ما هي السعادة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ما هي السعادة

  نشر في 25 أبريل 2023 .

الكل يبحث عن السعادة، وكل شخص في هذا العالم، يريد أنْ يكون سعيدا مغتبطا بهذه الحياة. والسبب بسيط جدا: وهو أنّ فطرتنا تفرّ وتنفر من الألم والتعاسة. هذه الخِلقة الإنسانية مفطورة على حب الخير واللذة والطمأنينة. يثبت هذا قوله تعالى في سورة العاديات: «وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴿٨﴾. هذا الانهمام في حب الخير والحرص عليه يجعل الواحد منّا يبحث عن السعادة بتجريب شتى الطرق المختلفة والمتعددة، لنيلها ومع ذلك لا يجدها. نراه يبذل في سبيلها: النفس والنفيس والغالي والثمين. لكي يتأتّى له معانقتها إلى الأبد بغير فراق.ولكن، ينتهي به المطاف إلى العجز والاستسلام. وهو إنْ أدرك بعضها فإنّه لا يُدرك كلها. هكذا يستمر ويظل الواحد منّا طوال العمر باحثا عن هذا الشبح الذي يُسميه البعض: سعادة والبعض الآخر فرحا ولكن في النهاية نتأكد ونتيقن أنّنا لن نعثر عليه وتذهب جهودنا ومساعينا هباء.

فهل هذه التي نسميها باسم "السعادة"؟ أتراها تكون شبحا وجسما ضبابيا لكيلا يُمسك؟ .هي بالتأكيد ليست جنية أو ملاكا أو طيفا سماويا ماورائيا.إذن،ماذا تراها تكون؟ فهل هي شعور نفسي داخلي يسكن في داخل أدمغتنا، وقلوبنا.ويتميز بالتقلب،والتبدُّل؟. فما هذه السعادة التي يلهث وراءها الجميع فلا يعثرون عليها؟ ما هذا الشيء الذي يفكِّر فيه الناس ليلا ونهارا ويسكن حشاشة قلوبهم ويتمنّع من الإتيان إليهم؟ ما هذه القيمة العجيبة التي من أجلها قطع الناس البحور والمحيطات بقوارب الموت إلى دول غنية وعرّضوا حياتهم لخطر الموت -ومنهم من قد مات بالفعل- .وإن سألت هؤلاء الذين نجوا من الغرق أو الذين قطعوا البحور بجوازات رسمية لقالوا لك: إنّما أردنا البحث عن الفرح والسعادة.

ربما نكون قد سمعنا عن شخص ما بذل لأجل أنْ ينال وظيفة أو ترقية أو لكي يحصل على مشروع اقتصادي...الوقت والجهد وسهر الليالي وأصابه الهم وتنازل بالإضافة مع كل ذلك عن أخلاقه ومبادئه لأجل تحصيل مراده. هذا الشخص إنّ سألناه:لماذا يفعل كل ذلك؟ لأجابنا بغير تردد: أنّه يريد تحقيق السعادة ولا يهمّه طبيعة الطريق الذي يسلكه للوصول إليها.

لا أحد ينكر أنّ المال هو الذي يوفِّر الحاجيات المختلفة للإنسان وله نصيب كبير في تحقيق الرفاهية والراحة والهدوء. فتكف النفس بذلك عن اشتغالها في التفكير بما ينقصها وتكون بعيدة من الوقوع في أغوار الهمِّ والحزن. إنّ النفس مع توفر الحاجيات تكون هادئة وغير مشغولة في هموم التفكير في قضاء الحاجيات التي تنقصها، فإنّ الذي لا يملك مسكن لا يمكن أنْ يكون مطمئنا،كما أنّ الذي لا يملك قوتا لعياله لا يمكن أنْ يكون هادئ البال. فهذه الأشياء المادية لها نصيب وافر في تحقيق الهدوء والاطمئنان ولا أحد ينكر ذلك إلا من كان ذو منزع صوفي زاهد وهذا المنزع قليل في زماننا هذا.

