الشتاء، ضيفي الموسمي ، زائر كلما حل يبعثرني ، يفصم شخصيتي و يخلق بي ضربا من التناقضات، فمع أول القطرات، تتسلل رائحة التراب الندي لتوقظ بداخلي تلك الطفلة العشرينية ، الحالمة، المتصابية ... تهتف بصوت فيروزي دافئ " رجعت الشتوية" ، ثم تركض نحو الشرفة وعيناها تشعان شوقا و لهفة , سعادتها اللحظة لا تنتمي الى هذا الزمن ، انها كفرحة تلقي رسالة من حبيب غائب, في ذلك الزمن الجميل - حين كان للرسائل معنى - .
كيف لا تعشقه وهو سيد الفصول ؟
في الشتاء فقط ينتج عن السقوط نمو و ارتفاع ، في الشتاء فقط يصبح للبرد قدرة على التدفئة ، فبرده يلهب مشاعر الأحبة ، يوقد شعلة الالهام لدى الشعراء و الكتاب و جل المبدعين المرهفين ...
في الشتاء فقط يفصح أغلبنا عن ذلك الطفل القابع في أعماقنا ، فنطلق له العنان ليركض تحت المطر ، ليتراشق بكريات الثلج ثم يصنع منها رجل الثلج الشهير و يلتقط معه صورة تذكارية تؤرخ ذلك الانجاز الطفولي العظيم ...
قبل أن تطأ قدماها الشرفة أحست بيد تمسك معصمها ! لم تلتفت ، فهي تعرف ذلك الخيال المنتصب خلفها ، انها شريكة مسكنها ، تلك الراشدة صاحبة الرؤى العقلانية ، ستفسد عليها فرحتها ، ستحاول اخراجها من عالمها السريالي لتجذبها نحو عالم كئيب يدعونه "الواقع" .
و ككل موسم ستذكرها بجرائم الشتاء الشنيعة بهذا الوطن، ستقص عليها معاناة الفقراء مع أمطار تخترق منازلهم من كل صوب و برد يعصف بأجسادهم، يعريهم و يزيل عنهم غطاء الستر المزعوم، ليكشف عن وهمية الكرامة ...
ستحكي عن ثلوج تعزل قرى ، تقتل رضعا و حوامل و مسنين ، ستكلمها عن فيضانات مميتة ، طرقات تصدعت ، قناطر انهارت و أرواح فارقت أجسادا جرفها التيار و انتهى بها الامر لتحمل بشاحنات نقل النفايات .
تراجيديا مخجلة ، الزخات فيها طلقات قاتلة، و المطر مرادف للخطر ...
لا رغبة لديها للدخول في سيناريو الصراع المعتاد ، تملصت من تلك القبضة ثم ولجت الشرفة لتنعم بلحظات تأمل . بسطت كفها لتلامس قطرات المطر البريئة , فلا ذنب للشتاء ان كانت بنيات هذا الوطن غير مؤهلة لاستقبال هذا الفيض من الخير و السعادة.
التعليقات
تحيتي لقلمك ومشاعر/شتوته :)