حوْكمة العلاقة بين و مع أصحاب المصلحة، مشروع التصرف المستدام في المنظومات الواحية بتونس أنموذجا.
حوكمةالعلاقة بين و مع أصحاب المصلحة.
نشر في 25 مارس 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
في تونس، أصبح للمجتمع المدني دورا رياديّا. يبرز هذا الدّور، أكثر، على المستوى الجهوي و المحلّي خصوصا إذا كان ممثّلوه متمكّنين من وسائل الإتصال و المشاركة الفعّالة في الشأن العام. فقد أصبح قوّة متابعة، تقييم، تنديد و إقتراح للقضايا المتعلقة بالشأن العام. و قد تعزّز هذا الدّور بالتاوزي مع التنقيحات التشريعية التي شهدها دستور 27 جانفي 2014 و الذي نصّ على مبادئ اللّامركزية و الحوْكمة المحلية. تهدف هذه المبادئ إلى تشريك سكّان المناطق الداخلية في إتخاذ القرارات و تحديد أولويات مناطقهم حتى لا تكون تدخّلات الدولة مُسقطة عليهم و مختلفة عن إنتظاراتهم و متطلباتهم الحقيقية.
و بالتالي، فقد تبلورت إستراتيجية جديدة قائمة على التشريك الحقيقي لمختلف الأطراف المعنية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عند تخطيط، صياغة و تنفيذ المشاريع التنموية. تشمل هذه الأطراف المنفّذين، المستفيدين (المباشرين و غير المباشرين) و المساهمين (مواطنون، مجتمع مدني، مؤسسات حكومية، شركات خاصة) و هو ما يُعرف بأصحاب المصلحة. يصطلح البعض على إدارة العلاقة مع أصحاب المصلحة في حين يفضّل البعض الآخر حوْكمة أصحاب المصلحة. تُعرّف إدارة أصحاب المصلحة على أنها "جميع الممارسات التي تعمل على فهم العلاقات المتشابكة مع أصحاب المصلحة و تحليل التفاعلات الناتجة عنها لخلق القيمة و إتخاذ القرارات الإستراتيجية تبعا لهذا التّحليل". حاليّا، يسعى الجميع لتطبيق مبدإ الإنصاف و العدالة الإجتماعية، التي جاءت بهم التنمية المستدامة، في التعامل مع أصحاب المصلحة. حيث تنعكس العلاقة معهم على درجة تأثيرهم و على أبعاد التنمية المستدامة على المستويْن المحلّي و الوطني. عموما، يهدف بناء علاقة مع أصحاب المصلحة للتخطيط الإستراتيجي لبرمجة المشاريع و صنع الأولويات، أو لأغراض التطوير التنظيمي ممّا ينعكس على جودة، كفاءة و فعالية التدخّل.
يعتبر حسن العلاقة بين و مع أصحاب المصلحة شرطا أساسيّا لنجاح المشاريع التنموية. حيث تمكّن من تفادي معارضة السكان لها و التضارب مع مصالح أطراف أخرى. على هذا النمط، تمّ تنفيذ مشروع "التصرّف المستدام في المنظومات الواحية بتونس" (المموّل من قِبل البنك الدولي عن طريق الصندوق العالمي للبيئة و الذي أشرفت عليه وطنيا وزارة الشؤون المحلية و البيئة) في ستّة مناطق واحية بالجنوب التونسي في الفترة الممتدّة بين 2015 و 2019. حيث نظّمت العديد من الورشات التشاوريّة و الزيارات الميدانية لتحديد إحتياجات الواحيين و إنتظاراتهم من هذا المشروع. و قد وقع إيلاء مشاركة المرأة أهمية خاصة. على ضوء ذلك، وقع تحضير "مخطط تشاركي للتنمية" خاص بكلّ منطقة تدخُّل مراعاةً لخصوصية كلّ منها. كما أشرفت منظمات المجتمع المدني المحلي على تنفيذ المشاريع الصغرى المنضوية في إطار هذا المشروع كترسيخ لدوره التنموي الفعّال محلّيا. كانت تُقام دوريا ورشات متابعة، نقد و تقييم لهذه المشاريع من قبل الأطراف المتدخّلة. أثناء هذه الورشات، كانت تُغلّب المصلحة العامة دون الإضرار بالمصلحة الخاصة مع تثمين جهود المشرفين عليه. مكّن هذا التواصل مع أصحاب المصلحة من :
- إنشاء جسور الثقة و ثباتها بين أصحاب المصلحة المختلفين،
- إقامة علاقات عمل بنّاءة و مستدامة بين مختلف الفاعلين في المشروع،
- تحمّل روح المسؤولية للفاعلين المحلّيين،
- مصداقية الإجراءات و المبادرات،
- تكوين هياكل تعاون؛
- الحرص على إستدامة النتائج بعد إنتهاء المشروع.
و ممّا نظّم العلاقة مع أصحاب المصلحة دعم قدرات منظّمي لمجتمع، حيث كان في كلّ منطقة تدخّل لجنة محلية تلعب دور الوسيط بين المواطنين و أصحاب المصلحة. تتكوّن هذه اللجنة من ناشطين في المجتمع وقع دعم قدراتهم التواصلية (الحوار، المناظرة، إدارة الخلافات ... ) و القيادية (الشجاعة، الجرأة، الإلتزام، الثقافة، الحيادية، الطموح، الرغبة في التغيير الإيجابي ...) و أطراف ذو أسوة حسنة في المنطقة.
بفضل هذا التمشّي، أصبح المشروع مثالا يُحتذى به في تنظيم العلاقة بين و مع أصحاب المصلحة لضمان المشاركة الفعالة و إستدامة النتائج.
عفراء رضواني، تونس.