الحياة فوق الثامنة عشر !
نُزهة صباحية.
نشر في 06 يوليوز 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
الساعة الآن السادسة والنصف، الجو ضبابي بعض الشئ، لابد أن زقزقة العصافير أمر مبهج، ولكن لشخص يعاني من الصداع المزمن مثلي، إنه الجحيم، بعض الرجال يقفون بالفانلة البيضاء في شرفاتهم مع كوب الشاي المعتاد منذ العصر الفاطمي، رائحة الصباح لطيفة بشكل ما ولا يمكنني إخفاء استمتاعي بتلك النصف ساعة من الهدوء النسبي الذي يخلو من سباب المارة والجالسين الذي يسيطر على الأجواء ظهرًا.
الممر هادئ تمامًا إلا من صوت طفل في السادسة لا يريد الذهاب إلى المدرسة يصيح باكيًا أن "عايز أروح" صدقني يا فتاي، كلنا نريدها، كلنا "عايزين نروح" ونستمتع بما تبقى من هدوء الصباح في منزلنا مع فيلم لطيف وكوب بارد من الليمون، أو نمارس النشاط الإنساني الأعظم على الاطلاق، النوم.
ولكن دعني أحدثك سريعًا عن الحياة فوق سن الثامنة عشر.
فلن تُستجاب أمنياتك بتلك السهولة، والأدهى أنك لن تستطيع البوح بأمنياتك مثلما تصرخ الآن مطالبًا بها، بل ستطالَب بالتكتم عليها وعدم مناقشتها حتى مع نفسك لتصبح في طي النسيان بعد قليل من الوقت ليحل محلها أمنيات أخرى لا تلبث إلا أن تلحق بزميلاتها.
سوف يكون مُطالَبًا منك أن تكون بطلا خارقا، تتألم ولا تبوح، ستُسحب منك أريحية أن تكون عاديًا، لا يمكن بعد الآن فقد جاوزت الثامنة عشر يا فتى ! وربما حتى ينتزع منك لقب الفتى فقد أصبحت رجلًا.
وعندما يحدثونك عن معنى الفشل، لا تصدقهم ولا تؤمن أنه سئ أو مؤلم، حتى تختبره بنفسك وتحدد مشاعرك الخاصة تجاهه، والحق يا صغيري أن الفشل ليس كلّه شر، هناك -كأي شئ في الحياة- جانب مشرق له، فأقسم لك أنه لولا تجرعنا مرارة الفشل لن تشعر أن لنجاحك معنى، لذا لا تخشاه يا فتى، بل اجعله يخشاك.
وهكذا يا صغيري، استمتع بقدرتك على الصُراخ الآن، استمتع بقدرتك على جعل الآخرين يستجيبون لطلبك مع قليل من "الزن"، ولا تكتم رغباتك ما دمت قادرًا على ذلك، بل قف في منتصف الطريق تمامًا ووسط العربات المسرعة، واصرخ بهم أجمعين: "عايز أروح".
-
ءالآء محمدحالمة، ولم أحلم يومًا بأقرب من القمر.