لا زلتْ أبحثُ عن طريق يدّلني إلى صوابي، لمْ نعرفُ أنفسنا وَلسنا نعرف ما تُحبْ وما تكرهْ، تَعيشُ النفس في داخل أحدنا غريبة عنه وكأنها ضيفٌ أسكنَه مُضيفةٌ في قبو مُظلم، وما زال ينتظر الفرج.
كُلما تجولت بالعديد من الطرق، أشعر بأني تائه بهذهِ المدينة الخاوية على عروشها، لا شيئٌ يشبه الأشياء التي بِذاكرتي، السيارات تضاعفت وقدْ عَلت أصواتها، حَتّى السماءُ التي كِدتُ أن أحفظ مواقع نُجومها قد تغير لونها، وأصبحت تحمل اللون الكَئيب، و أيضاً الوردُ المزروع على جنبات هذه المدينة الصامتة قدّ شاخُ وذبل.
لا زِلتُ أبحثُ هِنا و هُناك عن إبتسامة تِلكَ المرأة العجوز التي كنت ألمَحُها قبيل خُروجي للجامعة، لَكنّي أخشى بأنّ تِلكَ الابتسامةُ تَلاشَتْ و قَدّ تَحوّلت لِحُزن وِسع المدى.
لَجأتُ إلى أحد المقاهيْ بطريقي الذي أكاد أجّهله، لِكَي أَنال قليلٌ من الراحة، فجأةً تسللت إلى ذاكرتي أصوات ضحكات السائقين، بينما هُم في راحة من إرهاق العَمل، كُنتُ أودّ أن أعيش طقوس القهوة القديمة عن طريق إيجاد جريدة ما معنونة ب " الأيام، الحياة الجديدة ... " ، مَع صَوتُ أشجانْ السيدة أم كلثوم، لِعَلّيْ أجد نفسي، لكن هذا لم يحدث، لم أجد إلا كافيه هادئ يُوجد به كُل شيئ تتخيله إلا إبتسامات الناس، وَجدتُ كُل شخص بذاكْ الكافيه مُصوب رأسه تِجاهْ النافذة غارقٌ بأوهامه.
اكتشفتُ بأنّهُ لا شيئَ يُذكرنيْ بِالماضيْ الجَميلُ وَ لا زِلتُ تائهٌ، وقفت في مَحطة القطارات لِكي أركبُ في قطار متجه لِطريقٌ أجهله، نظرتُ في نافذة القطار، لِيفاجئني وجه في منتهى التعاسة، ينفطر قلبي لِحزنه، أَكادُ أن أسألهُ إن كَان بِوسعي فِعلُ أيْ شيءٌ من أجلهْ، لِأكتشف أن هذا الوجه إنعكاسٌ لِوجهي على النافذة القريبة.