استغل شغفك وعش بأكنافه

..هيام فؤاد ضمرة..

امتلاكك للشغف يعني أنك تمتلك مكونات الشخصية المشبعة بالثقة والشجاعة والإقبال على الحياة بنفسية إيجابية، تنظر لكل أمور الحياة بذات الإيجابية المفعمة بالقبول، كما تمتلك الذكاء الكافي الذي يمكنك من القدرة على التعبير عن أفكارك وأرائك والتخطيط بصورة جيدة لمشاريعك، واتخاذك القرارات المناسبة وفق تصور مدروس ذهنيا يؤدي بك للنجاح والإرتقاء، ويخرجك من النطاق الضيق للعقبات إلى السعة فتوقع بكل يسر وسهولى حلها وإزالتها، والمضي قدما بارتقائك درجات النجاح وحصولك على المجد.

فالشغف هو طاقة ايجابية تمنحك كاريزما خاصة متميزة تضعك في عرف المتميزين داخل مجتمعك ومحيطك داخل إطار فاخر، فتجد نفسك مهيأ للعطاء والانجاز بلا حدود، تعطي من ذاتك ووقتك وأفكارك الريادية واتقانك العمل بالأداء المنظم من صميم ذاتك وابتكاراتك وشعلات خيالك، مما يجعلك دوما واثقا من قدراتك تتنفس الحياة بانتظام وقوة.

وما عليك حينها إلا أن تعيش بأكناف شغفك مكللا بأسباب النجاح والتفوق، تشعر بأهمية نفسك من خلال قدرتك على العطاء والانجاز، والبروز بتميز منطقك وتصرفك وأدائك وقناعاتك، وما هذه الصفات إلا وسيلتك المثلى للتعبير عن حبك للحياة، وإيجابية مشاعرك ومقاصدك السخية، فلا تتفلت منك الأخطاء إلا لماما بدون قصد ولا خبث، وهي إن وجدت أو حصلت لا تقلل من قيمتك كصاحب فكر نير، وامتلاكك لشعلة الحماس التي تولد بك الطاقة وتجعلك متميزا.

فحين تشعر بالشغف نحو موضوع ما فإنك تتجه بشكل تلقائي نحو البحث والدراسة والتشبع بالموضوع من جميع جوانبه، تحاول إدراكه عن سعة وتعمق، ولا تؤول وسعا بالتنقل بين المحاضرات وورش العمل وسؤال أهل المعرفة وكلها تعتبر مؤش أو إشارة قوية ومفتاح لاكتشاف شغفك أنت وامتلاكك لهذا الشغف.

فحين تعايش ظرفا قاهرا يضعك في حالة من الصدمة والشتات والاختناق، كأن تشعر أنك تواجه شيئا عظيمة يأخذك نحو الجرف، وأنك على شفا السقوط إلى الهاوية، وقلبك الحزين يعاني الضعف والكبوة، وأن كل ألم الدنيا يضج داخل روحك، وأنك تهوي للأسفل من علو شاهق، وتوشك على الارتطام بالأرض، وروحك تنزف جرحها وتعتصر وجعها، وأن سنا الضوء الذي عهدته دليلك نحو النور العام اختفى وانطفأ، ستهبط بالأرض منهاراً باكيا محترقا، وقد تصرخ من قاع نفسك عالياً وشعور يغالبك أن قواك خارت وما عادت بك قوة للمجابهة، وما من بد لك من السقوط المدوي والارتطام حد الموت..

فجأة يتبدى لك شعاع من أمل بالكاد تتبينه، فتنتفض فيك الرغبة بالعيش، وتتشبث بالشعاع كأنه حبل نجاتك، والأمل الوحيد لخروجك من معترك ما تمور به، فتتماسك روحك وتتسرب إليها الحياة، فتتحسس موقعك من الضوء، وتجري كالرهوان باتجاهه وقد تملكتك قوة كامنة، وشغفك يسابقك الخطى، وإذا بك تعثر على طرف الحبل وتبدأ بالتحرك وشغفك دليلك..

إذن الشغف هو ذلك الشيء الذي يسيطر على تكوينات عقلك ويوجهك نحو ما ترغب به وتحتاجه، وطاقتك الايجابية تحركك بقوتها الذاتية، فيستغيب شغفك له ويجدف بنفسه نحو طوق النجاة.

فالشغف هو قوة كامنة وطاقة ايجابية تعملان بمعترك واحد لتمنحك الإقبال والعزم بالعمل الدؤوب، هي طاقة سخرها الله في العقل الانساني تزيد بالنفس إصرارها على تحقيق الطموح والوصول بالهدف للنجاح، فيسيرون لمبتغاهم وهم يشعرون بقوة توجههم للطريق الصحيح واللآمن.

ثم إن الشغف لا يعني امتلاكك للأمنيات الواهمة والأحلام الزائفة التي لا تنفع ولا تشفع، ولا القوة الموقتى التي تأتيك كالزيارة العابرة، ولا السعي المتقطع الذي لا يوصلك وانما يؤخر خطوك، فالفتور هو حالة كسل تخدر الحواس وتعيقها عن الإقبل والعزم والشغف، حالة معطلة للنجاح ومثل هذا هو انسان كثير الشكوى وكثير الكذب والتمثيل لأنه يعوض عن كسله وفشله بتصور الوهم، ورسم الصورة المتخيلة، يعيش على الهامش ويجير ما لغيره له متوهما أنه صانعه.

ولتعلم أن امتلاكك للايمان القوي بالله وقدرة الله على تيسير الحياة ومنح المجتهد مقابل لاجتهاده هو حالة من امتلاكك لليقين الصادق الذي يزيد من وهج شغفك ويجعلك شخصاً متصالحا مع نفسك، معافى من الاضطرابات النفسية، فتكتمل بك العافية الصحية فتكون قوي العزم ثابت الرؤية، فاليقين نور ساطع يوضح لك الرؤية والوسيلة ويمنحك العزم والقوة، فتسير واثق الخطى يمشي ملكا، مقبلاً على الدنيا إقبال الذي يعرف هدفه ويحدد طريقه بثقة وعزم.

ولا نستطيع والحالة هذه أن نولي مشاعر الحب الإنساني التي يسميها الدين الإسلامي بالميل الطبيعي بين شخصين، فالحب هو بحقيقته عماد الشغف، فالحب هو شعور، والشعور محفز قوي للشغف، والهيام ليس حالة حب جنوني يتفلت من عقال النفس، بل هو ميل عقلاني نحو جمالية النفس وليس الشكل، وإن كان الشكل كثيرا ما يكون له الأثر بالميل، لكن لا يمكن للجمال أن يكون وحده المؤثر، فالحالة مشتركة مع طاقة الانسان نفسه، فالحب هو ما جعل عنترة يقوم بمغامراته الخطرة من أجل جمع مهر عبلة، ليمتلكها لنفسه ويستأثر بمشاعرها، فالامتلاك الايجابي العقلاني هو شغف وحب ورغبة بالاقتراب.

وبقدر ما يستحضر الإنسان جمع شعوره ووجدانه ويتمثل من خلالهما خشوعه خلال الصلاة، كانت صلاته حالة تواصل قوية مع الخالق، وكان تأثير ذلك على نفسة جملة من الايجابيات النفسية المحفزة لحالة الشغف، فالقلب مصدرا أساسيا للشعور، والعقل ذلك المهذب الأمين لهذا الشعور.إن شعور الإنسان بقيمة الأشياء والأحداث والبشر يجعله مالكا لإحساس المسؤولية، فالشعور بالمسؤولية تمنح صاحبها الشغف على تحملها بجدارة والابداع في الحفاظ على مكوناتها النفسية والعملية، فأن تكون على قيد الشعور يعني أنك تملك اليقين بهذا الشعور كما تملك الايمان الذي يضيء شعلة الشغف ليحيل السديم المعتم إلى ضياء يعم الكون، ويخرج صاحبه من أزقة الخوف والقلق المظلمة.

فلا تدع الحياة بأحداثها الموجعة تدمرك وتدمر الشغف فيك، فالشغف الدافع الأول لنجاحك وتخطيك كافة العقبات، إن عدم قدرتك على تحديد أهدافك في الحياة يجعلك شخصا هشاً سريع الكسر والكبو، تحيا بعشوائية غير منضبطة مشتتة الاتجاهات لا تعرف بالضبط ما الذي تريده وما هو هدفك بالحياة، فضع لنفسك رسالة بالحياة وحقق لها مجموعة أهداف تأخذ على عاتقك تحقيقها تباعا حتى وصولك للنهاية التي تأملها بنجاح وأمان،

فالأقويا هم الذين يتخطون كافة الحواجز بجهد معقول، وهو الذين ينتهزون الفرص السانحة ويفتحون منافذ النجاح بإقبال وعزم، وهم الذين يرفعون أوتاد ارتقائهم ويصعدون السلم دون أن تتقطع أنفاسهم، وهم الذين يبرزون بكل مجال يتواجدون به، تراهم يوزعون طاقتهم الإيجابية بكل مكان، فينظر الناس إليهم نظرة الإكبار والثقة والاعجاب، فهم فئة عبقرية تمتلك توليد الأفكار كما تمتلك العزم على تحقيقها وفق رؤية سليمة ذكية دقيقة، إنهم فئة العباقرة الذين يخلقون الفرص ويمهدون لأنفسهم ولغيرهم لأنهم صادقون واثقون بأنفسهم وقدراتهم.