يصارع العالم مخلوق صغير لا يري بالعين المجردة ولكن هذا المخلوق بات شبح يطارد أفكارنا ويغذي مخاوفنا الكبيرة قبل الصغيرة. لقد فعل هذا المخلوق مالم يقدر عليه اقوي الزعماء واعظم القادة واشدهم بطشا! لقد اعطي للعالم فرصة لاخذ استراحة لطالما ارادها البعض ولم يقدر علي رفاهيتها. يراه البعض نعمة ويراه اخرون نقمة او غضب من الله. ولكني مازلت اراه فرصة للهرب من دائرة حياتنا الحديثة المليئة بضجيج لا يتوقف!

حين تسترجع شريط حياتك في اخر عشر سنوات.. ماذا سوف تري غير الركض.. ولما أسألك عزيزي القارئ دعني ابدأ بحالي.. نعم لقد كنت اركض كل يوم وحين ادخل فراشي ليلا اسمع انفاسي تلهث من كثرة الاحداث.. أعلم جيدا ان العزلة ليست صديقة للانسان الذي  يخاف من مواجهة حاله والجلوس معها. حين تواجهنا المشاكل نواصل في بناء اسوار تفصلنا عن حقيقيتها.. نلوذ بأنفسنا الي جزيرة اللوم حين نرمي أنفسنا علي شطها منتظرين أمواجه التي تواتينا بجميع انواع اللوم كلوم العائلة،اوالشريك،اوالظروف وفي بعض الأحيان الرب.. ولكن تلك الأمواج نادرا ما تحمل الينا لوم انفسنا اواختياراتنا.. لقد وضعنا هذا المخلوق امام اشد اعدائنا شراسة وهو انفسنا.. وهذه المرة اقفل العالم ابوابه في وجهك ولذلك لن تستطيع الهرب كالمعتاد.. لن تأخذ مسكناتك المعتادة لكي تثبت لحالك انه خطأ العالم وليس نفسك.. نعم العالم مكان قبيح ولكن انت جزء منه تحمل قبحه وجماله في نفس الوقت.. فإذا اراد العالم ان يستريح قليلا بعد ان ضاق بنا ذرعا اذن يجب عليك انت الاخر ان لا تخاف من نفسك عيش معاها فهي رفيقك الابدي.

لقد اعطانا هذا المخلوق فرصة للتخلي عن هوس السيطرة.. ليس من المضر ان تشعر بالعجز أحيانا. بالعكس يجب ان نعلم ان الضعف هو مصدر اي قوة.. وان الخوف حين يواجه لا يصبح الا رماد ضعف وشرارة امل في مستقبل جديد.

لن اتحدث عن التقدير فهناك العديد من المقالات والمنشورات تتحدث عن كيف قام هذا الوباء بتعليمنا ان مهما صغرت الاشياء ليس علينا غير فعل شئ واحد وهو تقديرها. اذن دعوني احدثكم عن الفقد وعن الفناء.. لقد علمنا هذا المخلوق ان الحياة قصيرة وكيف ان الموت ذلك الزائر الثقيل قد يزورك انت او احبائك في اي وقت غير مبالي فيما يخلفه ورائه من الم الفراق.. لا مفر من فراق الاحباب ويجب ان نتعلم كيف نحبهم سواء حاضرين ام غائبين.. يجب ان نتذكر دائما ان الموت مجرد بوابة عبور لعالم اخر يوجد فيه من سبقونا اليه ونحن لاحقون بهم.. لعلنا يجب ان نتذوق طعم هذا الفراق لنعلم حلاوة اللقاء الابدي..

لقد اعطي هذا المخلوق درس قاسي لصغارنا ولكنه قد يكون أعظم دروس حياتهم علي الاطلاق! لقد علمهم عبثية ضمان الاشياء.. لقد تعود معظم هذا الجيل ان كل شئ متاح وان حياتهم ممزوجة بسرعة هذا العالم الحديث الذي لا يعرف الوقوف.. سوف يتذكر هؤلاء الصغار ذلك الوقت الذي توقف فيه العالم وان بعض الأشياء يمكن ان تؤجل أو تختفي!

لقد اثبت لنا هذا المخلوق انه مازال وسوف يظل يعيش بيننا قابيل الذي لن يتأخر لحظة عن قتل اخيه لأنه لا يملئ قلبه غير الحسد والنفاق.. لا يجب ان تقتل بيدك حتي تصبح قاتلا يكفي ان تكون أفعالك غير مسئولة وقاتلة لمن حولك.. يكفي انك لا نزال تلقي بكلماتك كالحجر لتجرح مشاعر الناس وقلوبهم..

لقد اثبت هذا المخلوق ان من الممكن ان يكون في البلاء دواء! فتأملوا جيدا فيه قبل ان يعود الي طبيعته ونركب موجة النسيان..