السَّلامُ عليكَ أبدًا ما حَيِيت، والسَّلامُ على روحِك -إن كانت المنيَّة قد تخطَّفتك-، أكتب الرِّسالة على إثرِ أحلامي المتوالية لك، وحنيني إليك، وسؤالي الدائمِ عنك، على أَثرِ ضوء الشمعة التي لم تنطفئ وما أظنها ستنطفئ، لقد أتعبتني جدًا، كما أتعبتُك من ذي قبل، مذ خرجتَ بُغيةَ حمايةِ الوطن، ما سَمِعنا عنكَ شيئًا، وما درينا عنكَ خبرًا، أَصرتَ نسيًا منسيًّا؟، أم أن روحَك الطاهرة ما زالت تَسري بجسَدك؟، هذه الرسالة أيُّ بريدٍ سيحملها إن كنت لا أعلم حتى في أيِّ جبهةٍ تقاتل!
أبي ذا العيونِ الخُضر، لقد دأبتَ سنين تربِّينا أنا وإخوتي، ثمَّ إذا جاءت الحرب، لملمتَ ما تبقَّى من حماسةِ روحِك وأبيتَ إلا أن تُعيدَ للوطنِ حريَّته، فهل أَجلُّ من فِعلك فعل؟ وهل أرقى من روحِكَ روح؟ أي توقُّدٍ تحمِل، وأي فكرٍ منيرٍ اتَّسَعَ عقل البشر أن يحمله حملت؟
أبي الملهوفِ ابنكَ لرؤيتِك، علَّمتني يومًا أنَّ طريقَ الحياة طويلٌ تسلكه ويسلُكك، لا تُتعِبه وكيف لكَ ذلك وأنت عودٌ قصيرٌ في غابة! ويُتعبُك!، تَغلبُك حينًا ولكَ أن تغلبها دهورًا إذا تعلَّمتها ورَضيتَ بما تحمله لك من صروفٍ وظروف! قلتَ: اصبِر فالعاقِبة الفرج، وها أنذا أصبر أَمَلًا في الفرج.
أتساءلُ حين رؤيتِك أيُّ فرحٍ سيبينُ على تقاسيمِ وجهي؟
كفرحةِ قارئٍ بكاتبٍ قد روَّض الحروف على ساحةِ الخيال ترويضًا غضًّا، كفرحةِ طالبٍ للتوِّ بدأ بحفظِ النشيدِ الوطني، ومزارعٍ بدأ محصودُ زرعهِ بالظهور، وطبيبٍ تشكَّلت ملامحُ الشفاء على وجهِ أحد مرضاه، ما أعطيتُ وجهكَ النوراني ما يستحق، لكن أرجو أنَّ محاولتي قد شفعت لي.
أبي الرؤوف، ها هي الشمعة تَحتَضِر وما أظنُّ أنني سأكتب فيما تبقى أكثر من جملتين، أردتُ القول لك: أَنِّي فخورٌ جدًّا بك، وإذا أتيت إلينا كان الذي نبغي ونرجو، وإن رَحَلَتْ روحُكَ فداءً للوطن فهذا والله لَهوَ الفوزُ المبين، هذه الرسالة مكتوبةٌ لا إلى أين، وحَسبِي أنَّني سطَّرتُها لأجلِك، ثمَّ أرجوك لا تتوقف عن زيارتي في مناماتي فإنَّ عودي يقوى برؤيتِك.
-
ماريَّةأنا كالغيث، تعشَقُني دروبي، صفات الغيثِ تُشبِهُها صفاتي