كانَ يقضِمُ الخبزَ السّاخنَ على عجلٍ، الرّجلُ الذي يجلسُ بجانبي، أتى بهِ من زُقٍّ عتيقٍ يعملُ به رجلٌ يمنيّ، لا أدري لِمَ استوقَفني منظرُ ذاكَ الرّجل.. كانَ يشبهُ عمّانَ بجمالها و عتقها و كآبتها أحياناً.
و هناكَ على الجّانب الآخر فتاةٌ في مُقتبل عمرها تقرأُ روايةً للكاتب السّوري ( خليل صويلح ) الذي استهلّها بقصّةِ فتاةٍ كانتْ تراسلُ حبيبها بحبّاتِ التّفاح و الجوز ما قبل اختراع الكتابة..
على قارعةِ الطّريق مُسنٌّ من الضّفة الغربيّة يقرأُ الصّحيفة اليوميّة؛ ربّما تبقّى هناك مَنْ يكتبُ و ينشرُ عن فلسطينَ !!
على الجّانب الأيسر من الشّارع كنيسةٌ حجريّةٌ لربّما أنّها من مئتي عام، و على الطرف المقابل مسجدٌ فاتحٌ أبوابَه للجميع.
شارعٌ عالِ لوهلةٍ ينزلُ بكَ إلى حيٍّ آخرٍ دونَ أنْ تعلمَ.
القاسمُ المشتركُ هنا الياسمين الأبيض الدّمشقيّ، مسيطرٌ على الأرصفة، يطلُّ من المنازل ليقولَ لكَ .. أنا هنا
يطلُّ ليخبركَ أنّه سيخفّفُ من ألمكَ كلّما شممتَ زهرَه و رأيتَ بياضَه !!
عمّان ما هذه المدينة ؟ مدينةُ الحبّ و الخوف و الغرباء
الحبُّ لهذا الجّمال البهيّ الذي يُسعدُ أرواحَنا كسوريّين على وجه الخصوص و غرباء على وجه العموم
الخوفُ من أنْ ترحلَ عن هذه المدينة في ليلةٍ تخلو من ضوء القمر ...
مدينةُ الغرباء؛ لأنّها تضمُّ من كلّ دولةٍ في العالم مواطناً غريباً، كأرض القيامة..
عمّان ...مزيجُ من الفرحِ و الكآبة؛ تُفرحكَ و تُبكيكَ حسبما تهوى !!
و نسيتُ نفسيَ و أنا أُصوّرُ هذه اللّوحة العمّانيّة-كومضاتٍ عاليةٍ في مُخيّلتي- أنَّ الرّجلَ الذي بجانبي لربّما علمَ أنّني أكتبُ عنه.
لملمتُ أوراقيَ و وضعتُ بها حبّتي ياسمين سقطتاْ أرضاً و رحلتُ وهل لي سوى الرّحيل درب بعدَ كمٍّ هائلٍ من العجز أنْ أفهمَ هذه المدينة .. أمشي مُتمتماً " عمّانُ ما أنتِ إلّا امرأةٌ قاسيةٌ تُعبّدُ قلوبَ المغتربينَ حنيناً إلى ديارهم".
-
Abdulhadi Al_Rakepمن الشآم التي عبثاً تحاول مهازل الحياة أن تبعدنا عنها