أخلاقنا بين شبكات التواصل والواقع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أخلاقنا بين شبكات التواصل والواقع

المتجاهل والمبادر

  نشر في 12 يوليوز 2019 .

     أيُّه القارئ الكريم: أحتاج منك أن تقرأ المقال بعناية، ثم تُصنّف أخلاقك من حيث: أي الفريقين تتبع؟...

لكن بدايةً ينبغي أن تستوعب بل وتقتنع بالجملة الآتية: (شبكات التواصل الإجتماعي أوجدت وسيلة حديثة ويسيرة للتواصل، ولكنها لم توجِد عالمًا آخرًا!). 

لكننا لما أسبغ ربُّنا علينا نعمه ظاهرةً وباطنه، بدلًا من أن نمتلئ رضى وقناعة، صرنا نبدّل النعم نقمًا!

     فمثلًا: الشوق، ذلك الشعور الملتهب، الذي يملأ القلب لوعةً، ويُخيِّل إلى العين ما لا تراه، ويُسمِع الأذن ما لا تسمعه، في هذا الزمن لم يعد يتمثل صورته الكليّة كما في الأزمان السابقة! فلو اشتكى أحدنا منه فالسبب تمثُّل حاله بالشوق نسبيًّا، وإلا فالمكالمات المجّانية التي تصل إلى حد رؤية وسماع من كان بالصين باليدين، فلم تَعد نيران الشوق الملتهبة بعدُ تُذكينا، ومع ذلك...

تجد من يصدُّ عن رفيقهِ، أو حبيبهِ، أو حتى فلذة كبده، بلا سبب، وبدون أدنى عَجَب! ويُرغم نفسه مصارعتها، هكذا فقط يُقرر دون ذرة حكمة الفراق مُختارًا، ويحترق قلبه على محبوبهِ احتراقًا، حتى أخرج لنا ذلك نوعًا من أنواع البُعدِ لا نعرفُ له اسمًا! هل هذه ردة فعلٍ عكسيّة؟ وإن كانت كذلك لماذا؟ لا أدري.

هنا ندرك جيّدًا قول الشاعر:

قدْ ينعمُ اللهُ بالبلوى وإنْ عظمتْ ... ويَبْتَلي اللَّه بعضَ القَوْم بالنعَمِ! -يُنسب لأبي تمام

     أنا متأكدة بأن من سيقرأ الأسطر الماضية من عصورٍ متقدمة مُختلفة، سيتهمني بالجِنّة، ولكن لأني أخاطبُ أهل زمني لا يحتاج كلامي إلى تفسير، وإن كان هذا ليس مُبررًا بقدر ما يكون مهربًا لي لعدم استطاعتي تفسير هذه الظاهرة المُقيتةِ الغريبة.

     كلامي هذا هو مجرد تمهيد عن طريق ضرب مثال وتحليله؛ لبيان التضارب، وتبدّل المفاهيم، وتقلّب الأحوال لدى بعض أهل زماننا، -برابط عدم عقلانية الأفعال  حال تطور الوسائل- وإلا فاني أنوي صبّ الكلام من أجل موضوع واحد شائع، وهو: الفارق الأخلاقي بين الشبكات والواقع!

     لو تلاحظون وجود هذا الفارق لدى شريحة مجتمعيّة كبيرة، لكني لا أريد الخوض في هذا الموضوع بتفاصيله الكثيرة، كالفرق بين حال من هو خجولٌ حال اللقاء، وجريء خلف الشاشة، وغير ذلك... إنما أريد الحديث من ناحية: المجاملة في الواقع المباشر، والتجاهل والتكبُّر في شبكات التواصل.

     أتذكر جيّدًا أحدهم ذات مرة كانت تضحك وتحرك بيديها الصغيرتين شاشة الجوال نزولًا وصعودًا وهي تقول لي: "انظري كل هؤلاء يطلبون مكالمتي ولكني لا أرد على أحد منهم!".

لا تتوقعوا ردي سيكون مؤدِّبًا مُغلفًا بالنصيحة، أو شديدًا عنيفًا مُغلفًا بالقسوة؛ ببساطة كان السكوت موقفي، والابتسامة المستنكِرة اخترتها لتمثّل مظهري، ولا تلوموني! بل لا أرى أني أهلًا للوم؛ كون من يعايش الموقف هو فقط من سيدرك أن عَظَمَة البجاحة والسفاهة كانت هي سيدة الموقف لدرجة أنها طغت على النصيحة فالتهمتها، والقساوة ففتّتها، فماذا بقي من الحديث ليُنطق بهِ؟...

     ومن المؤسف أن هذا الأمر قد كَثُر، كنت أظنه ينطبق على أشخاص أستطيع عدُّهم على أصابع يدي، ولكني فوجئت مع مرور الزمن بتعدّيه إلى أشخاصٍ كُثُر!

