هذا الإكتشاف المُسمى بـ " المِرآة " عبقري , وغريب بذات الوقت ! ..
يجعلك تنظر إلى نفسك نظرات مختلفة , ليست نظرات تفاخر بملامحك التي تُذيب القلوب في لحظة , ولكنها نظرات أعمق من ذلك وتفوق تصورك ..
بمثولك أمامها تنكشف كل الحواجز , وتُزال جميع العقبات التي تُعرقل بينكم الطريق , نظرات من ضاع وفقد طريقه ولكنه الآن قد وصل لمقصده , نظرات المشتاق لوطنه , نظرات الغائب عن أصله , تستطيع بمجرد نظرات لتلك النسخة التي تنعكس منك أمامك أن تغوص في أعماق ذاتك , وتستكشف أسرارك التي ظلت مستترة فيك منذ أن دبت روحك لهذا العالم , وكل هذا وأنت لم تخطو بخطوة واحدة من مكانك حتى ! , مجرد نظرات قادرة على أخذك لعالم آخر لم تتخيل أن تذهب إليه يوماً ! ..
حينها ستجد التساؤلات تنغمر عليك , ومن جانبك لا تجد أي خيار سوى أن تطرحها على نسختك الكامنة في هذا الإكتشاف العجيب , في إنتظار أن تُجيب عليك وتُخمد نيران فضولك , تساؤلات تُدهش عقلك , وتبعث فيه الحيرة , وفي نفسك الإضطراب , وتبدأ في إطالة نظراتك وتحسب أن بتلك الإطالة ستتوصل لإجابة منطقية , ولكنك لا تجد سوى تأملات مطولة في غياب وضوح الحقائق ! ..
من أنت ؟
كيف جئت إلى هنا ؟
كيف تكون رؤيتك واضحة إلى هذا الحد وأنا أحارب كل لحظة من أجل رؤيتك على ملامحك الأصلية ؟! ..
تُزيد من التساؤلات , وتضيع الإجابات في صعوبة الموقف , ولكنك في نهاية الأمر لا تجد سوى قرار واحد , قرار قد يضيف إلى بالك راحته من جديد , ولقلبك امنه مرة أخرى ..
قرار التصالح مع نفسك , وتقبلها بكل ما فيها , بكل ما تراه وما تعجز عن رؤيته , تمد يدك فتجعلها تُلامس نقطة إلتقاء أناملك بأنامل نسختك التي بدورها تمد لك يدها أيضاً , نفسك تلك التي تنظر إليك عبر عازل قابل للتهشيم , والغريب أنه حتى وإن هشمته لن تجد خلفه نفسك تستقبلك بالترحاب !
إن إختفى أحدهم يفنى الأخر ولا يستغنى واحداً عن رفيقه ! , علاقتهم متكاملة ولا تقبل بالنقص , نقصها الوحيد هو نقص الفهم , نقص الوصول بالعقل لحل لغزها .. لا يختلفوا كثيراً عن أي توأم مُلتصق , أينما يذهب أحدهم يتواجد الآخر , ووقتما تتصاعد ضحكات الأول تندفع دقات قلب الثاني , فناء الأول هو القضاء الأبدي على الثاني , وحياة الثاني هي نبض الأول , فكيف تتوقع أن يستغنى أحد عن رفيق دربه ؟! ..
إذاً ..
ألم تجد الآن أن هذا الإختراع عجيب حقاً ؟ , يمكنك في لحظة رؤية نفسك التي شاركتك كل لحظات عمرك من أن خُلقت , وفي لحظة اخرى ترى نفسك ذاتها غريبة لا تمثلك بأي شكل من الأشكال ! , يمكنك في لحظة أن تُبرم معها إتفاقية سلام مؤبد , وتعتبرها صديقك الصدوق الذي لن تقوى على العيش بدونه , وفجأه تتبدل الأدوار , وتجد تلك الإتفاقية السليمة تتحول لإتفاقية دمار وحرب لما لانهاية ! , صديقك الصدوق هذا يتشكل إلى عدوك الأوحد , وتجد أن القضاء عليه مهمة لا مفر منها , وإن لم تكن محارب شجاع سينتصر عليك ويسحقك ويُدمرك أشد التدمير وأعنفه ! , هذا التبدل الغريب هو أصل المُعاناة التي يحياها البشري المسكين , بين ذاته التي يحاول تقبلها وبين نفور عقله من هذا التقبل , فهو لا يعرف كيف يتقبل شيئاً لا يعرف أصله , هو لا يعرف أصل نفسه , لا يعرف كيف يجدها وكيف يتعايش معها , لا يعرف من أين بداية الوصول لها , لذاته الحقيقية التي بيحث عنها ويضيع في كل مرة يبحث فيها بكل ما اوتي من قوة !
غريب هذا اللغز , والأغرب هو إصرار البشري على إستمرار البحث عن مفتاح حل غموضه , فلا يفقد الأمل في إيجاد الوسيلة المناسبة والمُثلى , ولكنه في نفس اللحظة يفقد الأمل في فهم ما يحدث داخله من إضطراب عنيفة شاقة تكاد تقضي على إستقراره وإتزانه ! ..
وإن كان يعاني من إضطراب فكره في حل ملايين الألغاز , سيظل هذا اللغز " لغز إكتشاف الذات " هو أكثرهم قسوة , فأما أن يخرج من تلك المعركة مُنتصراً بالحل , وأما أن يخرج منها مجرد أشلاء !
التعليقات
الخلاصه صدقتى