يتواصل معي عدد من الشباب سواء قبل الباكلوريا أو بعدها و بالخصوص المقبلون على مدارس الهندسة، يتساءلون و يستفسرون عن الشعبة المثلى ليتبعوها، هل الهندسة المدنية أفضل؟ أم هندسة الإعلاميات؟ أم هندسة الاتصالات؟ أم الهندسة الصناعية؟ أم شعبة أخرى.
دائما أجد نفسي محرجاً،
فيكون سؤالي أحيانا هو : ما هو معيارك في التفضيل بينهم؟ رغم أنني اعرف الاجابة التي تكون غالبا متعلقة بسوق الشغل و الشعبة المطلوبة فيه.
و حين تكون إجابتي : "لا أدري، أنت أدرى مني"، لا يستطيعون تفهمها.
كيف؟ غير معقول، أكيد أنت أدرى مني فقد مررت من هذه المرحلة.
المسألة تحتاج إلى توضيح، أنا استطيع اعطاء إرشادات و خطوط عريضة ولكن أنت أيها الطالب هو من يقرر.
و من جهة أخرى فالطالب يريد الاعتماد على رأيك في سوق الشغل اليوم ليستدل بذلك على فرص إيجاده لوظيفة مرموقة بعد ثلاث سنوات أو أربعة. هذا شبيه باستطلاع الغيب و لست منجماً و لا عرَّافاً و حتى هؤلاء يعجزون عن ذلك.
سأروي لكم تجربتي الشخصية.
حين كنت أستعد لاجتياز مباراة ولوج المدارس العليا للمهندسين، كنت أفكر في شعبة واحدة : الاعلاميات، ليس لأنها مطلوبة فقد كانت هندسة الاتصالات أكثر شعبية منها، كنت اريدها في أية مدرسة كانت لسبب بسيط : لأنني كنت أريدها و كفى.
بعد المباراة خولني ترتيبي أن أجد نفسي في المدرسة الحسنية و بالظبط في شعبة الهندسة المدنية التي لم يكن لها شعبية و خاصة بعد فترة قلة فرص الشغل لخريجيها قبل ثلاث سنوات من وقائع هذه القصة. و أتذكر أن ترتيب الطلب على الشعب في مدرستي حينها كان كالتالي : إعلاميات ثم هندسة كهربائية تليها المدنية. بصراحة كرهت الدنيا، فلن ادرس الشعبة التي طالما تشوقت إليها.
في الاسبوع الموالي جاءني أحد الزملاء ليخبرني أنهم سيقدمون مطلبا للإدارة لأنها ربما ستضيف بعض المقاعد في الهندسة الكهربائية. لم اتحمس الأمر فليست تلك لشعبة هي ما أريد.
بعد أخذ و رد ما نفسي قبلت بالأمر و قررت أن اكمل في الهندسة المدنية، و قبل تخرجنا بأسابيع، كنت أبحث في الجرائد عن فرص الشغل ليباغتني صديقي الكهربائي قائلا، أنت لا تحتاج إلى البحث فالمشغلون يكادون يأتون إليكم إلى المدرسة، نحن من هم في مشكلة حقيقية فلا يوجد أي إعلان يخصنا. ثم أضاف بغصة في حلقه: ماذا دهاني حين استعطفت الإدارة لأنتقل من الهندسة المدنية إلى الكهربائية قبل ثلاث سنوات؟؟
فعلا، فمن حسن حظي، شهد بلدنا حينها إطلاق أوراش كبرى جعلت موازين سوق الشغل تنقلب، و طبعاً إلتقينا حينها الوافدين الجدد يتعاركون على الهندسة المدنية التي أصبحت أول شعبة.
هل بقيت أول شعبة إلى يومنا هذا؟ لا أدري. لكن دوام الحال من المحال.
لذلك ايها السائل العزيز، أقول لك: توجه إلى الشعبة التي تريدها أنت، التي ترى نفسك فيها، التي ربما أنت خُلقت لها. ففيها سيكون عطاؤك و مردودك في القمة و ربما بدل البحث عن وظيفة فستُنشئ مقاولتك الخاصة و أنت من ستخلق فرص الشغل للآخرين.
و في الأخير أريد أن أشير إلى شيء مهم و رائع، هو أن من يبحث عما يحبه و يستهويه ثم يتخصص فيه، فلن يحس أبداً أنه يعمل بل يستمتع بوقته فيما يحب و يتقاضى أجراً على ذلك.
-
عبد الحفيظ بانيمستمتع و ممتن و محظوظ, باحث في أسرار الحياة و الكون و السعادة, مهندس في الهندسة المدنية, مؤسس و رئيس جمعية الرباط لعلم الفلك. أسعى لنشر حب الاستطلاع و العلم و التعلم و الوعي و الإرتقاء.