     لا أريد أن أدخل في دوَّامة الأعذار التي يصعُبُ حصرها؛ كفلانة لا تتنبّه إلى محادثات الجوال، أو تنسى الرد...إلخ، ولا أريد التشكيك بأخلاق أحدهم، أنا أتحدث بشكلٍ دقيق عمن يتجاهل بلا سبب، ويجاهرُ بقّلةِ أدب!

وأنتَ يا من تقرأ كلماتي ووجدتها تنطبق على حالك، وإن لم تكن تُجاهر ، فالمقال موجّه لك كذلك؛ وإن كنت على رتبةٍ أخَفُّ من أولئك، فاقرأ كلماتي بعناية، ولا تنحاز وتميل إلى هواك، بل كن حَكَمًا عدلًا، فلسنا في مناظرةٍ تجني من الإنسحابِ منها ذهبًا، بل أجزم أنك تكسب من تفهّمه خُلُقًا رفيعًا حَسَنًا.

     وهنا يغلبُ على ظني تفكّر القرّاء الكرام في أسباب الظاهرة: فهل تجاهل هذا الشخص يُشبع رغبته في التكبّر والترفّع؛ بحيث نفسه الجبانة لا تستطيع التجاهل في الواقع المباشر؟ أو أنه يشفي غليله عمن يكرهه في الخفاء؟ أو أنه قد وجد لسفاهته في شبكات التواصل مرتعًا؟ أو أنه أراد التَفكُّه بظاهرةٍ تقليدًا؟ أو أنه يرغب أن يلحق بركب (المُهابين) الذي لم يستطع اللحاق به قط؟

هذا كله لا يعنيني، إنما يعنيني أخلاقنا إلى أين؟ فبعضنا يختار طويها ودفنها بالأرض السابعة، بكل ما أوتي من قوة...

ألم يحرِّك الحياءُ جُزءًا منه فيمنعه، أم أنه قد نَسَفَهُ وترك البجاحة تتولى قيادة المواقف؟

يا أخي أين أخلاقك القابعة فيك، فتّش عنها ولو بلغَ بك الأمر صعوبة من يُفتّش في كومةِ قش عن إبرة، فأنت يا أخي في خطر!

وإنِّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ ..... فَإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ذَهَبُوا -أحمد شوقي

     الأخلاق من: تواضع، وحب الخير، ومُسارعة النفس في السعي لقضاء حاجة الآخرين النفسية والماديّة، واحترامهم، وغير ذلك، هي الداعي بلا شك إلى الإجابة عمن يريدها.

     فبعضنا يختار من يحترمه، وينسى أو ربما يتناسى أن الاحترام فرض على كل أحد هو أهلٌ له -ويا لكثرتهم-؛ أما التقدير فراجع إلينا، وإلى مكانة من حولنا، وإلى ظروف محيطنا، فلن نضيّق على هؤلاء المُتجاهلون هنا؛ فافهم أيُّه القارئ الكريم -هُديتَ الرُّشد- الفرق بينهما.

     ومن المؤكد بأنك بسماحتك تكسب القلوب، وتنير إثرها الطُرُق والدروب؛ فلا تسلك مسلك البؤساء، وتخلق حاجز المشقة الذي يحول بين قلبك وبين من حولك.

فأنت يا محمد هو محمد في الواقع، وأنت هو نفسه في محادثات الهاتف والمواقع.

وتذكر بأن اختيارك لأن تكون متجاهل أو مبادر في شبكات التواصل عقلًا يقتضي أن يطابق واقعك، فصفة (المبادرة)  وكذا (التجاهل) لا تلبسان حلة جديدة في الشاشات، بل هي نفسها التي تعرفها جيّدًا في واقعك!

وأخيرًا...

أدرك ما أنت فيه قبل أن تضطر يومًا خوض حروب باردة؛ ثم تعود منها منزوع القلب، مسلوب إيجابية الفكر، فاقد الأحباب، ومن ثم: مستحق العقاب. 


  • 6

  • لمى
    لا يهم الكم بقدر ما يهم الكيف، فلا تتفاخر بكثرة سيلان حبر قلمك فهو ربما هدر، وربما حتى شاهد عليك، فاهتم (بماذا) تكتب لا (كم) تكتب.
   نشر في 12 يوليوز 2019 .

التعليقات

المسافر منذ 4 سنة
بارك الله فيك وكلماتك لها غور فبين التجاهل المصطنع والشعور المبتذل يقف ذلك المزيف وقد انسلخ من اخلاقه وقيمه . أما الطاهرون فإنهم يشجبون ذلك لأن ارواحهم تهفو إلى معانقة الحقيقة.
0
لمى
وفيك بارك أهلا وسهلا
احسنتم
1
>>>> منذ 4 سنة
أحسنت...بارك الله فيك
1
لمى
وفيك بارك
Salsabil Djaou منذ 4 سنة
مقالك رائع يا لمى ،أحسنت صديقتي
2
لمى
وأنتِ الأروع سلسبيل قلبي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا