يتصور الكثير منا أن كل شيء يبدأ فائقاً للجمال ، ثم يبدأ لمعانه بالخفوت التدريجي ، كما يقل انبهارنا بالأشياء عند النظر إليها بشكل متكرر ولمرات عدة في فترة زمنية قصيرة ، كما تفقد الكلمات صداها بعد أن تتردد في المدى طويلاً ، نظن أن كل شيء يبدأ كبيراً ثم يزداد في الصغر حتى ينتهي وربما يختفي ، إنها فكرة عابرة نستطيع تطبيقها على مشاعرنا المرتبطة بالحزن الدفين ، ومشاعر الفقد التي عادةً ما تبدأ مُحملة بيقين يجعلنا نصدق أن كل شيء انتهى تماماً و أن ما من عوض يستطيع ترميم ما تم كسره بداخلنا ، إلا أن مرور الوقت كان دائماً دليل قوي على أن الحزن لابد وأن يبدأ كبيراً بحجم مجرة حتى يتركز في حجم نجم متناهي الصغر لابد وأن ينفجر في لحظة ما !
الأمر مختلف تماماً إذا تم تطبيقه على العلاقات الإنسانية أو الأمور المادية على حد سواء ، ففي معرفتنا بمن حولنا ، نتداخل معهم رويداً رويداً ، نتبادل التحية والقليل من الجمل المقتضبة باحثين عن ما هو مشترك لنبحر معاً فيه ، وهذه دائماً هي البداية الأصعب ، فلا مساحة لحديث نتشارك فيه أو حفل لمغني نتفق عليه يمكننا الذهاب لحضوره ، ولا تجذبنا الموسيقى ذاتها ! إلا أننا على الرغم من كل هذا نتشبث بشيء ما بداخلنا يجبرنا على التعمق بداخلهم والبحث مجدداً عن أرض تتوسط المسافة بيننا يمكننا أن نتخذها محلاً مناسباً لنحظى بالقليل من الود والمحبة ، سنخطئ الطريق حتماً وسنتوهم الوصول ، حتى نعثر عن طريق الصدفة على خريطة تصف لنا الضفة الأخرى تفصيلاً ، مرفقة مع مفتاح لألغازهم الأكثر صعوبة وتعقيداً على الإطلاق ، فقط عند هذه اللحظة تبدأ المتعة الحقيقية ، نصبح أكثر تفهماً للطرف الآخر ، وأكثر استيعاباً لتقلباتهم المزاجية ، واختلافاتهم الفردية ، والأشياء التي ينظرون إليها بإعجاب وسحر ، وما ينفرهم ويزعجهم بشكل مفزع ، لا أحد يفصح عن ذاته ، فالأمر يحتاج إلى مجهود وإرادة حقيقية في أن تتخذ أحدهم صديقاً مقرباً ، وأن تترابطا معاً ، ستكون البدايات مليئة بالخلافات على أتفه الأمور ، وستواجها معاً العديد من النقاشات التي سينتج عنها اختلافات عديدة تجمعكما ، إلا أنها ستصبح فيما بعد سبباً من الأسباب التي تجعل منكما ثنائياً مثالياً بنسبة كبيرة ، لأن التجربة تستحق كل العناء ..
أما إذا كان الأمر يتعلق بالأمور المادية كتعلم لغة جديدة ، أو التدرب على آلة موسيقية للمرة الأولى ، فستكون التجربة حتماً مخيبة للآمال ، فلا شيء يمر سهلاً ! الأمر بحاجة للبذل ، وتوفير الوقت ، بحاجة للاستمرار ولشغف حقيقي نحو الوصول ، لأن الأمور دائماً تبدو أكثر صعوبة في بدايتها ، ولأننا نتقن الأشياء بالاستمرار عليها وتكرارها لمرات عديدة حتى تصبح عادة متأصلة بداخلنا ، ولأن السهر لليالي طويلة ينتج أفضل ثمار النجاح ، ولأن كل شيء يكون ذو مذاق ألذ إذا سبقه تعب وعناء حقيقي لبلوغه ، هذا التعب الذي ننفقه في بدايتنا ، يكون السبب الحقيقي في استمرارنا وتمسكنا بأهدافنا حتى النهاية ، لا أحد يضيع نتيجة تعبه ، ولا أحد يتعب إلا لأجل الغالي والنفيس ، قد نتعثر ونسأم ونمل البدايات ذات الطرق المتعرجة إلا أننا سنصبح أكثر الناس فخراً إذا دفعنا بأنفسنا دفعاً نحو أحلامنا مهما بلغت المشقة للفوز بها ..
-
نادين عبد الحميدربما لا أتمكن من الكتابة بالشكل الذي أرجوه لكنني على ثقة أن الكتابة تمكنت مني .. فإنني لا أمارسها فعلاً وإنما أتنفسها هواءً هو المعين لي كي أستمر على قيد الحياة ..
التعليقات
مقال جميل ..