ولكن تحصيل السعادة وامتلاء النفس بالفرح على نحو حقيقي وعميق لا يكون عبر طريق المال ولا المنصب ولا السلطة. فليست هذه الأشياء هي التي تحقق السعادة والفرح. ولا يحتاج في البرهنة على ذلك الكثير من الحجج والأدلة. فالحجة موجودة عندك أيها القارئ. فكم واحد منّا أو على الأقل من نعرفهم يمتلك كل شيء في حياته، ولكنه ليس سعيدا، ولا يشعر في نفسه بالسعادة التي كان يتوق إليها قبل أنْ يُوفّر هذه الأشياء المادية.بل، أذهب بعيدا في ذلك لأقولها بصراحة: أجمل اللحظات فرحا في حياة بعض الناس لمّا كانت حياتهم خالية من كل الماديات، وبعبارة أخرى: عندما كانوا اقل امتلاكا للأشياء المادية . وقد تكون أجمل اللحظات، التي أمضيتها في حياتك تلك التي كانت خالية من المشاغل المادّية،أو هي تلك التي لم تكن تملك فيها درهما ولا دينارا ولا دولارا ولإثبات هذا القول يكفي منك رحلة قصيرة في داخل ذاكرتك لتتأكد من ذلك.

اللحظة السعيدة التي مضت لا يمكن استعادتها في الزمن الحاضر لأنّ تلك اللحظة لها شروطها الخاصة بها. فالمتعة التي كنت تجدها أنت وصديقك في حديثكما في الماضي لا يمكن أنْ تتحقق في الحاضر إلا نادرا. والجولات السياحية التي كنت تقوم بها بمفردك أو مع أصدقائك. قد فقدت من جاذبيتها في الحاضر. اللحظة السعيدة: هي لحظة نادرة من عُمرِ الإنسان وكل لحظة لا تُشبه الأخرى لهذا من الصعب استعادتها ولو حققنا جميع شروطها.

فهل يمكن استعادة مشاعر حب شعرت بها إزاء زوجتك لأوّل مرّة؟. هل يمكن استعادة لحظة فرح نجاحك في مسابقة التوظيف لأوّل مرة؟ أو لحظة سعادتك عندما قبضت المبلغ الشهري الأوّل من عملك في وظيفتك؟. هل تستطيع أنْ تعيش مرّة أخرى أحاسيسا في داخلك بسبب جولة قمت بها مع صديقك لمدينة أو لحقول في الريف؟ وهل يمكن استعادة، كلمة احبك سمعتها من خطيبتك لأوّل مرة؟

هل يمكنك استعادة زخم الحياة الذي عاينته في فترة مراهقتك؟ وتلك الأحلام المصاحبة لها واندفاعاتها وطيشها؟ هل يمكن استعادة توهُّجِك في حب الحياة وإرادتك الصلبة والحديدية في تحقيق أمانيك؟ وتلك القهقهات التي كنت تضحكها في الماضي؟ هل بإمكان كل هذا أنْ يعود إليك؟ لا أتحدث هنا عن شيء اسمه الحنين إلى الماضي وجماله. بل، أتحدث عن طبيعة وحقيقة اللحظة الجميلة وشروطها الداخلية.

تلك اللحظات التي ذكرنا بعض أمثلتها من قبل هي لحظات مملوءة بالفرح وبالسعادة. ولدت بسبب توفر شروطها: كصغر عمرك، كبراءتك، وعدم فهمك لحقائق الحياة، واتساع أمانيك، وكبر أحلامك وبراءة جميع من تعرفهم. ألا ترى معي: أنّ هذه اللحظات السعيدة لم تتعّلق بالمال ولا بتوفر الأشياء المادية. وبالتالي فإنّ الفرح هو شعور داخلي يقوم في داخل الروح أوّلا وفي الذّهن ثانيا وأنّ أساسه نفسي بحت.

