( مترجم ) من يخاف الارقام العربية
مصطفى اكيول - نيويورك تايمز
نشر في 17 يونيو 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
هل ينبغى ان يتعلم الامريكيون الارقام العربية كجزء من مناهجهم الدراسية ؟
وجهت مؤسسة ( سيفيك ساينس ) البحثية الموجودة فى منطقة بتسبرج هذا السؤال الى نحو 3200 امريكى فى استطلاع للرأى يبدو لأول وهلة أنه عن الرياضيات و لكن تم استخدام النتيجة لقياس توجهات الطلاب ازاء العالم العربى حيث قال 51% من المشاركين ( لا ) فيما اعلن 15% من المشاركين أنه ليس لديهم رأى محدد .
تلك النتائج التى اوحت لكثيرين بكتابة اكثر من 2400 تغريدة تختلف بشدة عما تريد استطلاعات الرأى توضيحه عن ماهية(( الارقام العربية )) .
و هذه عشرة ارقام فقط من تلك الارقام
0, 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8 , 9
هذه الحقيقة دفعت جون ديك المدير التنفيذى لشركة استطلاعات الرأى الى اعتبار تلك النتائج بمثابة ((شهادة محزنة و طريفة فى نفس الوقت عن التعصب الامريكى الاعمى الذى نراه فى بياناتنا ))
من المحتمل ان يكون الامريكيون الذين عارضوا تدريس الارقام العربية ( نسبة الجمهوريين فيهم اكثر من نسبة الديمقراطيين ) لديهم نقص فادح فى المعارف الاساسية عن ماهية تلك الارقام و ايضا لديهم نفور من اى شئ يوصف بأنه (( عربى )) .
فى الواقع ان ذلك الموضوع يعد امرا طريفا و محزنا فى ان معا و هو ايضا مناسبة للتوقف و طرح تساؤل بسيط : لماذا يسمى النظام العددى الاكثر كفاءة فى العالم و المعيارى فى الحضارة الغربية ب(( الارقام العربية )) ؟
تعود جذور الاجابة الى الهند فى القرن السابع الميلادى حيث النظام العددى الذى يضم الصيغة الثورية الا و هى الصفر و الذى تم تطويره منذ قرنين سابقين على هذا القرن و انتقل هذا النظام الى العالم الاسلامى و التى كانت عاصمته العظيمة بغداد قد اصبحت من افضل مدن العالم بفضل مواكيبة التطور فى المجال العقلى . و هناك طور العالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمى نوعا من المعادلات الرياضية سمى ب(( الجبر )) و الذى يعنى حرفيا (( التئام الاجزاء المكسورة )) .
فى اوائل القرن الثالث عشر الميلادى وجد عالم رياضيات ايطالى يدعى فيبوناتشى و الذى درس الحساب على يد عالم عربى فى شمال افريقيا الاسلامية أن تلك الارقام و نظامها العشرى اكثر عملية من النظام الرومانى و هكذا عمم تلك الارقام فى اوروبا حيث اصبحت تعرف ب(( الارقام العربية )) .
و فى الوقت نفسه اصبحت معادلات الجبر تسمى (( الجيبرا )) و تم تضمين اسم الخوارزمى فى مصطلح (( اللوغاريتم )) .
و اليوم فإن كثيرا من الكلمات فى اللغة الانجليزية لديها جذور عربية و تشمل كلمات ادميرال ( امير البحر ) و الكيمى ( الكيمياء ) و اليمبك ( الامبيق ) و المناك ( المناخ ) و الكالى ( القلويات ) و لوت ( العود ) و شوجر ( السكر ) و موسلين ( نوع من الحرير نسبة الى الموصل ) و سيروب ( المشروب ) و تاريف ( التعريفة او الرسوم الجمركية ) .
و يعتقد بعض العلماء ان حتى كلمة ( شيك ) الذى تقوم انت بصرفه من البنك مشتقة من الكلمة العربية ( صك ) و التى تعنى ( الوثيقة المكتوبة ) (( و جمع كلمة صكوك مازال يستعمل فى المعاملات البنكية الاسلامية للاشارة الى السندات )) .
هناك سبب ما فى ان تلك المصطلحات لديها جذور عربية : فبين القرنين الثامن و الثانى عشر الميلاديين كان العالم الاسلامى الذى يتحدث اللغة العربية كلغة مشتركة اكثر ابداعا من اوروبا و التى كانت فى ذلك الحين تعيش فى القرون الوسطى المتاخرة . و كان المسلمون روادا فى الرياضيات و الهندسة و الفيزياء و الفلك و الاحياء و الطب و العمارة و التجارة و الاهم الفلسفة .
