نظر بعيداً جهة البحر ثم تنهّد بعمق و قال بنبرة لا تخلو من الحسرة : (ياااه , كان زمان يا عمرو ) .
هكذا كان رد فعل أبي حينما سألته ( لماذا لم تكمل في طريق الشِعر و الأدب الذي برعت فيه في مراهقتك ؟ )
ذلك الرد و الطريقة التي قاله بها جعلاني أعيد التفكير في قرار كنت قد إتّخذته قبل أيامٍ قليلة .
حدث هذا الموقف منذ عامين , كنت قد إتّخذت قراراً بالتوقّف عن هواية الكتابة لأنها غير ذات قيمة , و الإلتفات لدراستي في الكلية التي يكمن فيها مستقبلي .
جلست بعدها فترة لا أكتب كلمةً ظناً مني أنني بذلك أوفّر وقتاً و مجهوداً ذهنياً أكبر للدراسة ..... لكن يبدو أنني كنت مخطئاً تماماً .
لقد تزاحمت الأفكار في رأسي حتى لم أعد قادراً على التركيز في المذاكرة أو أي شيءٍ آخر , و حتى يزداد الأمر سوءاً فلم أعد قادراً أيضاً على إخراج أفكاري في صورة كلمات مكتوبة حتى أريح عقلي من كثرة التفكير .... شعرت كأن أفكاري تعاقبني على إهمالي لها .
لم أجد أمامي سوى التراجع عن ذلك القرار و العودة للكتابة مرة أخرى لكن بشكل مختلف , فبدلاً من الإحتفاظ بكلماتي لنفسي سأنشرها , لم يكن ذلك قراراً عقلانياً بقدر ما كان بدافع الشوق للكتابة و الرغبة في مشاركة الآخرين أفكاري .
بدأت حينها رحلة البحث على الشبكة العنكبوتية عن ذلك الموقع المنشود كي أنشر كلماتي عليه , لكن هالني ما رأيته من عدم إهتمام معظم مواقع المقالات بالشكل الجمالي , وجدتها مجرد كلمات مرصوصة بشكل لا يشجّع على القراءة دون صور أو ألوان أو تنظيم , ذكّرتني بصفحات الوفيّات في الجرائد .
إلى أن صادفت هذا الموقع الذي أعجبني تصميمه رغم بساطته و لفت إنتباهي إسمه غير المعتاد بالنسبة لمواقع التدوين - مقال كلاود - , و قررت أن أنتقي مقالاً عشوائياً من مقالاتي و أنشرها عليه و منحته عنوان ( ما بعد إتخاذ القرار ) , تلك الخاطرة التي كتبتها بالأساس لتحفيز نفسي على إتّخاذ القرارات في تلك المرحلة الهامة من حياتي - مرحلة نهاية الدراسة الجامعية -
كتبت المقال و لم ألقِ له بالاً , لكن التوصيات التي وصلتني عليه حفّزتني لنشر المزيد خاصة أنها جاءت من أشخاص من غير جنسيّتي و هذا سيعطيني فرصة للإحتكاك بثقافات أخرى لما أقابلها من قبل .
و على مدار عامين , توالت المقالات في مختلف المجالات و توالت معها التوصيات و التعليقات .. المتابعات و الرسائل .. التي جاءت في مجملها إيجابية سواء إتّفقت أو إختلفت معي .
على مدار عامين , تعرّفت على أشخاص من ثقافات أخرى و إكتشفت مدى التشابه بين الشعوب في الأفكار و الأحلام رغم الصورة الزائفة التي يصدّرها لنا الإعلام عن إختلافاتنا الجذرية التي لا تمكّننا من العيش معاً .
على مدار عامين , عرفت معلومات جديدة و صحّحت أخرى كانت خاطئة .
على مدار عامين , إزداد إقبالي على القراءة حتى أُطعّم مقالاتي بأدلة و أقوال مأثورة و مواقف تاريخية .
على مدار عامين , إنسابت الأفكار بين جنبات عقلي دون إنقطاع حتى صرت أعبّر بسهولة عنها .
على مدار عامين , تلقّيت تعليقات و رسائل أثلجت صدري و أدخلت السرور عليّ و أخرجتني من جو الرتابة في حياتي اليومية .
عامان أدركت خلالهما أن القراءة و الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد هواية أشغل بها وقت فراغي , بل جزءاً من حياتي أفرغ له وقتاً خاصاً , و أنها ليست عبئاً يعطّلني عن أعمالي بل تساعدني في التخلّص من أعبائي حتى أمارس أنشطتي اليومية بعقلٍ صافٍ .
هي وسيلة لتبادل المعرفة مع الآخرين الذين ربما لن تسنح الفرصة للقائهم وجهاً لوجه , و للتعرّف على بلدان ربما لن أزوها طيلة حياتي .
هي حياة بكل ما تحويه الكلمة من معنى .
فشكراً لكل من ساهم في خلق هذا الجو من الهدوء و الصفاء هنا على المنصة سواء من القائمين عليها أو المدوّنين .
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
التعليقات
زد على كلما تفضلت به أن الكتابة مسؤولية، ولا ينبغي أن نتخلى عن هذه المسؤولية بسهولة.
تحيتي لك يا طيب
بالتوفيق استاذ عمرو :)
والأجمل هو وجودك في المنصة واختيارها لوضع مقالاتك فيها ..
لتشاركنا افكارك وارائك وتناولك لجميع القضايا على إختلاف انواعها ..
جميل انك ذكرت محاسن وإيجابيات استفادتك من الكتابة بشكل تفصيلي!!
ليعلم الجميع ان القراءة والكتابة ليست مجرد عملية ثابته "فكرة وحبر وورق!!"
بل عملية لها اثار معنوية تؤدي لنتائج مادية،
اتمنى لك الدوام والمواصلة في الكتابة عبر هذه المنصة ،
فأنت كاتب متألق فيها ،،،
وجودك منح المنصة تألقا وتميزا /
مقال رائع ،،،
بالتوفيق استاذ عمرو ``