رفيقتي
رفيقتي هي تلك التي في أحضانها أبكي بلا خجل. فتفهمني، أجل تفهمني ما أعظمها وما أجلّها! وتنصت إلى نشيجي وأنّاتي دون أن تحكم عليّ بأنّ في رجولتي ما يخدشها. اطمأننت إليها لهدوئها، فما تطيب لي قراءة ولا تتم لي دراسة إلا في وجودها معي وحدها، فما أن يدخل علينا ثالث كائن من كان حتى يفسد علينا هناءنا ويشوّش أفكارنا. هي ملهمتي في أغلب أفكاري. عشقتها لنقائها، نقية هي كالغيوم البيضاء، صافية كما لا أجد معنى آخر أشبهها به من معاني الصفاء إلّا هي ذاتها. ما سمعتها في حياتي تذكر أحداً بسوء، وما رأيتها يوماً تشغلني بغير شيء أشغلها وأشغل نفسي به. تسعدني رفيقتي في خلوتي، تسلو عليّ وحشتي. تقاسمني غرفتي، ولا تفرّ منّي مطلقاً حتّى حين أكون برفقة أحد من الناس، إلّا إنّها إذ ذاك تختفي لفرط حيائها! لكنها لا تتركني. من له رفيقة كرفيقتي! أبكي في حضرتها، وأدرس، وأفكّر دون أدنى تردّد، أو تهيب، أو مخافة أن أُعيّر أو يُشمت بي. تعاتبني أشدّ العتاب على رحيلي عنها وانغماسي في الناس، إلّا إنها حين رجوعي إليها تنسى ما كان منّي من جفاء مهما طالت مدّته وتضمّني إليها برفق قائلة مرحبا بك في قلبي الذي لم تخرج منه كما لم أخرج أنا من قلبك. لذا آليت على ألّا أتركها إلّا لضرورة، فمن ذا الذي يستحقّ أن أجالسه وأسمر به غيرها؟ وها قد عرفتَ كلّ شيء عنها إلا اسمها، وكأنّي بك تقول ليت لي رفيقة مثلها أسعد بها أشدّ السعادة، فأقول لك لا تجزع، في متناول كلّ إنسان أن يتّخذ رفيقة تشبهها طبق الأصل، سأقول لك اسمها، وبعد أن تعرفه ستيقن أنّي قد صدقتك القول، اسم رفيقتي هو: العزلة.
التعليقات
ليست كل عزلة كعزلتك...اعتقد.
خاطرة جميلة جدا.