لَوْ أنَّها تلْتفِتُ مرَّة أُخرَى
لَوْ أنَّها تلْتفِتُ مرَّة أُخرَى
نشر في 12 شتنبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
َيبْدأ اهتِمامُ الفتاة بنفْسِها منذ صِغرها إلى أن تَصِير شابَّةً فامرأةً ، في هذه المرحلِة بالضبط غالباً ما يبدأ ذلك الاهتمام في التَّراجُع تحت عُذر السِّن أو الزواج أو الأمومة....
النساء و المرايا أصدقاء قرباء جداً ، علاقة المرأة بِجَمالها تبتدأ منذ الصِّغر ، منذ نُعُومَة أَظافِرِها ، فما إن تصير الفتاة في سن الخَمْسِ سنوات تقريباً حتى يبدأ ذلك الاهتمام في الانبثاق ، تحمل بين يديها الصغيرتين مشطا تمشط به شعرها و هي واقفة تنظر في المِرآة ، و أحيانا كثيرةً تسرِق أحمر الشفاه من والدتها لتضَعه على شفتيها الصغيرتين ، و قد تكسِر رجلها من كثرة محاولاتها اللامتناهية المشي بكعب خالتها العالي ، وقد تجِدها غارقةً وسَط كوْمةٍ من مساحِيقِ التجميل ملامِحُ وجهها البريء تعلوه براءة ملطَّخة بأحمر الخدود و الماسكارا و كأنها ولدت على فطرة الاعتناء بجمالها...و كثيرا ما تتنافس هي و صديقاتُ حيِّها عن مَنِ الأجمل فتجدهن ينظِّمن مسابقات جمال تكونُ الفائزة فيها دائما الشَّقراء صاحبةُ الشَّعر الحريري و العيون الزرقاء أو ربما صاحِبةُ الشَّعرِ الأسود المنسدل و العيون العسلية (في هذه الحالة لا تَقطُنُ الحيَّ شقراء)...
هكذا هُنَّ النساء تُبدينَ اهتماماً كبيرا بأنفسهن يتنافسْنَ مِنْ أجل إبراز جَمالِهن...لكن ما الذي يحَدِّدُ تلك المعايير في اخْتِيارِ الأجمل؟ ! لماذا تُعتبَر النساءُ في أغلبِ المُجتمعات و الثقافاتِ ذوات الشَّعر الحريري الأَجَمل و ذوات العيون الزرقاء أجمل و صاحِباتُ الجِسمِ الممشوق و البشرةِ الصافية البيضاء أجمل ؟! لماذا تسعى النساء الأخريات جاهدات لإقصاء أنفسهن ؟! و لماذا هذا الإقصاء ألإرضاء أنفسهن مثلاً ؟!
لِمُدَّة طويلةٍ كُنْتُ في صَفِّ النساء اللَّواتي يقصين أنفسهن ، اللواتي يحرِصنَ جاهدات على امتلاك معايير الجَمالِ التي نَحَتَها الزمن على جِباهِ النساء. كنت كلما رأيتُ نفسي في المرآة بحثتُ عن تلك المعايير ، لم يكن شعرِي المتموج يعجبني ، رغبت في شعرٍ أملسَ بشدَّة يلامسه الريح فيُرَفْرِف ، عُيُوني البنية ، هالاتي السوداء ، البثور في وجهي و جَسدِي الغيرِ المَمشوق ، كُلُّها كانت تثِيرُ اشمئزازي ، تجعلني غَير راضية تماما عن نفسي ، أرفض بسببها الرؤية في المرآة....أعلم أنني لست الوحيدة وأن هناك نساء كثيرات كلما رأين أنفسهن في المرآة عَبِسن و اشْمأزَزْن ، سواء بسبب أجسادهن أو ملامح وجههن الغير المؤهلة للحصول على جائزة نوبل للجمال....
