كانوا سيشتبهون به أصلا؟ وهل رأت عناصر الشرطة حافظة النقود بعينها أم بعقلها؟

القولبة النمطية مفهوم مستعار من عالم الطباعة وهي الصفيحة التي تستخدم لإنتاج نسخ مطابقة للأصل وتعني الحكم الصادر على فرد ينتمي لفئة معينة بسبب وجود فكرة مسبقة أو شيوع وصف محدد لهذه الفئة، فيقوم مستخدم القالب بإضفاء صفة العمومية وإنزال هذه الفكرة أو الوصف على كل المنتمين لها. رجال الشرطة استدعوا فكرة أن السود مشاغبين وانزلوها على أمادو فحدث ما حدث.

في هذه المقالة نتناول أمثلة على القوالب النمطية في حياتنا ولماذا يلجأ البشر لاستخدامها وأثر القولبة على القرارات في مجال الأعمال.

الأمثلة على القوالب النمطية كثيرة وتقريبا تناولت كل فئات البشر التي يمكن تصنيفهم على أساسها:

النساء لا يجدن قيادة السيارات، قصار القامة خبثاء، و الطوال حمقى، اليابانيون مهذبون محبون للعمل، ذوو الأصول الأسيوية ماهرون في الرياضيات، لاعبو كرة السلة طوال القامة، الأفارقة يحبون الرقص و عزف الموسيقى و يبرعون في ألعاب القوى عندما لا يكونون مشغولين بالانقلابات العسكرية، السيدات لا يجدن الرياضيات، والصعايدة دماغهم ناشفة، حتى الأغاني تناولت القوالب النمطية: الجراحون باردون و كذلك البريطانيون ( عنده برود أعصاب و لا جراح بريطاني).

وإذا تناولنا أحد هذه القوالب – لاعبو كرة السلة طوال القامة – بشيء من التحليل نجد أن هذا التعميم صحيح في الغالب، فمتوسط أطوال لاعبي السلة أعلى بكثير من متوسط طول عامة الناس، فهذه هي الصورة النمطية، لكن هناك بالتأكيد لاعبي سلة أطوالهم متوسطة وربما يكونون قصار القامة أيضا.

في كتابه الصادر عند مطلع عشرينيات القرن الماضي، يوضح المفكر الأمريكي "والتر ليبمان " وهو من أهم رواد علوم الاتصال والاعلام في عصرنا، أن الناس لا يتبعون منهج التحليل القائم على أساس التعمق والتفصيل والتأمل والإمعان، وإنما يفكر أفراد المجتمع البشري في عمومهم باتباع نهج التعميم (الأقرب نسبيا إلى التسطيح).

يشبع تصنيف الأشخاص رغبة متأصلة فينا فأنت الآن لست بحاجة إلى أن تتساءل بشأن كل فرد كيف يفكر؟ وعلماء النفس لا يكتفون بهذا التفسير لذا فهم يقولون أن الناس يحبون و يرغبون و يحتاجون إلى تصنيف العالم (المادي و الاجتماعي) إلى مجموعات صغيرة لطيفة يحمل كلا منها مجموعة من الخصائص و ذلك لسببين أثنين:

الأول: أننا نعشر البشر أصحاب طاقة ذهنية محدودة والعالم من حولنا معقد ويزداد تعقيدا مع كل لحظة، فما أن نصف مجموعة معينة بعدة صفات لا نحتاج إلى التفكير المستمر في كيفية التعامل مع كل فرد ينتمي لهذه المجموعة، يكفي استدعاء النمط الذي كوناه سابقا لنحكم بسرعة على كل من ينتمي لهذه الفئة. هذه الطريقة أوفر للوقت وأقل في اشغال الذهن.

الثاني: تلك القوالب النمطية تشبع الرغبة المتأصلة فينا لتوقع العالم المحيط، فأنت لست بحاجة إلى أن تتخيل ماذا يرتدي رجل خليجي، إنه يرتدي حلباب ودشداشة.

وإذا قمت بالبحث عن الموظف المناسب لوظيفة معينة وتقدم إليها اثنان مستوفيان للكفاءات المطلوبة في الإعلان أحدهما ياباني والأخر هندي، وأنت تقلب أوراق السيرة الذاتية الخاصة بهما ستنحاز للياباني لاعتقادك أنه أكثر كفاءة واتقانا فالصورة النمطية للياباني أنه مجتهد وذكي. وإذا كنت مدربا لكرة السلة وعرضوا عليك مجموعة من الناشئين فستضم طويل القائمة لفريقك أما قصير القامة أو متوسطها فستستبعده لأنه لا يصلح للعب السلة وأحيانا يذهب هذا المستبعد إلى مدرب آخر لا يتخذ قراراته على أساس الصورة النمطية ويجد في هذا اللاعب تميزا في مهارات السلة ويضمه لفريقه حيث يتألق.

خلاصة الأمر أن لكل قاعدة استثناء لأنها ليست صحيحة دائما وإنما صحيحة معظم الوقت وينطبق هذا على السلة فمعظم لاعبي السلة طوال القامة وليس جميعهم وينطبق هذا أيضا على باقي الصور النمطية. وإذا كنت قائدا لمجموعة أو مديرا لفريق عمل تريد أن تتخذ قراراتك بسرعة وبدقة فستعاني حتما من المأزق الآتي كلما حاولت أن تضم عضوا جديدا إلى فريقك : إذا تعاملت معه على أساس الصورة النمطية للفئة التي ينتمي إليها فستحكم عليه بسرعة وهذه ميزة ان كانت الصورة النمطية منطبقة عليه و لكنك ستعاني من حكمك (قرارك لا يتسم بالدقة) لو كان الوافد الجديد استثناءاً للفئة التي ينتمي إليها فلو كانت الصورة النمطية سلبية و هو جيد فقد خسرت عضوا جيدا أما إذا كانت الصورة النمطية جيدة و الوافد غيرها فقد ضممت لفريقك من لا يستحق ذلك، و إذا تعاملت معه على غير أساس الصورة النمطية فسيكلفك هذا وقتا إضافيا في كل مرة تتعامل فيها مع وافد جديد لتستكشف حقيقة من هو و لكن قرارك سيتسم بالدقة. القرار السليم يستلزم الدقة والدقة تستلزم وقتا حتى لا تقتل بريئا بسبب محفظته السوداء.



   نشر في 01 أبريل 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا