و أنا أكتب هذه الكلمات يراودني شعور غريب ... كورقة بُترت من كتاب وجدت نفسها فوق رصيف مظلم ،تأخذها الرياح بغتتا حيث تريد ، تطأها الأقدام التي أنهكتها الخطوات المتعجلة بلا مُبرر و الورقة تائهة في عالمها الصغير لا تحس بالألم ... تفكر في مصير الاوراق الأخرى ...في عنوان الكتاب الذي كانت فيه وفي أرقام الصفحات التي تعتبر كالإسم بالنسبة لها ، تختفي الكلمات من على ظهر الورقة الحائرة مع مرور الوقت لتصبح بلا روح ...الى أن يلتقطها احد الأشخاص المثقفين ليرميها في سلة المهملات وعلامة الرضى لا تفارقه .
ورقة تحِنُ الى وطنها... الى الكتاب الذي كانت فيه.
لا يتعدى تفكير الحرف عدد الحروف الأبجدية ، كل حرف بالنسبة للآخر هو فرد من بني جنسه .. الأوراق تحمل على كاهلها عبء كل حرف على حدى وما تصنعه الحروف إذا اجتمعت من خير أو شر ..فهي مسير لا مخير ، والكِتاب يضُم كل هذا العالم ويطوي كل شيء في كنفه ، يجلس في أحد الرفوف يراقب العوالم الأخرى التي تحمل نفس ما يحمل من الهم و ينتظر حتفه بلا ملل .
حرف ، ورقة . شجرة .
تختلف أحزاننا بختلاف طريقة تفكيرنا ...
الحروف تتألم في فضاء لغتها و الأوراق تفقد روحها إن بُتر جزء منها وقد يحتوي هذا الجزء بدوره على كلمات مشكلة من حروف أخرى تتألم في المنفى الذي ينشئه المعنى ..
و الشجرة ...تُعذب عندما تُقطع الى أشلاء من الكتب .
لا يمكننا أن نقارن معاناة الشجرة وهي تتلقى ضربات الفأس المتتالية من عجوز أُمِي يطلب رزق لأورلاده .
بنبرة أنين حرف المكسور ... بتيه الأوراق وهي في أرصفة الطرق تتسول أو تلك الأوراق التي تعانق الزجاج لتنظف النوافذ .
و القلم ... بلا ضمير .. يحمل سوط الجلاد ولا يبالي وهو يسوي صفوف الحروف
يجند الأوراق لتصبح كتب .
وبينما نحن نفتح كتبنا المفضل تحت ظل شجرة ... تجتمع الأسرة
حرف ، ورقة ، الشجرة ..... تتسامر أطراف الألم .
فجأة ... يأتي العجوز حاملا معه الفأس ...
-
عبد الدايم رابحيمُجرد كتاب !