لأولئك النساء أخط كلماتي اليوم ، أنا امرأة مثلي مثلكن اُدْرِكُ تماماً إدمانكُنَّ على مساحِيق التجميل و رغبتكن العميقة و الفطريَّة في أن تَظْهَرْنَ جميلات ، و مهما قيل لي أن جمال الإنسان داخله أجيب أن جمال الإنسان الداخلي لا يكتمل إلا بخارجه و العكس غيرَ أن النِّسَبَ تختلف من شخصٍ لاخر كُلٌّ حسَبَ جُودِه. لأولئلك النساء اللواتي لطالما رأين أنفسهن في المرآة و لم تَتَمكَّنَّ من رؤية انعكاسهنَّ بشكلٍ واضح ، الْتَفِتْنَ مرَّةً واحدةً أخرَى ، فقَطْ مرة واحدة أخرى...الْتَفِتْن و حاولن فَكَّ رُموزَ و شيفرات الانعكاس الضَّوئِي أمَامَكُنَّ كما ترِدْنَ أنتُن لا كما يريدُ المجتمع و تريد الثقافة ، و تَذَكَّرْنَ أنَّ قَانُونَ الانِعِكَاسِ واحد : كُلُّ النساءِ جميلات دُونَ استثناء.
اليَومَ كُلَّما وقفت أمام المرآة صَبَبْتُ كمية هائلة مِنَ الحُبِّ عَلَى كلِّ ذرَّةٍ منِّي ، هَالاتِي السَّودَاء لم تَعُد تُخْجِلُني ، هالاتي التِي ظهرت نتيجة حلمٍ أقْضِي الَّليْلَ مستيقظة مِنْ أجْلِ تحقيقه ، نتيجة أهدافٍ أحارب عتمة الليل من أجل بُلُوغِها يوماً ، من أجْلِ غدٍ مشرق...لماذا الخَجَلُ إذن ! ألا يعني خجلي من هالاتي خجلي من السعي وراء بلوغ أهدافي ؟ اليوم صار قلبي ينبض حبا لكل تفاصيلي.
هكذا فقط في لحظة كانت كبزوغ الفجر ، أدركت أنني لم أعد في حاجة لارتداء فستان المرأة الباربي بعد اليوم...
سيدتي فكي شعرك و المسيه بأطراف أصابعك تحسسيه إنه جزء من امرأة جميلة رائعة فلابد ان يكون هو الآخر رائعا. سيدتي لا بثورك و لا حواجبك الكثيفة و لا هالاتك السوداء قد تفسد جمالك ، سيدتي لا الخطوط على جسدك و لا آثار الولادة القيصرية على بطنك قد توقف تدفق هرموناتك الأنثوية. اربطي شعرك و تمعني جيدا في كل جزيئة من وجهك الجميل ، امرأة جميلة أليس كذلك!! اخلعي ملابسك أغمضي عينيك و تحسسي ذراعيك ، نهديك و عنقك ،تحسسي كل جزء من ذلك الجسد الذي طالما رفضتيه و أقصيتيه تحسسي آثار الولادة القيصرية ، ارفعي رأسك و انظري في المرآة وثم كرري"رائعة أنا"...اجلسي في العتمة و أنصتي لهمسك بهدوء....مارسي الحياة ، اكسري كل القوالب التي وضعها المجتمع لا تدعيها تفسد حياتك ، انزعي كل تلك الملصقات التي طالما ألصقت على جباه النساء...كفي عن تشييء نفسك ، تزيني لنفسك أولا.
لا الشعر الأسود و لا الأشقر ، لا البشرة البيضاء و لا السوداء ، لا العيون العسلية و لا الزرقاء و لا حتى الخضر ، لا الجسم الممشوق و لا البدانة و لا الأرداف الممتلئة ، لا طول القامة ولا قصرها تجعل منك جميلة ، إنما هو حبك لنفسك تماما كما أنت ، إنما هو رقيك ، طهارة قلبك ، نقاء ضميرك ، روحك المرحة ، ادبك و علمك هي ما تجعل منك سيدة جميلة ، سيدة تسعى جاهدة لتطوير نفسها.
-
BOUTAINA KASSI (بثينة قاسي)بثينة قاسي ، طالبة رياضيات أبلغ من العمر 23 سنة ، أكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني ، أكتب للمرأة و للرجل و للطفل و العجوز ، أكتب لمجتمع تنخر العاهات جسده ، أكتب لنفسي من أجل حياة تنبض بالحياة .