إتفاقية سلام .. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إتفاقية سلام ..

  نشر في 28 يوليوز 2018 .

هذا الإكتشاف المُسمى بـ " المِرآة " عبقري , وغريب بذات الوقت ! ..

يجعلك تنظر إلى نفسك نظرات مختلفة , ليست نظرات تفاخر بملامحك التي تُذيب القلوب في لحظة , ولكنها نظرات أعمق من ذلك وتفوق تصورك ..

بمثولك أمامها تنكشف كل الحواجز , وتُزال جميع العقبات التي تُعرقل بينكم الطريق , نظرات من ضاع وفقد طريقه ولكنه الآن قد وصل لمقصده , نظرات المشتاق لوطنه , نظرات الغائب عن أصله , تستطيع بمجرد نظرات لتلك النسخة التي تنعكس منك أمامك أن تغوص في أعماق ذاتك , وتستكشف أسرارك التي ظلت مستترة فيك منذ أن دبت روحك لهذا العالم , وكل هذا وأنت لم تخطو بخطوة واحدة من مكانك حتى ! , مجرد نظرات قادرة على أخذك لعالم آخر لم تتخيل أن تذهب إليه يوماً ! ..

حينها ستجد التساؤلات تنغمر عليك , ومن جانبك لا تجد أي خيار سوى أن تطرحها على نسختك الكامنة في هذا الإكتشاف العجيب , في إنتظار أن تُجيب عليك وتُخمد نيران فضولك , تساؤلات تُدهش عقلك , وتبعث فيه الحيرة , وفي نفسك الإضطراب , وتبدأ في إطالة نظراتك وتحسب أن بتلك الإطالة ستتوصل لإجابة منطقية , ولكنك لا تجد سوى تأملات مطولة في غياب وضوح الحقائق ! ..

من أنت ؟

كيف جئت إلى هنا ؟ 

كيف تكون رؤيتك واضحة إلى هذا الحد وأنا أحارب كل لحظة من أجل رؤيتك على ملامحك الأصلية ؟! ..

تُزيد من التساؤلات , وتضيع الإجابات في صعوبة الموقف , ولكنك في نهاية الأمر لا تجد سوى قرار واحد , قرار قد يضيف إلى بالك راحته من جديد , ولقلبك امنه مرة أخرى ..

قرار التصالح مع نفسك , وتقبلها بكل ما فيها , بكل ما تراه وما تعجز عن رؤيته , تمد يدك فتجعلها تُلامس نقطة إلتقاء أناملك بأنامل نسختك التي بدورها تمد لك يدها أيضاً , نفسك تلك التي تنظر إليك عبر عازل قابل للتهشيم , والغريب أنه حتى وإن هشمته لن تجد خلفه نفسك تستقبلك بالترحاب !

إن إختفى أحدهم يفنى الأخر ولا يستغنى واحداً عن رفيقه ! , علاقتهم متكاملة ولا تقبل بالنقص , نقصها الوحيد هو نقص الفهم , نقص الوصول بالعقل لحل لغزها .. لا يختلفوا كثيراً عن أي توأم مُلتصق , أينما يذهب أحدهم يتواجد الآخر , ووقتما تتصاعد ضحكات الأول تندفع دقات قلب الثاني , فناء الأول هو القضاء الأبدي على الثاني , وحياة الثاني هي نبض الأول , فكيف تتوقع أن يستغنى أحد عن رفيق دربه ؟! ..

إذاً ..

ألم تجد الآن أن هذا الإختراع عجيب حقاً ؟ , يمكنك في لحظة رؤية نفسك التي شاركتك كل لحظات عمرك من أن خُلقت , وفي لحظة اخرى ترى نفسك ذاتها غريبة لا تمثلك بأي شكل من الأشكال ! , يمكنك في لحظة أن تُبرم معها إتفاقية سلام مؤبد , وتعتبرها صديقك الصدوق الذي لن تقوى على العيش بدونه , وفجأه تتبدل الأدوار , وتجد تلك الإتفاقية السليمة تتحول لإتفاقية دمار وحرب لما لانهاية ! , صديقك الصدوق هذا يتشكل إلى عدوك الأوحد , وتجد أن القضاء عليه مهمة لا مفر منها , وإن لم تكن محارب شجاع سينتصر عليك ويسحقك ويُدمرك أشد التدمير وأعنفه ! , هذا التبدل الغريب هو أصل المُعاناة التي يحياها البشري المسكين , بين ذاته التي يحاول تقبلها وبين نفور عقله من هذا التقبل , فهو لا يعرف كيف يتقبل شيئاً لا يعرف أصله , هو لا يعرف أصل نفسه , لا يعرف كيف يجدها وكيف يتعايش معها , لا يعرف من أين بداية الوصول لها , لذاته الحقيقية التي بيحث عنها ويضيع في كل مرة يبحث فيها بكل ما اوتي من قوة !

غريب هذا اللغز , والأغرب هو إصرار البشري على إستمرار البحث عن مفتاح حل غموضه , فلا يفقد الأمل في إيجاد الوسيلة المناسبة والمُثلى , ولكنه في نفس اللحظة يفقد الأمل في فهم ما يحدث داخله من إضطراب عنيفة شاقة تكاد تقضي على إستقراره وإتزانه ! ..

وإن كان يعاني من إضطراب فكره في حل ملايين الألغاز , سيظل هذا اللغز " لغز إكتشاف الذات " هو أكثرهم قسوة , فأما أن يخرج من تلك المعركة مُنتصراً بالحل , وأما أن يخرج منها مجرد أشلاء ! 


  • 6

   نشر في 28 يوليوز 2018 .

التعليقات

أحسنت
1
نورا محمد
اشكرك د/ سميرة .. شرف لي مرورك الراقي , خالص تحياتي لكِ يا مبدعة القلم والفكر :)
Ahmed Tolba منذ 6 سنة
سيظل هذا اللغز " لغز إكتشاف الذات " هو أكثرهم قسوة , فأما أن يخرج من تلك المعركة مُنتصراً بالحل , وأما أن يخرج منها مجرد أشلاء !
الخلاصه صدقتى
1
نورا محمد
أشكرك أستاذ أحمد .. نعم هي حقيقة لا يمكن إنكارها , بشكرك على مرورك الكريم ووجودك الرائع تحياتي لك يا مبدع الفكر :)
Ahmed Tolba
عفوا استاذه نورا

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا