أذكر أنني عندما حكت لي جدتي لأول مرة حكاية ليلى والذئب ، نظرت لها بخوف وسألتها :
_ جدتي .. هل أكتشف يوما أنك لست أنت وأنك الذئب ؟!
ضحكت كثيرا وأخبرتني أنها تحبني وأنها لا يمكن أن تكون الذئب ، صدقتها ، ورحلت جدتي ، وإلى الآن أوقن أنها لم تكن يوما ذئبا أو في زي الذئب .
الإيمان الذي زرعته في جدتي لم يتزعزع أبدا ، حتى بعد أن اكتشفت أن الطيبين الذئاب موجودون في عالمنا .. ولكن .. ماعلمته لي جدتي أن الذئاب الطيبين أيضا موجودون بكثرة ..
الذئاب الطيبون ! هل فكرت بهم يوما ؟!
إنهم هؤلاء الذين حكم عليهم الزمن بأن يرتدوا قناع الذئب فوق قلوبهم المرهفة ومشاعرهم الحساسة ، هؤلاء الذين نرجمهم بالحجارة ونتهمهم دوما أنهم أكلوا ليلى ، لماذا لم نفكر يوما باحتمالية أن ليلى _ربما _كانت خادعة أو ضحلة التفكير ، وأن الذئب عندما وجد جدتها قد ماتت قبل وصولها تنكر في زيها كي يسري عن ليلى ويخفف عنها ؟!
لماذا هربت ليلى ؟! لماذا صدقناها وهي تحكي لنا بدموع هيجت مشاعرنا عن الذئب الذي هب ليأكلها ؟! لماذا لم نصدق يوما دموع الذئب ؟! أليس هو نفسه من سلالة الذئب البرئ من دم يوسف ؟!
ألأننا ببساطة لا نستطيع أن نتحلى بصبر وحكمة يعقوب الذي ما صدق أن الذئب أكل يوسف ؟! ألأننا تعودنا دوما أن نصدق دموع الضعيف وننبذ دموع القوي مهما كان قلبه مستحقا للشفقة ؟!
إننا -جميعا-ظالمون ، جميعا نستمتع بأن نقف في قاعة محكمة لنرجم المتهم بحجارة ألسنتنا و لا ننظر إلى الدماء التي تسيل من قلبه ولا نسمع صوته الذي لايستطيع أن يصرخ بنا : " إني بريء " !
جميعنا لا يعلم أن الله القوي القادر بإمكانه أن يربي أحدنا بأن يضعه تحت وطأة الظروف التي تجعله يوما في مكان الذئب الذي يلتف حول نفسه في حيرة لا يعلم لماذا يكرهه الجميع إلى هذا الحد ، وعندها لن يسمع أحد الصراخ الصادر من روحه !
نحن لا نعفو ولا نسامح ولا نتعلم أبدا أن الجرح لا ينشأ ذاتيا ولا يستحدث من العدم ، إنما ينشأ الجرح من جرح من جرح من جرح !
من يجرحك لديه ألف سبب لذلك ، ومن تجرحه لا تعرف كيف تدافع عن نفسك أمامه ! لا تعرف كيف تشرح له كل تلك الخيوط المعقدة التي أودت بك إلى ذلك ، لا تعرف كيف تخبره أنك حقا مجروح .. مجروح !
هل نصنع أقدارنا بأيدينا ؟! .. لا بل العليم الخبير بنا هو الذي يحركنا ، هو من يوزع الأدوار بيننا ، ولكنه يترك لك أن تختار ..
أتكون ذئبا آخر في شكل ليلى ؟!
أم تكون ليلى طاهرة في شكل ذئب ؟!
-
آلاء عبد السلاميا قارئي لا ترج مني الهمس لا ترج الطرب .. هذا عذابي ، ضربة في الرمل طائشة وأخرى في السحب .. (محمود درويش)
التعليقات
احيانا نحكم بظاهر وننسى ان هناك طرف اخر او قصة اخرى او لربما هناك ثغره في اين كان
تحية لك
يجب التريّث والعقلانيّــة في الحكم على النّاس وأن نتفهم دائما الأسباب.
مقال جميل جدا