من المؤكد أن المسلمين قد ورثوا تلك العلوم من ثقافات اخرى مثل اليونانيين القدماء و المسيحيين الشرقيين و اليهود و الهنود . و مع ذلك فقد اضافوا لمستهم الابداعية الى تلك العلوم و نقلوها الى اوروبا .
لماذا نغوص عميقا فى هذا التاريخ الذى طمره النسيان ؟ لأن هناك دروسا يجب ان يتعلمها كلا من من المسلمين و غير المسلمين .
من بين هؤلاء المحافظون الغربيون المهووسون بحماية ارث الحضارة الغربية و الذى يعرفونها دائما بأنها (( يهودية- مسيحية ))
بالطبع حققت الحضارة الغربية انجازا عظيما يستحق الحفاظ عليه : عصر التنوير الذى قدم لنا حرية الفكر و حرية الدين و الغاء العبودية و المساواة قبل القانون و الديمقراطية .
هذه القيم لا ينبغى التضحية بها لحساب قبلية ما بعد الحداثة التى تسمى (( سياسات الهوية )) .
و لكن المحافظين الغربيين يعودون الى الوراء عندما يعتبرون انفيهم قبيلة بإنكارهم بشكل تغيب عنه الحكمة أن مصادر تلك الحضارة ليست يهودية – مسيحية فقط . الاسلام الدين الابراهيمى الثالث ايضا شارك بنصيب وافر فى صناعة العالم المعاصر و تقدير ذلك الارث سيساعد على اقامة حوار اكثر من بناء مع المسلمين .
بالطبع لدينا نحن المسلمين سؤال كبير نحتاج الى اجابة له : لماذا كانت حضارتنا يوما ما اكثر ابداعا و لماذا قمنا بتضييع ذلك العصر الذهبى ؟
بعض المسلمين سيجدون اجابة بسيطة على ذلك السؤال و هى غياب التقوى و انهم يعتقدون ان الانهيار قد حدث بسبب تورط المسلمين فى ارتكاب الذنوب . اخرون يفترضون ان الحل هو استعادة امجاد القادة العظماء الذى يتمنى المسلمون ان يرونهم مرة اخرى . و البعض الاخر يجد العزاء فى نظريات المؤامرة التى تلوم كلا من الاعداء الخارجيين و الخونة .
هناك تفسير اكثر واقعية : هو ان الحضارة الاسلامية فى عصورها كانت اكثر ابداعا لانها كانت منفتحة عقليا . فعلى الاقل كان لدى بعض المسلمين الدافع لكى يتعلموا من الحضارات الاخرى . و كان هناك مجال حتى لو كان محدودا لحرية التعبير الامر الذى كان يعتبر خارقا للعادة فى ذلك الوقت . و سمح ذلك المناخ بترجمة و مناقشة اعمال الفلاسفة اليونانيين العظام مثل ارسطوطاليس . و كان العلماء من مختلف الطوائف يتحاورون و يبحثون عمن يرعى اعمالهم .
و منذ القرن 12 الميلادى فصاعدا قام الخلفاء و السلاطين المستبدون بفرض نسخة اكثر تشددا و اقل عقلانية من الاسلام . و لذلك تحول نمط التفكير لدى المسلم الى ضيق الافق و التكرارية و اللامبالاة .
فى القرن 17 الميلادى و بالتحديد فى الهند الاسلامية قام العالم المعروف احمد السيرهندى المعروف بالامام الربانى الذى تزعم التوجه المتزمت بمهاجمة الفلاسفة و افكارهم (( الغبية )) . و كتب (( من بين علومهم المنظمة و الممنهجة يعد علم الهندسة علما لا نفع فيه )) . و اضاف (( مالذى سنستفيده من أن حاصل جمع ثلاث زوايا فى مثلث هو زاويتين صحيحتين )) .
إن السؤال الاكبر الذى يواجهه المسلمون حاليا بالتأكيد هو لماذا حدث هذا الجمود المأساوى للعقل المسلم و كيف يمكن تغيير ذلك . و ينبغى علينا الا نضيع مزيدا من الوقت فى الانكار و القاء اللوم على الاخرين .
و فى نفس الوقت ينبغى على الاخرين الا يقوموا باصدار احكام جائرة ضد الحضارة الاسلامية من خلال التركيز على نتاجها السيئ . انها حضارة عظيمة قدمت اسهامات وافرة للانسانية و خصوصا الغرب .
ان ذلك هو السبب الذى يجعلك تطلب ارقامك الهاتفية باستعمل (( الارقام العربية )) و هذا فقط غيض من فيض الافكار و القيم المشتركة بين الاسلام و الغرب .