منذ أن أبصرت عيناي بريق المراهقة, وأقصى أحلامي و أولها أن أتخلص من كتل الدهون البسيطة المتراكمة حول خصري التي صاحبت سن البلوغ. كنت اعتقد حينها ومع براءة تفكيري بأن الرشيقين والرشيقات هم أسعد من في الوجود, وكنت استغرب لدى رؤيتي لرشيق حزين ههههههه, كنت اتساءل كيف يحزن وقد أعطاه الله هذا الجسم الجميل بدون ان يبذل مجهودا عليه, فقد كانت الرشاقة بنظري هي السعادة, والرشيق ليس له إلا أن يكون سعيدا. مثل الأعمى الذي يرى جل سعادته في الإبصار, فطبع الإنسان أنه يشعر بقيمة الشيء أكثر عندما يفتقده.
ومع دخولي العشرين بدأت كتل الدهون تلك تتضاءل, لا أخفيكم أني بذلت مجهودا من ضبط للأكل ورياضة, ولكني لم أشعر أني أسعد إنسانة عند اكتساب الرشاقة. بل كان شعورا عاديا وكأنني أتممت مهمة كان لابد من إنجازها. فقط تمنيت لو أنني أنجزتها في ظروف أفضل, سهولة تحقيقه ذكرتني بحديث شريف لطالما تردد على مسامعنا منذ الصغر عند قوله صلى الله عليه وسلم:” أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ". فهو لم يتحقق أيام الهوس أثناء المراهقة, بل تحقق وقد أصبح لدي أمنيات أكبر من مجرد مقاس خصر.
كنت اعتقد قديما أني سأطير فرحا بمجرد التمتع بخصر رشيق, لكن لم يحدث ذلك, ثمة ظروف جعلتني أنضج قبل أواني, وقادتني لتفكير مفرط بالمستقبل. هل سأفيد المجتمع وأكون شيئا مهما ذات يوم, أم سأكون مجرد زيادة عدد, هل سيفتخر بي والداي لدرجة تلمع عيناهما عند ذكر اسمي, أم سأكون مجرد طفلة أنجباها وربياها لتتزوج هي بدورها وتنجب نسخة طبق الأصل لتستمر السلسلة الى ما لا نهاية. في غضون خمس سنوات من سن بلوغي إلى سن العشرين, تحولت أقصى أحلامي من التفكير بالمادة إلى التفكير بالجوهر, عندما كنت أفكر في نهاية كل أسبوع بالحمية الجديدة التي سأجربها الأسبوع القادم, والتي ستخولني لتجربة ملابس العيد التي مازالت تحمل رائحة السوق, أصبحت الآن أفكر, كيف سيكون لي اسم في المجتمع, كيف أظهر أمام والداي كشابة قوية لا تخاف في الله لومة لائم, فقط ليشعرا بالأطمئنان علي خلال خوضي معترك الحياة.
كيف سأغير سلبيات بسيطة لا تكاد تكون شيئا ولكنها تحدث فرقا هائلا, كيف سأكون قدوة لأخوتي الصغار وبذلك يعدل أخي الصغير من قرار تركه للدراسة عندما يشاهد نموذجا ناجحا بالحياة. يتملكني اليأس في كثير من الأحيان, بعدها بقليل أشعر بالدموع تداعب وجنتاي لأسارع بمسحها متذكرة أن التفاؤل مع الصبر سر النجاح. وأن هناك شخصان ينتظران مني الكثير, وعدت نفسي يوما بأني سأجعلهما يفتخران بي وتعبهما عبر السنين سيؤتي أكله ولن يضيع. سيقولان في نفسيهما ذات يوم : هذا ما تعبنا لأجله, كان يستحق التعب.. إلى ذلك الحين سيكون التفاؤل والدعاء عنوانا للأيام القادمة, فقد تحقق حلم و لكن بقيت أحلام تستحق الأنتظار مهما تأخرت.
-
سعدية احمدWhat doesn't kill you makes you stronger "Words I believe in"