كاليدونيا الجديدة ... منفى الأجداد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كاليدونيا الجديدة ... منفى الأجداد

حوالي 20 الف جزائري مازالوا يعيشون في الجزيرة

  نشر في 04 مارس 2017 .

الثامن من مايو أيار من سنة 1870 ، يقف البطل الجزائري الشيخ الحداد أمام جمع غفير في سوقٍ ، رافعا عصاه و مخاطبا أنصاره :” سنرمي فرنسا كما أرمي عصاي ، ورمى عصاه في السماء” ليعلن رسميا الجهاد ضد المستعمر الفرنسي واضعا حجر الأساس لواحدة من أكبر بطولات ومقاومات التاريخ الحديث إنّها ثورة المقراني والشيخ الحداد ، لتندلع بعدها فصول الشجاعة و الرجولة و الدفاع عن الجزائر في وجه المستعمر ، مقاومة امتدت من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب ، مكبدة المحتل الفرنسي خسائر فادحة ، وتراجع رهيب ، حيث وصل به الأمر إلى فقدان بعد المدن وتحريرها من طرف المجاهدين الجزائريين تحت قيادة الشيخ المقراني والحداد ، إلى ان تمكنت فرنسا و أذنابها الخونة من قتل القائد الشيخ المقراني ، لتبدأ الملحمة في الانحسار ، انحسارٌ تحوّل بعدها إلى تراجع وانهزام ، وكعادة فرنسا الاستعمارية الفاشية ، حان وقت العقاب .

كاليدونيا الجديدة ، مستعمرة فرنسية منذ سنة 1853 و عاصمتها نوميا ، تقع كاليدونيا الجديدة في قارة أوقيانوسيا جنوب المحيط الهادي، تبلغ مساحتها 19 ألف كيلو متر مربّع عدد سكانها يبلغ اليوم 250 ألف ، من بينهم 20 ألف من أحفاد الجزائريين ، تبعد عن الجزائر العاصمة نحو 22 ألف كيلومتر ، ارتبط اسم كاليدونيا الجزيرة بمستعمرة المنفيين ، حيث كانت فرنسا وقتها تجعل من بلد سجن تعاقب به مستعمراتها من جهة ، ومن جهة أخرى تستعبد هؤلاء حتى يعمروا هذه المستعمرة الجديدة ، التي جعلتها باريس محافظة فرنسية تابعة للعاصمة الفرنسية .

لم تصمد مقاومة المقراني والحداد كثيرا فبعد شهرين من القتال والبطولات في عام 1971 يستشهد الشيخ المقراني ويعتقل الشيخ محمد امزيان الحداد ، ليعذب من طرف الخونة والحركي حتى استشهاده ، قرّر المستعمر الفرنسي أن يعاقب الجميع ظنّا منه كي لا تتكرر انتفاضة هذا الشعب . عقابات عديدة من إعدامات ميدانية ، إلى فرض ضرائب باهظة وتجريد الأهالي من السلاح ، إلى أخطر عقوبة ، عقوبة عمد المحتل الفرنسي ابتكارها إمعاناُ منه للانتقام الشديد مِن مَن حمِل السلاح ضده ، وهي نفي أكثر من 2000 جزائري من بينهم قيادات في المقاومة الجزائرية آنذاك إلى جزيرة كاليدونيا الجديدة التي تحتلّها جنوب المحيط الهادئ .

جميع القادة ويتقدمهم أبو مزراق المقراني شقيق القائد الشهيد الشيخ المقراني ، و نجلا الشهيد القائد الشيخ الحداد ، محمد وعزيز ، ينقلون رفقة أكثر من 2000 مقاتل من المقاتلين الشجعان ، من ميناء وهران إلى ميناء طولون بفرنسا ليكملوا طريق الموت والعذّاب نحو النفي إلى المجهول ، بدءاً من شهر يونيو حزيران من عام 1873، وتشير الإحصائيات غير الرسمية أن فرنسا نفت ما يقارب 2106 جزائريين إلى كاليدونيا الجديدة حتى نهاية القرن التاسع عشر ، لنعد إلى الأبطال أبو مزراق ورفاقه وكيف كانت رحلة وصولهم إلى مستعمرة الموت.

من قسنطينة إلى وهران .. ومن وهران إلى طولون .. ومن طولون إلى كاليدونيا الجديدة في رحلة النفي الى المجهول ، كان زادهم في الرحلة التمر والماء ، لم يكفي الماء والتمر لباقي الرحلة ، فكان خيار الأبطال إما أكل البحارة والمتكون بدهون الخنازير أو الموت جوعا ، ولأنّ أبطالنا في تلك السفن كانوا رجالا أولاّ وفيهم من العلماء والقادة ما فيهم ، أصروا على الجوع بدل أكل ما حرّم الله ، ليموت فعلا بعض منهم جوعا وتتم الصلاة عليهم في السفن ، ودفنهم في البحار ، ليكتب الله وصول من سلّم في الطريق إلى كاليدونيا .

سعت فرنسا إلى إنشاء عمران غربيّ في كاليدونيا ، فرأت في سواعد الجزائريين المقهورين أحسن أداة للتشييد هذا المشروع ، فقضى الجزائريون المنفيين عقوباته مقاومتهم للمستعمر ، بأعنف صورة حيث تم استغلالهم بصورة غير إنسانية في العمران وفي خدمة المعمرين ، حيت يحكي أحد أحفاد الجزائريين المنفيين في ذاكرة جدّه أن المعمرين الفرنسيين كانوا يضعون الجزائريّ كرهان فوز في القمار حيث أن الرابح يأمر الجزائري بخلع ثيابه والنزول في حفرة لا يظهر منها إلاّ رأسه ، ثم يتعلم في رأسه الرماية ، هذا قليل مما روى الكثير أبشع و أنذل وأحقر من ذاك.

مرت السنوات على الأجداد كما مرّت السنوات على الأحفاد ، عاد من أراد ، وعاد من كتب اللّه له الموت في أرض أخرى ، وبقي الكثير ، يعيش الآن في كاليدونيا الجديدة أكثر من 20 ألف من الجزائريين ، حاملين دون إرادة للجنسية الفرنسية ، في وقت أصبح فيه خط الجزائر باريس ، لا يكاد يرى ظلمة وإن تمناها من القلب كل الجزائريين من حدود تيندوف غربا إلى كاليدونيا شرقا ، تأبى هذه الإبادة في حق أجدادنا أن تزول ، رحم الله الشهداء ، والخزي والعار دوماً على العملاء 


  • 1

   نشر في 04 مارس 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا