أي أمي ما الحياة؟ وما هو شكل الحياة؟ هل ترون ما أرى؟ أم تشعرون بما قال لي الورى؟ قالوا عني ضرير مسكين حزين أسير. ما الذي فعلته حتى استصغروني؟ وما الذي جنيته حتى همشوني؟
نعم أنا لا أبصر، ولا أفرق بين الكتاب والدفتر. ولا أستطيع أن ألعب كالأطفال، ولا أن أبصر صولة الخيّال. لكن لا زال عندي خَيال، بل أفضل من الخَيال، عندي بصيرة راسية مثل الجبال. تسموا بي فوق الأحلام والآمال، فلا أحتاج حينها لسماع ما يقال: ضرير مسكين حزين أسير.
ما الفائدة من وجودك بيننا؟ هذه الكلمات أقرأها في عيونهم التي لا أراها، كأنني أحسها في نبرات أصواتهم التي أسمعها. وأحسها أيضاً في عاطفتهم الزائفة ومعوناتهم الجارحة. كثيرٌ منهم يُدير وجهه حين يحدثني، ويعطيني ظهره حين يلقاني. كأني لا أُميز أصواتهم ولا أقرأ لسان حالهم: ضرير مسكين حزين أسير.
ظلمة العمى تخنقني يا أمي، حينما أردت خطبة ابنة قريبنا العفيفة، ردني أبوها بأدب بارد كأنما كان يرسل لي خطابًا من فوق برجه العاجي: نحن لا نستقبل أصحاب الأحوال الضعيفة. وحينما أردت أن أكمل تعليمي في الجامعة، وحينما تمنيت واهماً أن لي مكاناً في هذه الأراضي الشاسعة، فقال لي الموظف حينها بعذر واهي: لا نستطيع أن نلبي "احتياجاتك الخاصة". فلكأنما سمعت صوت الجدران من حولي: ضرير مسكين حزين أسير.
أنا حقاً إنسان، له خواطر ومشاعر وكيان، وله قلب خافق وأحلام وأحزان. أنا لم أُخلق لكي أعيش على الهامش، ولم أكن عبداً لأحدٍ في يوم من الأيام. لكن مع مرور اللحظات والأيام والأعوام. أحسست بأنني سجين الظلمة، وقتيل الوحدة، أتعطش للأنس وأتوق لكي تتم ملاحظتي. لكن ماذا يفعل من قيدته قلوب البشر، مع أنه لم يكيد لأي مخلوق بِشر، أستعطف الإنسان فما نَفَرَ ولا بَشَرَ. وإنما صرخ بوجهي: ضرير مسكين حزين أسير.
حينما تصلك رسالتي، ستكونين قد عَلمتي حينئذ أنني قد فارقت حياتي. أنا لم أكن يوماً بامتناني لكِ ناكراً أو بحبي لك بخيلاً. فلا تسمحي لهم أن يقولوا عني إنني قد غدوت قتيلاً، أو إنني قد استعجلت الموت فانتحرت مجهولاً. نعم، لقد حاولوا أن يتحكموا بحياتي حتى نجحوا، لكنهم سوف لن يتحكموا بمماتي ولو فعلوا، لأن قلبي قد تحول كالصخرة الوحيدة التي على جرف الجبل التي أكتب رسالتي لكِ من على ظهرها.
إذا سمعتِ أن أحدهم قال عني: ضرير مسكين حزين أسير، فقولي له: بل مبصراً غنياً سعيداً حراً.
- محمد السعدون.
-
Mohammad Riyadh Al-Saadoonwhat happens on Facebook, stays in Facebook.