لماذا نرتدي الأقنعة
ما الفرق بين الأقنعة التي تزيف الشخصية و بين تلك التي تجمل السلوك الأجتماعي الكاتب : د . هاشم الزين ترجمة : د . منى شقدار
نشر في 17 نونبر 2022 .
قبل الاسترسال في شرح الأسباب من خلال وجهة نظر الكاتب كان لابد من افتتاح المقال بتساؤلاته عن اقنعة الأبطال و الأشرار الخارقون والتفسيرات المحتملة لتلك التساؤلات.
لماذا يرتدي بعض الأبطال الخارقون للأقنعة:
يبدأ معظم الأبطال الخارقين حياتهم كأشخاص عاديين فقط ليكتشفوا قواهم الخارقة لاحقًا و يختار البعض منهم ارتداء الأقنعة بينما يختار البعض الاخر ان لا يفعل مثل سوبرمان و أكوامان.
ان اقرب تفسير لذلك هو ان حتى مع قوتهم الخارقة المذهلة يرتدي الأبطال الخارقون أقنعة لحماية نقاط ضعفهم من الأشرار و حماية هوياتهم ليتمكنوا من عيش حياة مزدوجة دون الإمساك بهم أو تعريض أحبائهم للخطر. اما التفسير الأكثر عمقًا فهو أن الهوية التي يمنحها القناع لمرتديه تختلف عن الهوية الحقيقة التي يحاول إخفاءها خلف القناع فيصبح رمزًا أكثر من مجرد بطل خارق كون هذه الأقنعة غالبًا ما ترسل رسائل مبطنة فتظهر من يرتديها بمظهر يتميز بالقوة و الثقة. و في الحقيقة تنبع أهمية هذه الأقنعة من حاجة الأبطال و الأشرار الخارقين على حد سواء لتشكيل هوية جديدة توفر لهم مستوى مختلف من المسؤولية سواء الجيدة أو السيئة.
وهذا يجعلنا نتسأل إذا كان الأبطال الخارقون يرتدون أقنعة لحماية هوياتهم و أحبائهم و نقاط ضعفهم و اظهارهم بمظهر القوة فلماذا إذا يرتدي الأشرار الخارقون الأقنعة؟ ما الذي يحاولون إخفاءه او حمايته؟ لابد ان نضع في عين الاعتبار انه يمكن التعرف بسهولة على الشخصية من خلال الوجه المكشوف و ذلك يحدث نوعا من التواصل مع الاخرين نظرًا لأن التعبيرات و العواطف تكون مكشوفة للجميع بينما في المقابل فالقناع يعطي الشخص المقنع فرصة إخفاء مشاعره لأنه يشكل حاجز بينه و بين الاخرين و بالتالي سيكون من الصعب جدًا على الأشخاص التنبؤ بخطوته التالية. إذا فمثل الأبطال الخارقين قد يرتدي الأشرار الخارقون قناعًا لإخفاء هويتهم أو للحفاظ على جو من الغموض حتى يتمكنوا من بث الخوف في قلوب ضحاياهم و كلما كان القناع مخيفًا ظهر الشرير أكثر رعباً و ربما بدونه قد يبدو ضعيفاً. اذا هذه الاقنعة قد تمنح مرتديها مظهر القوة كما اسلفت كما ان إخفاء الهوية تجعله غير قابل للتدمير وبالتالي تصنع منه رمزًا يثير الرعب في نفوس الناس.
إليك لغزًا مثيرًا للاهتمام عليك التفكير فيه: يرتدي بروس واين قناعًا ليصبح باتمان بينما يرتدي سوبرمان زوجًا من النظارات ليصبح كلارك كينت، إذن ما هو الفرق؟ سوبرمان ليس بشر بل هو قادم من كوكب مختلف يتمتع بقوة خارقة لا تصدق و لكنه يخشى أن يخافه البشر فقط ويريد أن يكون رمزًا للأمل و ارتدائه للقناع وإخفاء وجهه لن تجعل الناس تثق به بل ستجعلهم يخافونه بدلاً من ذلك. و رغم انه يحمل هم الصالح العام لكنه يحتاج إلى استراحة من مسؤولية حماية العالم من وقت لآخر ولهذا السبب فإن قناع سوبرمان هو في الواقع تقمصه لشخصية كلارك كينت.
اما بروس واين الذي يعتبر مليارديرًا ومحسنًا تجده مقيداً بمسؤولياته الاجتماعية باعتباره الوريث الوحيد لعقار واين ولديه العديد من الالتزامات التي تمنعه من أن يكون البطل الذي تحتاجه مدينة جوثام و لذا فهو يرتدي القناع (أو القلنسوة) لسببين: لإخفاء هويته وإخافة خصومه.
في المقابل هناك الشخصية الشريرة والتي يمثلها Loki او لوكي وهو الشرير الخارق البارع في إيذاء الاخرين والكاذب الممنهج والمحتال سيئ السمعة ذي الشخصية الشديدة الجاذبية والذي يتحدث بلكنة بريطانية مغرية ورائعة أضف الى ذلك فهو عفوي و ماكر و موهوب و ذكي للغاية. لكن الجزء الأهم في هذه الشخصية هو انه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ابدا ففي دقيقة واحدة تجده يقاتل إلى جانب أخيه غير الشقيق المدعو ثور و في الدقيقة التالية تجده ينضم الى عمالقة فروست للمطالبة بالهيمنة على عرش أسقارد. صحيح ان Loki معروف بأنه ليس شخصاً جيدًا ولكنه في نفس الوقت ليس شرير تمامًا ذلك لأن هدفه الرئيسي كان فعليا هو خلق الفوضى و لذلك لا يمكنك أبدًا معرفة مع أي جانب يقف و هذا هو نوع القناع الذي نحتاج إلى تجنبه بأي ثمن.
إذا نعود لنسأل لماذا نرتدي الأقنعة؟
سواء كنا نرغب في الاعتراف بذلك أم لا فنحن جميعًا نرتدي نوعًا من الأقنعة لإخفاء و حماية نقاط ضعفنا و مخاوفنا و الثغرات في شخصياتنا و أحيانًا تساعدنا الأقنعة على التظاهر بأننا شيء لسنا عليه فعلاً او على إخفاء الأسرار التي نخجل منها و أحيانا اخرى تساهم في منحنا صورة افضل مما هي عليه في الواقع مثل ما يحدث عندما نشارك احداث و مواقف مثالية من حياتنا على وسائل التواصل الاجتماعي لتبدو انها نمط الحياة الفعلي الذي نتبعه.
قناع الشخصية:
هناك قناع لا ينبغي لأحد أن يرتديه تحت أي ظرف من الظروف وهو "قناع الشخصية" ويعني تقمص هوية خارجية كاذبة وغير حقيقة تختلف تمامًا عن شخصيتك الحقيقة وهويتك الداخلية عند التعامل مع الاخرين.
و جدير بالذكر ان ارتداء "أقنعة الشخصية" قد يعزز نمو بعض السمات السلوكية المصطنعة بدلاً من أن تتطور شخصياتنا بشكل حقيقي و ذلك في الاغلب يحدث كاستجابة لتوقعات الأسرة أو الضغط الاجتماعي سواء في الحياة العاديه او في مكان العمل حيث يصبح ارتداء "أقنعة الشخصية" مغري للغاية في البيئات التي يفضل فيها صانعو القرار نوعًا معيناً من الشخصيات.
ربما نستطيع القول ان في هذه الأيام هناك الكثير من الضغط النفسي لنصبح شيئًا لسنا عليه فعلاً و ان هناك نضال حقيقي من أجل أن نحتفظ بهويتنا الحقيقية بدلاً من أن نكون مصطنعين أو مزيفين و لابد هنا من توضيح ان هناك فرق بين ان ترتدي قناعاً و تكون منافقًا بمعنى ان يكون سلوكك الخارجي يناقض ما تكونه انت في الداخل "real you" او "انت الحقيقي" و بين التكيف و توظيف المهارات الشخصية و تكييف السلوك مع محيطك من أجل القيام بعمل جيد كالتصرف بلطف مع الاخرين أو احترام ثقافة أو عقيدة أو عرق مختلف و هو قناع اجتماعي يسمح لنا بالتكيف مع بيئتنا المحيطة دون أن نفقد أنفسنا في هذه العمليه.
أعتقد أنه ليس من السهل التمييز بين كونك ترتدي "قناعًا شخصيًا" أو تتصرف كحرباء اجتماعية. بينما قد تعتقد أنك تعرف من أنت فمن المحتمل جدًا أنك قد اعتدت على قناعك لدرجة أنك تختبئ او تخفي حقيقتك حتى عن نفسك. يعني ارتداء الأقنعة إخفاء "ذاتك الأصيلة" في محاولة لكسب قبول اجتماعي أكبر في مواقف معينة و لكن هناك عواقب لتمويه شخصيتك الحقيقية و عواطفك قد تشمل الأرق و الشعور بأنك متناقض و غير راضي عن نفسك و ربما يتملكك عدم الرضا الوظيفي و قد تعاني من الإرهاق العاطفي و الجسدي و ربما تتضاعف كل هذه الاعراض بشكل كبير مما يدخلك في دائرة الإحساس بالخسارة و القلق و الاكتئاب على المدى الطويل.
كيف يمكنك معرفة ما إذا كنت ترتدي "قناعًا شخصيًا" أو انك تتكيف فقط مع بيئتك؟
عندما لا يعجبك الانعكاس الذي تراه في المرآة فعادةً ما تكون هذه علامة على ارتداء قناع الشخصية. و أحد أقوى مؤشرات قناع الشخصية هو الإحساس العميق بالصراع الداخلي حيث تجد نفسك تحاول السير في اتجاهين مختلفين في نفس الوقت إذا كنت تعتبر نفسك مزيجًا من القوى المتعارضة: سريعة وبطيئة وعميقة وخفيفة أو نشطة وسلبية او كل ذلك في نفس الوقت فمن المحتمل أنك تكافح من أجل الإبقاء على "قناع الشخصية".
أقنعة السلوك الاجتماعي:
على عكس "أقنعة الشخصية"، فإن "أقنعة السلوك الاجتماعي" لها علاقة بالتكيف الاجتماعي حيث يتعلم معظمنا كيفية حماية نفسه من العالم الخارجي باستخدام سمات الشخصية كآلية دفاع تضمن سلامتنا. و بمعنى اخر عندما نتبنى سمات سلوكية معينة فإننا نسعى دون وعي إلى الحصول على الأمن و الاستقرار و نفعل ذلك من خلال ارتداء أنواع مختلفة من الأقنعة لمنعنا من التعرض للأذى.
نظرًا لأننا نعاني من صدمات مختلفة خلال سنوات طفولتنا فقد يميل بعضنا إلى الانغلاق على ذاته والابتعاد عن العلاقات الحقيقية لكي يحمي نفسه و لكن سينتهي به المطاف بأن يعلق في شرنقة جروح الطفولة و ان يقبع خلف دروع واقية لحمايته من تلك الجروح. هنا يصبح الأمر مثيرًا للاهتمام حيث تختلف آليات و استراتيجيات التأقلم بيننا اختلافًا كبيرًا نظرًا لأن شخصياتنا تختلف عن بعضها البعض ايضاً اختلافًا صارخًا و ينتج عن هذا الشكل من الاستجابة مجموعة متنوعة من "الأقنعة السلوكية الاجتماعية" التي قد تبدو مختلفة جدًا للوهلة الأولى و لكنها في الواقع تنبع من نفس المصدر و هو الرغبة في حماية أنفسنا ومن نحبهم.
انواع أقنعة السلوك الاجتماعي:
هناك عشرة أنواع من أقنعة السلوك الاجتماعي التي نختار ارتداءها بناءً على الموقف الذي نواجهه في حياتنا اليومية:
الرجل الفحل: يبدو هذا الشخص الذي يرتدي هذا القناع انه شديد الهدوء ومتماسك ومتمالك لنفسه في جميع المواقف، ولكن هذا كله خدعة ففي نهاية المطاف لابد ان يحدث شيئان نتيجة لمشاعره المكبوتة:اما انهيار عصبي أو نوبات دورية من العنف والغضب عندما لا يكون هناك من يشاهده.
الكوميدي: ان الفكاهة هي آلية دفاعية قد يستخدمها البعض لتخفيف إحساسهم بالتوتر فعندما تضحك فأنت لا تبكي وكما يقال فإن البؤس ملاصق للكوميديا وان السخرية منبعها الألم. و تعمل الكوميديا كدرع واقي لردع الاخرين من الاقتراب ولكن على الارجح ان هؤلاء سيشعرون بالوحدة في نهاية المطاف.
الذي ينشد الكمال: في حين أن كل الجوائز والثناء المرتبطين بكونك تنشد الكمال قد توفر بعض الراحة المؤقتة فإن الساعي للكمال يكون دائمًا تحت رحمة الخوف من وقوع خطأ ما وبالتالي فهو يعيش في حالة دائمة من القلق بانتظار حدوث هذا الخطأ.
الضحية: هؤلاء هم ملوك الدراما الذين يعتقدون أن الخير الذي يقومون به للاخرين هو بمثابة درع يقيهم من هؤلاء الذين يساعدونهم تحديدًا كما ان قناع الضحية يؤمن مكانهم في العالم من خلال الاعتقاد تضخيم دورهم و لكن في الواقع هذا التصرف يجعل كل من حولهم غير مرتاحين.
المتنمر: في حين يبدو أن المتنمرين واثقون من قدرتهم على إيصال آرائهم و إعطاء الأوامر بشدة إلا أنهم في الواقع يفتقدون للأمان و قلة ثقتهم في أنفسهم تظهر على شكل سلوك عدائي كما انهم يريدون بشكل مستميت أن يتم احترامهم لدرجة أنهم على استعداد ان يخالفوا القواعد للحصول على ذلك.
الوسواس القهري: يستخدم الأشخاص الذين يرتدون أقنعة الوسواس القهري النظام كإستراتيجية للتخلص من خوفهم من المجهول و ذلك من خلال التأكد المستمر من أن كل شيء في مكانه الصحيح ليتحقق شعورهم بالأمان
المسيء لذاته: يعطون نظرة سلبية عن أنفسهم للآخرين لأنهم يعانون من الشعور بعدم الاستحقاق و عدم الأمان و يعتقدون أنه يمكنهم حماية أنفسهم من خلال المبادرة بإيذاء أنفسهم أولاً قبل أن تتاح تلك الفرصة للآخرين.
مصطنعي البهجة من اجل الاخرين: يبحث الأشخاص الذين يرتدون أقنعة "Pleaser" او مصطنعي البهجة من اجل الاخرين عن المصادر الخارجية لتأكيد هويتهم حيث يتأثرون بسهولة بالآخرين وبالتالي سوف يبذل هؤلاء أقصى ما في و سعهم لكسب استحسان من حولهم لمجرد أن إحساسهم "بالهوية" يعتمد إلى حد كبير على تقييم الآخرين لهم.
الانطوائيون: خوفهم الشديد من الفشل و الرفض يجعلهم يفضلون الشعور بالوحدة على المخاطرة بعدم اعجاب الاخرين بهم كما ان خوفهم من ارتكاب الأخطاء يمنعهم من تحدي أنفسهم فهم يشعرون بالإحراج بسهولة و لا يحاولون ان يتحدثوا كثيرا خوفًا من أن يقولوا شيء ما خاطئ او ان يقولوا ما يريدونه بطريقة خاطئة.
الفراشة الاجتماعية: يعوضون عن شعورهم بعدم الأمان من خلال وجود العديد من المعارف و لكن فعلياً ليس لديهم الا القليل من الأصدقاء الحقيقيين و تفتقر حياتهم إلى المعنى العميق كما انهم يحتفظون بمحادثاتهم سطحية لأن الحوارات الأعمق قد تكشف قلقهم أو تهز شخصيتهم الواثقة التي يقدمونها للاخرين.
ما هو القناع الذي أرتديه ومتى ولماذا؟
يخفي الناس عواطفهم تحت قناع باختيارهم وذلك لأحد الأسباب الخمسة التالية:
ديناميكية العلاقات: عندما يواجه الناس علاقات غير صحية فإنهم يميلون إلى القيام بعملية تمويه اجتماعي و ارتداء الأقنعة لإبقاء الآخرين سعداء خاصةً عندما يتعرضون للإساءة اللفظية أو العاطفية أو الجسدية حيث ان الاختباء خلف الأقنعة يبدو و كأنه آلية للبقاء على قيد الحياة.
الضرورة الاقتصادية: يشعر الناس بالحاجة إلى التوافق مع الضغوط الاجتماعية خاصة عندما تعتمد ترقياتهم في وظائفهم على ذلك و يسود هذا التصرف بين الشركات و المنظمات الحريصة على التقدم و التطور و هو ليس بالضرورة أمرًا سيئًا طالما أنه ليس على حساب الآخرين.
المكاسب الميكافيلية: هؤلاء الأشخاص هم أخطر الأشخاص الذين يرتدون الأقنعة لأنهم يعتقدون أن الغاية تبرر الوسيلة و هذا لأنهم مخادعون و يتميزون بالبراعة و الدهاء و انعدام الأمانة و يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى التكتيكات الميكافيلية من أجل الترقي في عملهم و الوصول الى أهدافهم و هم أكثر الأشخاص نفاقا فقد يظهرون محبتهم الشديدة لك ولكنهم قد يغدرون بك في أي لحظه.
القبول الاجتماعي: يحتاج بعض الناس إلى القبول الاجتماعي بغض النظر عن السياق الاجتماعي المحدد لأن جميع الناس يريدون أن يشعروا بأنهم ينتمون إلى مجموعة معينة و بالتالي ستجدهم على استعداد لأن يصبحوا مقدمي بهجة للناس إذا لزم الأمر.
التخفي الذي يجعلك لا تقهر: تشتهر منصات التواصل الاجتماعي بهذا النوع من التخفي حيث تجاوزت منصات وسائل التواصل الاجتماعي مرحلة ان تكون مجرد منصة تواصل اجتماعية الى انها أصبحت منصات إعلامية تتيح لمن يسعون إلى "حرية التعبير" التحدث دون خوف من العواقب كونهم يختبئون خلف معرفات وهمية و بالتالي فهم يرتدون اقنعة رقمية تخفي هوياتهم الحقيقية وتجعلهم يظنون بأنهم لا يقهرون و هذا قد يعطي للبعض منهم فرصة ان يسيء للآخرين دون الخوف من العواقب.
الشخص الذي في المرآة:
هل ترتدي "قناع شخصية" تخفي به حقيقتك ام قناع السلوك الاجتماعي؟ إذا كنت تريد أن تعرف على وجه اليقين نوع القناع الذي ترتديه في أغلب الأحيان فانظر إلى انعكاسك في المرآة و إذا كان ما تراه هو عكس ما تصوره أمام الناس فربما انت ترتدي "قناع شخصية" تزيف به حقيقتك.
تتمثل الخطوة الأولى نحو استعادة اصالة شخصيتك إذا كنت تشك في ارتداء قناع الشخصية بدلاً من قناع السلوك الاجتماعي في تقييم سلوكك لمعرفة ما إذا كانت أفعالك تتعارض بشكل صارخ مع شعورك بالداخل. بعد ذلك حدد نوع القناع الذي ترتديه معظم الوقت لتستوعبه و الهدف هنا هو التأكد من أن قناعك لا يتعارض مع "Real You" او ذاتك الحقيقة.
تعريف الذات:
عندما تنظر إلى انعكاسك في المرآة ماذا ترى؟ التعرف على نفسك هو أكثر من مجرد تحديد انعكاس الوجه الذي تراه في المرآة حيث يرتبط مفهوم "الذات" بعدد من الأفكار التي تشمل العقل و الوعي و التي تتجاوز الجسد المادي و إذا كنت سأطلب منك ان تخبرني أين هو عقلك فمن المرجح أنك ستشير إلى رأسك اما إذا سألتك أين هي "نفسك؟ فربما قد تشير أيضًا إلى رأسك. أعتقد أن الكثير من الناس اليوم يقبلون و دون الكثير من التفكير أن الوعي و العقل و الذات كلها تتركز في أدمغتهم و عادة ما نستخدم الكلمتين "الدماغ" و "العقل" كأنهما تعنيان نفس الشيء و لكن هناك فرق دقيق تمامًا مثل تجربة الخروج من الجسد و التي وصفت بأنها عملية تنفصل فيها الروح عن الجسد المادي و من ثم تستطيع هذه الروح ان تشاهد جسدها الذي انفصلت عنه من بعد مختلف. بالنسبة لك ربما لم تتعرض لتجربة الخروج من الجسد من قبل و لكن من المحتمل أنك عانيت من انفصال أكثر اعتدالًا بين جسمك وعقلك في بعض المواقف. مثلا قد يحدث اثناء حضورك لفصل دراسي ممل ان تجد عقلك شاردا في مكان اخر بعيد عن موقعك الفيزيائي و تشعر بأنك قد خرجت من جسدك لتصبح مراقبًا خارجيًا لتجربتك الخاصة.
يُظهر الوهم الإدراكي الذي يحدث اثناء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بوضوح تلك التجربة الذاتية التي لا تتطابق دائمًا مع الواقع المادي ومع ذلك لا يمكننا استبعاد إحساسنا "بالذات" باعتباره مجرد وهم يعيش في رؤوسنا. نحن جميعا ننخرط في أحاديث داخلية و ذلك عندما نقرأ الكتب أو المقالات أو التغريدات أو أي من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي و كذلك عندما نتحدث مع انفسنا حديثا داخلياً او عندما نعلق في عقولنا اما على الاخرين او على المواقف التي نواجهها ان لم نجرؤ على فعل ذلك بصوت عالٍ. هذا الحوار الجاري داخل رؤوسنا هو ما أعتقد أنه ما يعبر عن "الذات". و على الرغم من أن أجسادنا تتغير و تتقدم في العمر بمرور الوقت فإننا نعتقد ان "الذات" غير قابلة للتغيير وخالدة و لهذا السبب عندما ننظر في المرآة فأننا نرى شخصًا مألوفًا نعرفه.
من الطبيعي ان ترتدي الأقنعة السلوكية أثناء تفاعلات اجتماعية معينة و لكن مهما كان القناع الذي ترتديه فإن الانعكاس الذي تراه في المرآة يجب أن يشبه إلى حد كبير الشخصية التي اعتمدتها لأنه عندما ترتدي "قناع شخصية" و تزيف شخصك فأنت تحرم العالم من شخصك الحقيقي. أن فرادة الاقنعة و تميزها بين شخص و اخر يعود الى طبيعة التفاعلات الانسانية و الرغبة في ان يعيش كل شخص بالطريقة التي تناسبه بدون الوقوع تحت نير الاحكام القاسية و هو امر يشترك فيه الجميع حتى الأشخاص شديدي الثقة في انفسهم ستجدهم يرتدون الأقنعة من وقت لآخر لأن الرغبة في القبول هي طبيعة بشرية. ضع في اعتبارك ان قبولك لذاتك الحقيقية هو أصعب من قبول الآخرين لك وهي عملية قد تستغرق الكثير من الوقت و ربما ستكون لديك فرصة أفضل للمضي قدمًا في الحياة إذا تساهلت مع نفسك و أصبحت صادقًا مع ذاتك و مع من تكون أنت حقًا. ان من المحزن انه في كثير من الأحيان يبالغ الكثير من الناس في التركيز على نواقصهم والاقلال من شأن ما يميزهم و لذا من الأفضل أنك بمجرد تحديدك لذاتك الأصلية عليك ان تخرج وجهك الحقيقي من تحت القناع و تركز على اظهار من أنت حقًا للعالم.
من الطبيعي تمامًا أن نرغب جميعًا في الحصول على موافقة الاخرين خاصة خلال سنوات الشباب وفي بداية مسيرتنا المهنية حيث قد تظهر أقنعة السلوك الاجتماعي لدينا كثيرًا. ومع تقدمنا ونضجنا مهنيًا فإننا نميل إلى كسب احترام أقراننا حيث قد يصبح من المريح لنا التخفف من الأقنعة عندما تلزم نفسك بهذا النوع من الفهم فمن المرجح أن تحب وتفتخر بما أنت عليه حقًا بدلاً من الاختباء خلف قناع شخصية مزيفة لا تمثل ذاتك الحقيقية.