ولا أحد يستطيع أنْ يشترى لحظة سعيدة فلو امتلكت كل ما في العالم من: ذهب، وفضة، ومليارات. وأردت استعادة هذه اللحظات إلى حاضرك لكان ذلك مستحيلا. لأنّ لحظة الفرح هي: لحظة فريدة ويتيمة وكل لحظة فرح لا تُشبه الأخرى. كما أنّه لو امتلكت كل ما في العالم من أموال ونفسك لم تكن مهيّأة للفرح وللسعادة فإنّ هذه الأشياء المادية لن تُشعرك بها، لأنّ العائق يكمن في الداخل. وفي مقابل ذلك، لو كانت تنقصك الكثير من الحاجيات وكنت تمتلك فن رؤيتك للأشياء وتعرف حقيقتها ومنزلتها لحصلت على سعادة لا يشعر بها الملوك في قصورهم. لأنّ الأمر متعلق: بكيفية تقييمنا للأشياء وبكيفية نظرنا إليها.وللأسف الشديد أصبح البعض منّا يرتجي السعادة من الآخرين ولا يفكر في تحقيق شروطها في نفسه، كأنْ ينتظر تقديرا من الناس بكونه يمتلك سيارة مرسيدس أو كونه قد تم تعيينه في منصب سامي. وكأنّه بهذا يعلن صراحة أنّه ليس له قيمة من دون هذه السيارة وبغير هذا المنصب. ولا شك أنّ هذا الشخص سوف يشعر بكآبة حادّة عندما يخسر وظيفته أو عندما يفقد سيارته.لأنّه ربط سعادته بتقدير الناس له وهو مع السيارة، أو في ذلك المنصب. وليس بتقديره لذاته ولشخصه. السعادة عندما يتم ربطها بالأشياء المادية سوف تبقى رهينة لبقاء أو لزوال هذه الأشياء. فالإنسان هو في الأصل أعلى شأنا وقيمة من الأشياء جميعا. ولكن البعض منا، يريد أنْ تعتلي قيمته ويصعد شأنه مع الأشياء وبها. والحق يقال: أنّه ليست الأشياء هي التي تجعلك سعيدا ومُقّدّرا بين الناس. بل ذاتك وتفكيرك هو الذي يجعلك سعيدا ويمنحُك تقديرا عندهم. والناس صنفان: الصنف الأول هو الذي ينتظر سعادته من تقدير الناس له بما يمتلكه من أشياء وما يشغله من مناصب. أما الصنف الثاني فهو الذي يطلب السعادة بتحقيق شروطها النفسية والفكرية. فهو يأخذ سعادته من خلال فن تقديره لنفسه وللأشياء.

ولكن ما علاقة الفرح بالإرادة الفاعلة؟ لا شك أنّ الفرح هو الذي يدفع الإنسان للتفاعل الايجابي في هذا العالم. فالحزن مرتبط دائما بالانكماش على الذات وبالتقوقع عليها. أما الفرح فهو الذي يدفع الإرادة للنشاط والعمل والإبداع الفرح يجعلك تفتح العالم، أما الحزن سيجعلك متقوقعا حول نفسك. ذلك انّه كلّما كنت فرحا ستتعامل في العالم بنشاط، وبمرح، وبتفاؤل وستُغني من حولك: نشاطا وحيوية أما الحزين، فهو عالة على نفسه وعلى محيطه وكلامه مثبّط للجميع.

والجسم الإنساني يخضع هو أيضا لمشاعر الفرح. إذ يفرز هرمونات السعادة التي تدفعه للحركةوالنشاط، بينما الحزن يجعل الجسم خاملا وكسولا ومتثاقلا. والمؤمن في هذه الحياة عليه أنْ يطلب سُبل الفرح الحق بكل قوّة. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تنهي النبي عليه الصلاة والسلام،عن الحزن. «ولا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران: 139). يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴿٤١ المائدة ﴾وآية: "وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦٥ يونس ﴾. وذلك ما يسببه هذا الشعور في موت وانطفاء الإرادة. والإرادة كدافعية داخلية تزيد وتنقص تبعا لمشاعر الفرح والحزن حيث يمكن تمثيلهما: بنهرين بلونين مختلفين أحدهما ينبت شجرة الإرادة والآخر يُميتها


  • 3

   نشر في 25 أبريل 2023 .

التعليقات

أبدعت يا أخي، واصل أعانك الله.
0
وحيد خليل
شكرا اختي
وحيد خليل
شكرا جزيلا

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا